دبلوماسية العبث الأميركية: سفراء صهاينة في إسرائيل آخرهم فريدمان

دبلوماسية العبث الأميركية: سفراء صهاينة في إسرائيل آخرهم فريدمان

17 ديسمبر 2016
علاقة ترامب بفريدمان تعود لفترة بعيدة (تويتر)
+ الخط -
لا تزال إسرائيل تحظى منذ السبعينيات من القرن الماضي، في كل معركة انتخابية رئاسية في الولايات المتحدة، بتعهدات متتالية بشأن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وذلك طمعاً بالأصوات اليهودية وتأثير اللوبي اليهودي الصهيوني في بلاد العم سام. وكان الرئيسان جيرالد فورد وجيمي كارتر أول من قطعا هذه الوعود في حملاتهما الانتخابية، قبل أن يمرر رونالد ريغان مشروع قانون نقل السفارة إلى القدس، ثم عاد ليجمد القانون بفعل توتر علاقاته مع حكومة إسحاق شمير. غير أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، بتعيينه المحامي اليهودي الصهيوني، ديفيد فريدمان، المؤيد للاستيطان والمتحفّظ على حل الدولتين، سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل، قرر تسجيل نقطة تحول حتى على مستوى الخطاب الدبلوماسي، الذي لم يعد يأبه أو يقيم وزنا للموقف العربي العام في كل ما يتعلق بمستقبل القدس المحتلة ومصيرها والقضية الفلسطينية عموماً.

ومع أن تسمية فريدمان سفيراً للولايات المتحدة لدى الدولة العبرية تشي بتغليب دعم ترامب للموقف الإسرائيلي العام، كما يراه اليمين الصهيوني، فإن الدبلوماسية الأميركية دأبت منذ عام 1995 على اختيار سفراء لها في تل أبيب من أصول يهودية، بل ومعروفين بمواقف صهيونية مؤيدة بالكامل للموقف الإسرائيلي. وعدا عن علاقته الوثيقة بترامب، فإن فريدمان محامٍ متخصص بقضايا الإفلاس، ولا يخفي معتقداته اليهودية، وهو يعتمر القبعة المنسوجة (كيباه)، وهو من داعمي جمعيات الاستيطان في بيت إيل، وسبق له أن أطلق تصريحات مختلفة داعمة لسياسة الاستيطان الإسرائيلية، آخرها ما نقلته أمس الجمعة، الإذاعة الإسرائيلية، وجاء فيه أن "المستوطنات لا تشكل عقبة أمام السلام".

ومن شأن ذلك أن يؤشر لاتجاهات سياسة ترامب المستقبلية، خصوصاً أن الأخير أعلن مع تعيينه فريدمان "أن علاقات فريدمان الجيدة مع إسرائيل ستكون الأساس لمهمته الدبلوماسية، وستكون ذخراً كبيراً للولايات المتحدة".
وتكفي نظرة إلى قائمة السفراء الأميركيين في تل أبيب منذ 1995 ليكتشف القارئ أن الولايات المتحدة عينت ثلاثة سفراء يهود من أصل ستة سفراء أميركيين خدموا في تل أبيب منذ ذلك العام، ليكون فريدمان السفير اليهودي الرابع من أصل سبعة سفراء خدموا في تل أبيب.

فريدمان لا يخفي معارضته لإقامة دولة فلسطينية فحسب بل لم يتورع عن مهاجمة اللوبي اليهودي الأميركي اليساري "جي ستريت"، واصفاً أعضاءه بأنهم "أسوأ من رجال الكابو (الاسم الذي يطلقه اليهود على اليهود الذين تعاونوا مع النازية وقاموا بتسليم يهود آخرين لسلطاتها)". كما سبق لفريدمان أن قال في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" في يونيو/حزيران الماضي، إن "ترامب قد لا يؤيد حلّ الدولتين، فهو لا يعتبره مصلحة أميركية"، خلافاً لسلفيه في البيت الأبيض، "بل هو غير قلق من إمكانية قيام دولة ثنائية القومية، لأن أحداً لا يعرف عدد الفلسطينيين الذين يعيشون هناك" على حد تعبيره. وأضاف فريدمان أن "موضوع الدولة الفلسطينية وإقامتها موضوع على إسرائيل وحدها أن تقرر بشأنه، فإذا رفضت إسرائيل ذلك، فإن ترامب لا يعتقد أن عليهم القبول بإقامة دولة فلسطينية، هذا هو خيار الإسرائيليين".

