قانون الجمعيات الأهلية في مصر: المجتمع المدني والتنمية بخطر

قانون الجمعيات الأهلية في مصر: المجتمع المدني والتنمية بخطر

03 ديسمبر 2016
ينذر القانون بصيغته الحالية بكارثة مجتمعية (فايد الجزري/الأناضول)
+ الخط -
تسبّب قانون الجمعيات اﻷهلية الجديد الذي أقرّه مجلس النواب المصري، قبل أيام، في حالة من الغضب والسخط بين منظمات المجتمع المدني الخيرية والحقوقية. ويحيط بالقانون، والذي أُقِر بشكل أسرع من قوانين أخرى أكثر أهمية منه ولها صفة اﻹلزام الدستوري، علامات استفهام لناحية الإسراع في إصداره، من دون انتظار قانون الحكومة المصرية، كما تجري العادة داخل أروقة البرلمان.

وتذرع مجلس النواب بعدم إقرار القوانين المكملة للدستور خلال دور الانعقاد اﻷول، وبعدم إرسال الحكومة مشاريع القوانين، وعلى رأسها قوانين الهيئة الوطنية للانتخابات، والصحافة واﻹعلام، والانتخابات المحلية. ونشبت أزمة كبيرة داخل مجلس النواب على خلفية اعتراض الحكومة، ممثلةً بوزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، المستشار مجدي العجاتي، على عدم انتظار رأي الحكومة في قانون الجمعيات أو مشروع القانون الذي تعده وزارة التضامن. وعلى الرغم من حالة الجدل المصاحبة لمشروع القانون الذي تقدّم به النائب، عبد الهادي القصبي، إلا أن البرلمان وأغلبية "دعم مصر"، وافقت على القانون من حيث المبدأ في جلسة واحدة، ولم تفتح باب المداولة عقب مراجعته من مجلس الدولة، حتى مع تقديم عدد من الطلبات لفتح المناقشة مرة أخرى حول عدد من المواد.

وترى منظمات وجمعيات أن القانون سيؤدي إلى وقف عملها بسبب الصعوبات وعمليات التضييق المفروضة بموجب القانون، وسط دعوات لرئيس النظام المصري، عبدالفتاح السيسي، بعدم التصديق عليه وإعادته للبرلمان مرة أخرى لتعديله. وبعيداً عن فكرة التضييق على منظمات المجتمع المدني، لا سيما المؤسسات الحقوقية التي تتسبب في أزمات للنظام الحالي لناحية انتقاد وفضح ممارسات وانتهاكات اﻷجهزة اﻷمنية، تبقى المسألة المثيرة للجدل متمثلة بتجاهل الحكومة أثناء عملية مناقشة هذا القانون.

وفسرت مصادر برلمانية غضب الحكومة من القانون ليس بسبب تجاهلها وحسب، لكن أيضاً ﻷن القانون بصيغته الحالية، يؤدي لعراقيل في عمل الجمعيات الخيرية والتنموية، وهو ما يزيد من اﻷعباء على كاهل الحكومة، وينذر بكارثة مجتمعية. وقالت المصادر لـ"العربي الجديد" إن الجمعيات الخيرية توفر التزامات أسرية من خلال التبرعات لعدد كبير من المواطنين. ولفتت إلى أنه في حال قررت الجمعيات وقف تلك التبرعات، ستضطر بالتالي الحكومة إلى محاولة سد العجز الناجم عن انسحاب تلك المنظمات من العمل، وهو ما لا يمكن للسلطة التنفيذية الوفاء به في ظل اﻷزمات الاقتصادية التي تعاني منها مصر. وأضافت أن الأوضاع تدهورت وازدادت سوءاً بشكل غير مسبوق، وأن الحكومة لا يمكنها الوفاء بما تقدمه تلك الجمعيات التي تقوم على أساس التبرعات.

