معركة الباب تتعثّر... وحصيلة الضحايا من المدنيين ترتفع

معركة الباب تتعثّر... وحصيلة الضحايا من المدنيين ترتفع

24 ديسمبر 2016
قوات درع الفرات في الشمال السوري (حسين نصير/الأناضول)
+ الخط -
احتدمت المعركة على أطراف مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، بين فصائل الجيش الحر والقوات التركية من جهة، ومسلّحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من جهة أخرى، في ظلّ تعثر عملية اقتحام المدينة من جانب قوات "درع الفرات" التي تدعمها تركيا، وزيادة قصف الطيران التركي للمنطقة، مع وقوع المزيد من الضحايا في صفوف المدنيين.

في هذا السياق، اعتبر مراقبون أن "داعش يدافع بقوة عن المدينة لأن سقوطها يعني اندحاره حتى حدود الرقة، لذلك فقد كثف من استخدام العمليات الانتحارية والألغام لمواجهة تقدم القوات من الشمال والغرب. وقد نجح في ذلك حتى الآن". كما أشارت مصادر تركية إلى أن "التنظيم تلقى مساعدة غير مباشرة من أطراف لا تريد لتركيا وللقوات التي تدعمها النجاح في السيطرة على المدينة وفي مقدمتها النظام السوري والولايات المتحدة".

في هذا الإطار، اعتبر المحلل التركي أوكتاي يلماظ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "جرى تسليح داعش من قبل النظام السوري، الذي ترك له أسلحة ثقيلة عندما انسحبت قواته من مدينة تدمر، وجرى نقل بعض تلك الأسلحة إلى مدينة الباب، في حين جمّدت الولايات المتحدة العملية العسكرية ضد التنظيم في الرقة، وهو ما مكّن داعش من حشد قواته في الباب".

وردّ يلماظ على وقوع ضحايا مدنيين في مدينة الباب، بقوله إن "تركيا وعلى الرغم من حرصها على تجنّب المدنيين، إلا أن أخطاء قد تقع في الحرب، خصوصاً أن داعش يستخدم المدنيين كدروع بشرية ويمنعهم من مغادرة المدينة، وينشر مقاتليه بينهم، بهدف التسبب في موتهم بالقصف، وزيادة الضغط الأخلاقي على تركيا".

ورأى أن "تراجع القوات المهاجمة أخيراً بعد الهجمات الانتحارية التي شنها التنظيم على جبل عقيل وأوقعت قتلى بين الجنود الأتراك ومقاتلي المعارضة، لن يثني تلك القوات عن مواصلة هجومها، وسوف تتمكن عاجلاً أم آجلاً من تحرير المدينة". وأعرب عن اعتقاده بـ"عدم وجود حاجة لإرسال مزيد من القوات التركية إلى المنطقة". وأشار إلى أن "الجيش التركي نجح في أوقات سابقة في كسب مثل هذه المعارك عبر قوات مدربة ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شرقي البلاد".


من جهته، أفاد مصدر من تنسيقية مدينة الباب، لـ"العربي الجديد"، أن "داعش يستخدم المدنيين كدروع بشرية، ويمنعهم من مغادرة المدينة. ووضع المدنيين سيئ جداً". مع العلم أن القيادة العامة لمدينة الباب وريفها التابعة للمعارضة السورية، ناشدت أهالي مدينة الباب الالتزام بندائها الأخير و"الخروج من المدينة بأقصى سرعة ممكنة، حفاظاً على سلامتهم والتوجه إلى الريف والقرى المجاورة لفترة مؤقتة حتى تكتمل عملية السيطرة على المدينة".

من جانبه، اعتبر المحلل العسكري العقيد أحمد الحمادة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "التنظيم يقاتل بشراسة ويستخدم تكتيك القتال بمجموعات انتحارية مع المفخخات كقوة دفاع أساسي، إضافة إلى انتشار قواته ضمن السكن واتّخاذ المدنيين دروعاً بشرية. كما يعتمد على الأنفاق، ما أثّر على سير العمليّة. لذلك آثرت قوات درع الفرات الانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها لتهيئة الظروف لهجوم أفضل أو بتكتيك مختلف". ورأى أنه "ربما ينبغي لقوات درع الفرات البحث عن تكتيك آخر غير تكتيك القصف المكثف، بغية تقليل الضحايا في صفوف المدنيين".

