فرنسا بعد زلزال هولاند: فالس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه

فرنسا بعد زلزال هولاند: فالس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه

باريس

عبد الإله الصالحي

avata
عبد الإله الصالحي
03 ديسمبر 2016
+ الخط -
دخل الرئيس فرانسوا هولاند، مساء الخميس 1 ديسمبر/كانون الأول 2016، التاريخ السياسي الفرنسي المعاصر كأول رئيس منذ عام 1958 يقرر عدم الترشح لولاية رئاسية ثانية، وهو الذي سبق أن سجل اسمه أيضاً في فصل السوابق التاريخية على اعتبار أنه الرئيس صاحب أدنى شعبية على الإطلاق في الجمهورية الخامسة، مع تسعة في المئة من التأييد فقط، وسبعة في المئة من الموافقين على ترشحه بحسب آخر استطلاع للرأي. وستكشف الأيام القليلة المقبلة ما إذا كان قرار هولاند مجرد اعتراف بالفشل الذريع بعد خمس سنوات من الحكم تخللتها ظروف أمنية كارثية، وحصيلة عجز عن الترشح لولاية ثانية بسبب افتقاده للشعبية في أوساط الرأي العام وعدم مصداقيته داخل الغالبية الاشتراكية الحاكمة، أم أنه، إلى جانب هذه العوامل، نتيجة تسوية داخل العائلة اليسارية عموماً، والاشتراكية خصوصاً، للاتفاق على مرشح قوي يمكنه إعادة الأمل بالفوز في انتخابات الرئاسة، الربيع المقبل، في وجه مرشحَين يتنافسان على البرامج والخطابات اليمينية واليمينية المتطرفة، فرانسوا فيون ومارين لوبن. ونال المرشحان حصتهما ضمنياً من الخطاب المفاجئ لهولاند، عندما اتهم اليمين بأنه "يريد التشكيك بالنموذج الاشتراكي الفرنسي"، محذراً من اليمين المتطرف "الذي يدعونا الى الانطواء والخروج من أوروبا والعالم".


بكل الأحوال، يجمع عدد كبير من المراقبين والسياسيين يمينا ويساراً، على أن هولاند تحلى بشجاعة كبيرة، عندما فضل التخلي عن حلم ولاية رئاسية ثانية والانسحاب من المشهد السياسي، ليتجنب هزيمة نكراء متوقعة إن هو ترشح للانتخابات التمهيدية داخل حزبه مثلما حصل مع خصمه اللدود الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في انتخابات اليمين والوسط التمهيدية الأخيرة. وما يعزز من هذه الفرضية، هو ما جاء في كلام هولاند نفسه، في "خطاب التخلي"، مساء الخميس، وهو تاريخ انطلاق الترشيحات لانتخاب اليسار التمهيدية، بقوله "لن أقبل تشظّي اليسار"، مع أن كثيرين من اليسار يحمّلونه مسؤولية كبيرة في هذا التشظّي من خلال سياساته "اليمينية" اقتصادياً وهفواته الشخصية والخلافات الكبيرة التي راكمها خلال خمس سنوات من رئاسته، وألّب ضده الأصدقاء قبل الأعداء بسبب الكتاب الذي خصصه له الصحافيان جيرارد دافي وفابريس لوم والذي صدر قبل حوالي شهر بعنوان "من المفروض ألا يقول الرئيس هذا" والذي تضمن العديد من الانتقادات الصادمة لعائلته السياسية وللقضاء، وحتى للاعبي كرة القدم الذين وصفهم بالأغبياء.


وتحولت الحكومة الاشتراكية والحزب الاشتراكي في الأيام الأخيرة إلى ما يشبه المدفن لآمال هولاند الرئاسية، إذ إن عدداً كبيراً من الوزراء والشخصيات القيادية باتت لا تخفي استياءها منه وباتت تشكك في قدرته على تمثيل الحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية المقبلة بسبب هفواته المتكررة وانهيار شعبيته لدى الرأي العام. كل هذه المعطيات جعلت من سيناريو تقدم هولاند إلى الرئاسيات وإقصائه المتوقع في الدور الأول، يعني موتا محققاً للحزب قد يدوم سنوات طويلة، وهذا ما خلق حالة من الهلع والبلبلة في صفوف الاشتراكيين مخافة من هذا السيناريو القاتل.

هكذا إذاً، وضع هولاند في خطابه ليل الخميس، حداً لمسلسل من الترقب دام شهوراً طويلة امتنع خلالها عن إعطاء أي إشارة واضحة في معسكره لناحية نيته الترشح أو لا لولاية ثانية، وهو المسلسل الذي زاد في تعميق الخلافات حوله وأفقده المزيد من المصداقية حتى في أوساط أشد مناصريه. وعكست بعض الصحف الفرنسية حجم الحدث بعناوين من نوع: "النهاية" (لوفيغارو اليمينية) و"بدوني" (ليبراسيون اليسارية). وهولاند، بتخليه عن الترشح، قدم هدية للحزب الاشتراكي وتحديداً لرئيس وزرائه مانويل فالس الذي يطمح للترشح بشكل حماسي، وكاد يفقد صوابه في الأسابيع الأخيرة عندما انتقد علناً هولاند ولمح بقوة إلى رغبته في الترشح للرئاسيات في سابقة "خطيرة" بالنسبة للتقاليد السياسية الفرنسية، قلما ارتكبها رئيس وزراء في حق رئيسه خلال ولايتيهما. غير أن مبادرة هولاند تفتح أيضاً الباب على مصراعيه لفترة من الاضطرابات والقلاقل داخل المعسكر الاشتراكي في أفق الانتخابات التمهيدية المقررة في 22 يناير/كانون الثاني المقبل.

