عوائق تؤخر حسم معركة الموصل... وخطط جديدة لتعجيل التحرير

عوائق تؤخر حسم معركة الموصل... وخطط جديدة لتعجيل التحرير

20 ديسمبر 2016
أوضاع صعبة يعيشها النازحون من المدينة (حامد حسين/الأناضول)
+ الخط -

تواجه القوات العراقية المشتركة تحديات كبيرة في معركة استعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بعد قرابة السبعين يوماً على انطلاقتها بنتائج يعتبرها مراقبون متواضعة مقارنة بحجم القوات المشاركة التي تبلغ 71 ألف مقاتل، وبدعم جوي ومدفعي من قوات التحالف الدولي، تصدّرت فيها واشنطن وباريس أبرز الدول الداعمة للمعركة.
ويكشف مسؤولون في الجيش العراقي يشاركون في المعركة، أبرز أسباب تعثّر العمليات أو تأخر الحسم، بعدما كان مقرراً لها أن تنتهي بدخول المدينة بشطريها الشرقي والجنوبي على نهر دجلة مع نهاية الشهر الحالي، إلا أن المعارك ما زالت حتى الآن تجري في الأحياء الأولى للساحل الشرقي من نهر دجلة وسط ارتفاع ملحوظ في أعداد قتلى القوات المهاجمة والمدنيين على حد سواء.
ويختصر مسؤول عسكري عراقي رفيع، في حديث لـ"العربي الجديد"، أسباب تأخر تحقيق هدف المعركة وتحرير المدينة بعبارة "حزمة من الأسباب المعقدة"، موضحاً أن "القوات العراقية حققت في أول أسابيع المعركة انتصارات مذهلة في المناطق المفتوحة والزراعية والصحراوية، لكن بعد الوصول إلى الأحياء السكنية برزت تحديات كبيرة بعضها لم يكن موضع حساب القيادة العسكرية التي رسمت الخطة، لذا تم تعديل الخطة أكثر من مرة".
ويشير إلى أن "شراسة مقاتلي داعش ووفرة الانتحاريين لديه والأنفاق التي حفرها وتبلغ العشرات تحت المنازل والشوارع، وتعذّر استخدام الأسلحة الثقيلة داخل الأحياء السكنية المكتظة بالسكان أو محدودية استخدامها، تُعتبر أبرز أسباب تأخر المعركة"، لافتاً إلى أن "داعش يستخدم السكان دروعاً بشرية، ولا يمكن بدورنا أن نتّبع سياسة الأرض المحروقة في المعركة، فهناك مئات آلاف من المدنيين وستحصل مجازر، لذا يمكن وصف المعركة بأنها أشبه ما تكون بتداخل جراحي لاستئصال ورم من الدماغ".
ويضيف ضابط عراقي عرّف عن نفسه بالعقيد محمود الخزعلي، أسباباً أخرى يقول عنها ثانوية لكنها مهمة، من أبرزها الطقس الرديء مع استغلال "داعش" انخفاض الرؤية والضباب وموجة البرد التي ضربت المحور الشرقي للموصل، في التحرك بطريقة العصابات المحترفة مقابل عدم خبرة الجنود بتضاريس المنطقة. ويتابع بالقول: "الأهم، رغم أن جميع المؤشرات تؤكد تأخر المعركة، فإننا نواصل ولا يوجد توقّف، والنهاية ستكون بالتأكيد لصالحنا، ومن المستحيل إنهاء العملية أو توقيفها حالياً، لذا يمكن القول إن تلك المشاكل معطلة للوقت لا أكثر".