ووفقا لـ"هآرتس"، فإن فريدمان قال "إنه في حال قرر الإسرائيليون ذلك، فعليهم إقامة الدولة الفلسطينية، فقط من أجل تعزيز أمنهم على المدى البعيد، وهو أمر توجد لدينا شكوك كثيرة بشأنه، نحن سنحترم قرارهم. وإذا تغيّرت الظروف وكان هناك سبب للتفاؤل فهذا رائع، ولكن الحقائق الحالية لا تجعل ذلك ضرورة ملزمة للولايات المتحدة".

وقبل تعيين فريدمان، تولى ثلاثة سفراء يهود منصب السفير الأميركي في إسرائيل، وهم إدوارد ووكر وريتشارد جونز وجيمس كانينغهام، الذين خدموا مجتمعين مدة تسع سنوات في مقابل 12 سنة تولّى فيها سفراء من أصول يهودية هذا المنصب، فإنهم التزموا حدود العمل الدبلوماسي، ولم ينشطوا في المجتمع الإسرائيلي أو بين الأحزاب الإسرائيلية كما فعل السفراء من أصول يهودية. وفي ظنّ واشنطن أن إيفاد سفير يهودي الأصول، معروف في الأوساط اليهودية الأميركية وفي الأوساط الإسرائيلية، قد يساعد في خدمة الدبلوماسية الأميركية وتسهيل مسألة تقديم إسرائيل تنازلات محدودة أو قبولها بتسويات معينة، لكنها لا تمس بالموقف الأميركي العام، ولا تتجاوز المحاذير التي قد تثير حفيظة الطرف العربي.

بداية عهد السفراء اليهود كانت مع تعيين اليهودي، البريطاني المولد الأسترالي المنشأ، الناشط في اللوبي الصهيوني "أيباك"، مارتن إنديك، في عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون. وتلا إنديك، كل من دان كورتزر والسفير الحالي دان شابيرو. برز إنديك، أثناء عمله سفيراً، في وسائل الإعلام الإسرائيلية مرات عدة، من خلال نشاطه ومشاركته الفاعلة في المؤتمرات السياسية المختلفة، كما واصل عمله بعد انتهاء مهامه كسفير. وعمل بين عامي 2013 و2014 وسيطاً في المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، حتى تعثرها، بعد رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الإفراج عن الدفعة الأخيرة من الأسرى القدامى، خلافاً للتعهّدات والتفاهمات المسبقة بين الطرفين.

كما كان إنديك من المسارعين إلى إصدار كتاب عن فترة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في كامب ديفيد، وخلال إدارة كلينتون تحت عنوان "سلام أميركي"، حمّل فيها الطرف الفلسطيني مسؤولية فشل وتعثر المفاوضات. وقد خدم سفيراً في فترتين (1995 ـ 1997)، وتلاه ادوارد ووكر، قبل أن يعود بين عامي 2000 و2001. ويشغل إنديك اليوم منصب مدير "منتدى سابان لسياسات الشرق الأوسط" في معهد بروكينغز الأميركي.

وبين عامي 2001-2005 بات دان كورتزر سفيراً، لكن علاقته بالصراع العربي الإسرائيلي تعود إلى أيام مؤتمر مدريد عام 1991، عندما كان من واضعي مبادرة جورج شولتز، ثم عضواً في الوفد الأميركي للمؤتمر. وقد نشط كورتزر خلال عمله سفيراً بشكل ملحوظ بين الأحزاب الإسرائيلية، وأقام علاقات مع قادتها، وشارك، كإنديك في المؤتمرات والندوات السياسية. وعُيّن أخيراً مشرفاً عاماً على الدوري الإسرائيلي للعبة البيسبول. وكان كورتزر مسؤولاً بعد إعلان تأييده لترشيح باراك أوباما للرئاسة الأميركية عام 2008، عن وضع خطاب أوباما أمام اللوبي اليهودي الصهيوني في واشنطن "أيباك" مع كل من دنيس روس وجيمس ستينبيرغ. كما أن شابيرو بدوره كان حاضرا بقوة في الإعلام الإسرائيلي وفي المؤتمرات والندوات المختلفة في تل أبيب وهرتسليا والقدس المحتلة.

المساهمون