وإضافة إلى فالس الذي يتوقع أن يعلن ترشحه في الساعات القليلة المقبلة، وثلاثة مرشحين مغمورين هم مارين نويل لينمان وديرار فيلوش وبيار لاروتور، هناك مرشحان اشتراكيان بارزان يمثلان تيار "الساخطين" هما أرنو مونتيبورغ وبونوا هامون اللذان سيتحركان بشراسة في مواجهة فالس ويركزان على انتقاد حصيلة فالس الحكومية الهشة. ومن الآن حتى 15 ديسمبر/كانون الأول الحالي، تاريخ إغلاق الباب أمام الترشح للانتخابات التمهيدية عند اليسار، ليس من المستبعد أن يبرز مرشحون آخرون يزيدون حماوة التنافس. وهناك من يراهن على ترشح وزيرة العدل السابقة كريستيان توبيرا في هذه الانتخابات نكاية بخصمها فالس وبالتيار الليبرالي والإصلاحي الذي يمثله داخل الحزب. وما يعزز من هذه الفرضية هو الشعبية الكبيرة والنجاح السريع الذي حققته عريضة وقعها حتى الآن أكثر من 70 ألف شخص تطلب من توبيرا الترشح للتمهيديات داخل الاشتراكي. كما أن هناك من يطرح علامات استفهام حول الدور الذي قد تؤديه الأمينة العامة السابقة للحزب الاشتراكي، مارتين أوبري، المعروفة بعدائها الشديد لفالس وانتقاداتها الشرسة لسياساته الليبرالية، وهي التي تصنف في خانة يسار الحزب. من هنا، يتوقع إما أن تترشح أوبري ضد فالس أو على الأقل أن تساند المرشحين الساخطين عليه. ولم تتوقف أوبري (التي خسرت بطاقة الترشيح الاشتراكي في 2012 أمام هولاند) في الفترة الماضية عن تقديم النصح لرئيس الحكومة بـ"ضرورة احترام الوظيفة" وإخفاء اعتراضاته على الرئيس أو رغباته في الترشح.  


أيضاً، يشكل انسحاب هولاند هدية لوزير الاقتصاد السابق إيمانويل ماكرون الذي أعلن ترشحه للرئاسة بشكل مستقل من دون خوض معركة التمهيديات في صفوف الحزب الاشتراكي. ذلك أن ماكرون يبني استراتيجيته على الدعوة للقطيعة مع مرشحي المؤسسة الحزبية يميناً ويساراً، وانسحاب هولاند بعد ساركوزي وجوبيه يدعم حظوظه في تلميع صورته كبديل شاب للنخبة السياسية المتقادمة. ويلقي رئيس الوزراء اليوم السبت خطاباً في تجمع انتخابي في باريس دعا اليه الحزب الاشتراكي حيث ربما يعلن ترشيحه رسمياً.

وفي أول استطلاع للرأي يجرى بعد الإعلان التاريخي لهولاند، عبّر نحو 24 في المائة من المستطلعين عن تأييدهم لترشح مانويل فالس باسم اليسار مقابل 14 في المائة لمونتبورغ و6 في المائة لهامون. استطلاع يؤكد أن فالس هو أكبر المستفيدين من قرار هولاند، إلا أنه، مع ذلك، حرص على  إظهار "تأثره واحترامه ووفائه ومودته" لفرانسوا هولاند في قراره "الصعب والناضج والخطير، والذي هو خيار رجل دولة" على حد تعبير فالس. أما بونوا هامون فقد رأى في قرار الرئيس "إقراراً بعدم القدرة على تجميع اليسار" مصراً على أن "اليسار في وضعية سيئة، ولكنه لم يتهدم". في حين أن ماكرون رأى أنه "من الصعب التعبير عن هذا القرار مثلما هو من الصعب اتخاذه، مهما كانت شعبية صاحبه سيئة". وكان المرشح اليساري الراديكالي، جان لوك ميلونشون، أول المرحّبين بقرار فرانسوا هولاند، مشددا على أن رئيس الجمهورية، ومعه رئيس حكومته، لم ينفذا أي سياسة يسارية في البلد". هكذا سيبقى هولاند خمسة أشهر أخيرة في ولايته الرئاسية ويحكم من دون أن يشغل باله بالانتخابات المقبلة.

ذات صلة

الصورة

منوعات

تراجعت مجلة فوربس عن حفل تكريم أكثر 40 امرأة تأثيراً في فرنسا، وذلك بعد حملة تحريض في باريس، على المحامية من أصول فرنسية ريما حسن
الصورة
وردة إنور (إكس)

منوعات

اعتقلت الشرطة الفرنسية، الخميس، مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي بتهمة "تمجيد الإرهاب"، بعد سخريتها من التقارير الإسرائيلية المزعومة حول إقدام مقاومي كتائب القسّام، الجناح العسكري لحركة حماس، على حرق طفل إسرائيلي.
الصورة

سياسة

طرح أعضاء في مجلس الشيوخ الفرنسي مشروع قانون لتجريم إهانة إسرائيل، في استكمال لقوانين "محاربة الصهيونية"، ما يؤسس لمزيد من قمع الحريات خدمة للاحتلال.
الصورة

سياسة

أكدت فرنسا، يوم الجمعة، وفاة فرنسي و"احتجاز آخر في الجزائر، في حادث يشمل عدداً من مواطنينا"، بعدما أفادت تقارير صحافية مغربية، أمس الخميس، عن مقتل سائحين يحملان الجنسيتين المغربية والفرنسية بنيران خفر السواحل الجزائري.