ضغط على الجانب الأيسر
يكشف معاون آمر اللواء الرابع في الجيش العراقي، العقيد عبد السلام الجبوري، لـ"العربي الجديد"، أن "قيادة العمليات المشتركة أمرت كل القطعات العسكرية بالتحرك نحو المحور الشرقي للضغط أكثر على داعش والوصول إلى نهر دجلة". ويؤكد أن "القوات العراقية المشتركة باتت الآن جاهزة وتم تغيير الكثير في الخطط العسكرية من دون تحديد موعد التحرك"، مشيراً إلى أنه "في القريب سيتم الإعلان عن استعادة الساحل الأيسر من الموصل بالكامل".
يأتي ذلك بعد أن جدد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي دعوته إلى القيادات العسكرية العراقية بضرورة حسم معركة الموصل مع الحفاظ على أرواح المدنيين، وذلك بعد تزايد الانتقادات حول أسلوب القوات العراقية في إدارة معركة الموصل وتزايد أعداد الضحايا من المدنيين وتباطؤ تقدّم القوات العراقية أمام المقاومة العنيفة التي يظهرها عناصر "داعش".
وبحسب قيادات عسكرية عراقية، فإن الخطط العسكرية الجديدة تعتمد على فتح جبهات جديدة في الأطراف الشمالية والجنوبية لمدينة الموصل لتخفيف حدة الضغط على قوات مكافحة الإرهاب التي تقاتل في مناطق شرق الموصل منذ أكثر من خمسين يوماً، ما تسبب بفقدانها الكثير من قوتها.
ويوضح المتحدث الرسمي باسم قيادة عمليات نينوى العميد فراس بشار، لـ"العربي الجديد"، أن "تغيير الخطط يأتي للتعجيل بعملية تحرير الموصل بعد البطء في تقدّم القوات العراقية في بعض المحاور"، مشيراً إلى أن "تعزيزات عسكرية وصلت إلى الأحياء الشرقية والجنوبية لتعزيز مواقع القوات العراقية"، لافتاً إلى أن "القطاعات الأمنية في مختلف المحاور مسيطرة تماماً على الوضع ولا تتأثر بالمنخفض الجوي في الموصل".
في غضون ذلك، يؤكد مصدر عسكري مقرب من قيادة القوات المشتركة أن "القيادة المشتركة العراقية أعادت النظر في تفعيل الجبهات المجمدة وذلك بتعزيز قوات الفرقة التاسعة بقوات خاصة من الشرطة الاتحادية". ويشير في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "تعزيزات عسكرية أخرى وصلت بالفعل إلى مناطق شرق الموصل لتعزيز مواقع قوات جهاز مكافحة الإرهاب، لأن قيادة القوات المشتركة ركّزت على خطورة الاختراقات الأخيرة لوحدات داعش الانغماسية في أحياء التأميم والنور والوحدة شرق الموصل". ويلفت إلى أن "القيادة المشتركة العراقية تدرك صعوبة حسم معارك المدن المغلقة، لذلك سعى العبادي إلى إعادة النظر في خطط المعركة".
أما في المحور الغربي، فقد شهدت مناطق غرب الموصل اشتباكات عنيفة بعد قيام تنظيم "داعش" بمهاجمة مواقع مليشيات "الحشد الشعبي" في عدد من القرى القريبة من بلدة تلعفر (60 كيلومترا غرب الموصل).
ويفيد قيادي في مليشيا "كتائب الإمام علي" لـ"العربي الجديد" بأن "قوات الحشد الشعبي صدّت هجوماً لعناصر داعش غرب الموصل وكبدتهم خسائر كبيرة"، موضحاً أن "قوات كتائب الإمام علي، إحدى تشكيلات الحشد، صدّت هجوماً لعناصر داعش شمال قرية أبو سنام من جهة القامشلية غرب الموصل". ويلفت إلى أن "عناصر داعش حاولوا إرسال عربة مفخخة قبل قيامهم بعملية الهجوم من أجل إرباك القطعات، إلا أن قوات الحشد استهدفت هذه العجلة بعد أن تم رصدها وتفجيرها وقتل الانتحاري الذي كان يقودها". ويضيف أن "عناصر داعش حاولوا الحصول على موقع قدم بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدوها في المعارك السابقة"، على حد قوله.