أما قائد الفرقة الثانية مشاة، التابعة للمعارضة في منطقة القلمون، العميد هاني الجاعور، فقد اعتبر أن "حسابات الجيش التركي بشأن معركة الباب لم تكن دقيقة، وأن عليه مراجعة خططه بهذا الشأن". وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "وجود مدينة الباب في عمق سورية، وسيطرة داعش عليها وعلى ريفها بشكلٍ متجذّر، جعل معركتها تختلف كلّياً عن معركة مدينة جرابلس الحدودية مع تركيا". ولفت إلى أن "أحد أبرز أسباب الخسائر التي تلقّاها الجانب التركي، كانت بسبب اعتماده على مقاتلي الجيش الحر بشكلٍ كلي، وهم غير مدرّبين بشكلٍ كبير، إضافةٍ لعدم وضع كل الإمكانيات والثقل في المعركة". واعتبر أن "الجيش التركي تساهل في معركته أكثر من اللازم ولم يقدّر المخاطر الناجمة عن هذه العملية، ولم يقم بالتنسيق اللازم مع المقاتلين السوريين".


ورأى الجاعور أنه "لم يتم التجهيز الكافي للهجوم على مدينة الباب، ولم يتم عمل الاستطلاع الكافي والصحيح لتحركات داعش وتمترسه داخل المدينة، لا سيما أن التنظيم يعتمد بشكلٍ كبير على المفخّخات والانتحاريين". ولفت إلى أن "عدداً كبيراً من عناصر داعش كانوا قد انسحبوا أساساً قبل بدء المعركة في جرابلس. ما جعل العملية سهلة، غير أن التعامل مع معركة الباب مثل معركة جرابلس أمر خاطئ". وأعاد بطء التقدم الميداني لقوات درع الفرات في محيط الباب، إلى "قوة داعش في الباب وريفها من جهة، وإلى الاعتماد على مقاتلين سوريين غير مدربين بشكلٍ علمي وأكاديمي من جهة أخرى".

وحول سقوط مدنيين نتيجة قصف الطيران التركي المكثّف على منطقة الباب، لفت إلى أنه "لا يُمكن اعتبار كل من سقطوا هم من المدنيين، فالمدينة تحتوي على عدد كبير من مقاتلي التنظيم والموالين لقواته المنتشرين بشكلٍ كبير داخل الباب". وأشار إلى أن "وجود عددٍ كبير من المقرات لتنظيم داعش داخل مناطق مأهولة بالسكان، ساهم في سقوط بعض الضحايا المدنيين".

ميدانياً، وعلى صعيد سير المعارك في المدينة، واصلت الطائرات التركية أمس الجمعة، استهداف مواقع "داعش" في الباب. وذكر بيان صادر عن القوات المسلحة التركية، أنه "تم تدمير أهداف تابعة لداعش وقُتل 22 عنصراً منه في هذه الغارات". كما قال ناشطون إن "بعض ضحايا القصف خلال الأيام الماضية ما زالوا تحت الأنقاض بسبب عدم تمكن عناصر الدفاع المدني من انتشال الجثث في ضوء استهداف المنطقة مجدداً بالقصف". مع العلم أن "داعش" نشر مساء الخميس شريطاً سماه "درع الصليب"، تضمّن إعدام جنديين تركيين حرقاً من المشاركين في عملية "درع الفرات".

وبحسب مصادر عدة، فقد قتل عشرات المدنيين القاطنين في مدينة الباب شرق حلب، جراء غارات جوية وقصف بري مكثف من قبل الجيش التركي عليها في الأيام الماضية. وأحصت تنسيقية مدينة الباب، عبر صفحتها على موقع "فيسبوك" مقتل 91 مدنياً وجرح 45 آخرين، جراء القصف براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة خلال يومي الأربعاء والخميس الماضيين، ملقية المسؤولية على "داعش" لاستخدامه الأهالي في الباب كدروع بشرية، ما تسبب بسقوط ضحايا.