وحول الفراغ المرتقب، والذي قد يتسبّب فيه انسحاب الجمعيات اﻷهلية من العمل في أعقاب القانون، شددت المصادر على أن الدولة لن تقف مكتوفة اﻷيدي، إذ يجرى بحث إمكانية تأسيس جمعيات وفقاً للقانون الجديد، تحت إشراف الدولة. ولفتت إلى أن تأسيس جمعيات من قبل أطراف مقربة من أجهزة الدولة وتحديداً اﻷمنية، أمرٌ ليس جديداً، ويمكن أن يتم التوسع فيه خلال الفترة المقبلة، وهو أمر قانوني تماماً.

من جانبه، قال حقوقي مصري إن قانون الجمعيات يفرض قيوداً كبيرة على العمل اﻷهلي، وهو موجه في اﻷساس للمنظمات الحقوقية، وبالتالي ستواجه هذه الجمعيات أزمة حتى ولو قبلت بفكرة تعديل وضعها وفقاً لمقتضيات القانون الجديد. وأضاف الحقوقي لـ"العربي الجديد" أن قانون الجمعيات الذي أقره البرلمان، يعبر عن حالة الرفض من قبل مؤسسات الدولة ﻷي صوت يدافع عن اﻹنسان المصري وحقوقه، وسط سعي ﻹغلاقها مع أول خطأ تتهم بارتكابه. وتابع أن أغلب المنظمات ستبحث في اﻹغلاق الطوعي، ﻷن أنشطة المراكز الحقوقية ستكون دائماً موضع رفض، وبالتالي بدلاً من السجن واﻹغلاق الإداري، ستجد الجمعيات أنه من اﻷفضل تسجيل موقف رافض للقانون والانسحاب من العمل في مصر. ولفت إلى أن هذه الرؤية تقابلها رؤية أخرى، مفادها أنه في حال الانسحاب ستكون الساحة خالية من أي أصوات تنحاز لحقوق المواطن البسيط. لكن المصدر نفسه لفت إلى أن الموقف النهائي لأي جمعية سيصدر بعد معرفة القرار الذي سيتخذه السيسي بشأن المصادقة على القانون.

وتعتزم منظمات حقوقية، إرسال مذكرة مشتركة للسيسي، تطالبه فيها باستخدام صلاحياته كرئيس للجمهورية المنصوص عليها في المادة 123 من الدستوري، والتي تجيز له الاعتراض على قوانين مجلس النواب، وردها للتعديل مرة أخرى، بما يسمح بوجود توافق مجتمعي عليها. وطالب عضو مجلس النواب، هيثم الحريري، السيسي بتبرئة ذمته من قانون الجمعيات الأهلية، ورفض التصديق عليه وإعادته للبرلمان مرة أخرى لتعديله. وقال في تصريحات صحافية، إن التعديلات التي أدخلت على القانون قبل الموافقة النهائية، كانت شكلية وجاءت بناءً على ملاحظات مجلس الدولة، ولم تمثل أي تعديل جوهري في فلسفة وبنية القانون.

وأعلن تكتل "25-30"، البرلماني المعارض، عن رفضه القانون. وقال في بيان "إنه كان واجباً أن تستدعي اللجنة التي أقرت القانون، النواب المعترضين على القانون أو بعض مواده، لتبيان وجهة نظرهم وهذا لم يحدث، وأن التعديل حصل بشكل سريع ولم يعط الوقت الكافي لدراسة التعديلات ومقاصدها وقد تسلمها الأعضاء صبيحة مناقشتها، مما لم يمكن الجميع من دراسته الدراسة الواجبة، كما تمت مصادرة حقنا في إبداء آرائنا داخل الجلسة". وأضاف التكتل البرلماني "أن التعديلات على القانون لم تشمل المواد التي تمس روح وفلسفة القانون التي نراها تقيد عمل المجتمع الأهلي". وأشار البيان إلى أن التكتل "يثمّن أي جهد يحافظ على ضوابط الأمن القومي ويمنع التدخل في شؤون (البلاد) الداخلية ويمنع أي تمويل مشبوه يؤثر في استقرار الدولة وتماسكها، إلا أن هذا الذي نصت عليه مواد هذا القانون يتجاوز ذلك" ويفرض قيوداً على "مئات الآلاف من المشتغلين في العمل الأهلي ويضعهم في دائرة المشتبهين دائماً"، بحسب بيان التكتل البرلماني المعارض.