أما في المحور الشمالي، فتواصل قوات الجيش العراقي تقدّمها الحذر نحو الأطراف الشمالية من مدينة الموصل، بإسناد جوي واسع من طيران التحالف الدولي. ويوضح العقيد سالم الربيعي لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الفرقة 16 تمكّنت من السيطرة على منطقة العباسية ومنطقة دجلة ستي بعد معارك عنيفة مع عناصر تنظيم داعش الذين حاولوا عرقلة تقدّم القوات العراقية في هذا المحور". ويضيف الربيعي أن "قوات الجيش تعمل حالياً على تطهير الطريق الرابط بين منطقة الشلالات وحيي الفلاح والقاهرة شمال الموصل من العبوات الناسفة التي زرعها داعش لاستهداف القوات العراقية".
من جهة أخرى، ومع تواصل العمليات العسكرية وتباطؤها، تزداد معاناة سكان المدينة بعد أن تحوّلت مناطقهم السكنية إلى ساحات قتال من دون أن تراعي الأطراف المتقاتلة وجود آلاف المدنيين. ويؤكد طبيب يعمل في المراكز الطبية الميدانية في أطراف مدينة الموصل لـ"العربي الجديد"، ارتفاع أعداد الضحايا من المدنيين نتيجة القصف المتبادل والمعارك في مدينة الموصل إلى اكثر من أربعة آلاف قتيل وجريح. ويوضح الطبيب أن "أغلب المصابين هم من الأحياء الشرقية والجنوبية من الموصل وإصابات الكثير منهم خطيرة، لذلك جرى نقلهم إلى مستشفيات مدينة إربيل لتلقي العلاج".

مجزرة جديدة لـ"داعش"

لم تمنع المعارك تنظيم "داعش" من تنفيذ حملة إعدامات جديدة طاولت 40 مدنياً بتهم مختلفة، وفق ما تكشف مصادر محلية في الموصل لـ"العربي الجديد"، لافتة إلى أن التهم شملت "التواصل مع المرتدين" أو "موالاة الكافرين" و"رفض دولة الإسلام" إضافة إلى إعدام أفراد أمن سابقين، مؤكدة أن 8 منهم دون سن الثامنة عشرة، وأحدهم أعدم بتهمة العثور على هاتف نقال بحوزته يحوي أرقام ضباط في الجيش العراقي.
وليس حال النازحين من مدينة الموصل أفضل من الذين بقوا فيها على الرغم من المعارك المستمرة، إذ أدت الظروف الجوية السيئة وانخفاض درجات الحرارة وتساقط الأمطار بغزارة خلال الأيام الماضية إلى زيادة معاناة النازحين في المخيمات التي أقيمت في مناطق الخازر وحسن شام شرق الموصل. ويقول محمد البياتي، الذي يقود إحدى الفرق الإغاثية الإنسانية في مدينة الموصل، إن "مئات العوائل حاصرتها المياه وغرقت في الأوحال نتيجة غرق أجزاء من مخيم الخازر بعد تساقط الأمطار". ويعلن أن "ثلاثة أشخاص من كبار السن بالإضافة إلى طفل توفوا بسبب البرد الشديد خلال اليومين الماضيين في مخيم الخازر"، مناشداً الحكومة العراقية "بتوفير النفط الأبيض وغاز الطبخ للعوائل النازحة لمساعدتهم في تجاوز ظروف الطقس الباردة في المخيمات".
‏وكانت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية قد أعلنت الاثنين تزايد أعداد النازحين من سكان الموصل، موضحة، في بيان، أن "أعداد النازحين الفارين بسبب القتال من مدينة الموصل بلغت أكثر من 120 ألفاً، تمت استضافة غالبيتهم في مخيمات حسن شام والخازر، شرق الموصل، والجدعة وديبكة، جنوب الموصل". ومن المتوقع أن يتزايد عدد النازحين من أهالي الموصل مع استمرار العمليات العسكرية وتواصل القتال وسط أحياء الموصل الشرقية، بالتزامن مع إعلان قيادات عسكرية عراقية عزمها على فتح جبهات قتال جديدة في محاور المدينة لتسريع عملية تحريرها من "داعش".

المساهمون