حرب حفتر ضد الاتفاق السياسي: زمن الانقضاض على طرابلس

حرب حفتر ضد الاتفاق السياسي: زمن الانقضاض على طرابلس

17 ديسمبر 2016
توقيع اتفاق الصخيرات في 17 ديسمبر 2015(فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
ربما ينوي اللواء خليفة حفتر إحياء ذكرى مرور عام كامل على حربه الشرسة ضد الاتفاق السياسي الموقع برعاية دولية في مدينة الصخيرات المغربية، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، من خلال افتتاح قواته العسكرية، رسمياً، معركة السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، بعدما نقل عنه توجييه أمراً، بصفته القائد العام للقوات المسلحة للجيش التابع لبرلمان طبرق، للقوات العسكرية "بالتأهب لتحرير العاصمة الغارقة في الفوضى" على حد تعبير ما نقل عنه المتحدث باسم جيش حفتر، أحمد المسماري. وبغض النظر عن صحة النبأ، فإن نوايا حفتر بالسيطرة على طرابلس قديمة ومعلنة، وإن لم يتمكن من ترجمتها بشكل واضح عسكرياً بعد.

ولم تتوقف المعارضة السياسية والعسكرية التي مارسها حفتر وحلفاؤه، ضد الاتفاق السياسي الذي قرر تسليم السلطة الشرعية لمجلس رئاسي وحكومة وفاق يرأسهما عبد الرحمن السويحلي وفائز السراج، من دون أن ينال الرجل وبرلمان طبرق الذي يترأس حفتر جيشه، شيئاً من الإدانة الدولية والعربية الفعلية على غرار الحرب التي شنها "المجتمع الدولي" ضد عدد من فصائل "المؤتمر الوطني" و"فجر ليبيا" التي أبدت ملاحظات على نص الاتفاق وكيفية التوصل إليه.

أكثر من ذلك، فقد مرّ عام على ممانعة حفتر للاتفاق وعدم اعترافه به، برعاية عربية ترجمتها مواقف دولتي مصر والإمارات، وعواصم غربية جاءت ردود فعلها أو صمتها إزاء اجتياح قوات حفتر لمنطقة الهلال النفطي، بمثابة تشجيع ضمني أو علني للخطوة، وهو ما أضعف بشكل رئيسي "رجل المجتمع الدولي" الذي أتى به اتفاق الصخيرات رئيساً لحكومة الوفاق، فائز السراج.

كل ذلك دفع بكثيرين ولا يزال إلى التشكيك بنوايا "المجتمع الدولي" المعني بالملف الليبي لناحية الاهتمام حقاً بمحاربة "الإرهاب"، وبدعم القوى الحقيقية التي تحارب هذا "الإرهاب"، ممثلاً بتنظيمي "الدولة الإسلامية" (داعش) و"القاعدة"، بما أن مساهمة "عملية الكرامة" التي يقودها حفتر وبرلمان طبرق تكاد تكون هامشية جداً مقارنة مع ما قدمته فصائل حكومة الوفاق وتنظيمات مدينة مصراتة المحسوبة عموماً على ما كان يعرف بقوات "فجر ليبيا"، خصوصاً في سرت. أما "المساهمة" الأبرز لجيش حفتر في محاربة "الإرهاب"، فكانت حصيلتها مقتل مدنيين أكثر بكثير من المسلحين، أكان في درنة أو في بنغازي حيث لا تزال الحرب دائرة مع مقاتلي تنظيم "أنصار الشريعة" الذي يدور في فلك "القاعدة" و"داعش".

وبعد مرور أكثر من تسعة أشهر على التعنت الذي مارسه برلمان طبرق إزاء الاتفاق السياسي ومخرجاته وعلى رأسها المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق برفض كل التشكيلات الحكومية المعروضة، أقدم حفتر على خطوة تصعيدية عسكرياً، إذ سيطر في سبتمبر/أيلول الماضي على منطقة الهلال النفطي التي تمثل عصب الحياة الاقتصادية في ليبيا. وكان المجلس الرئاسي تمكن في يوليو/تموز الماضي من عقد اتفاق مع حرس المنشآت النفطية المكلف بحراسة موانئ ومنشآت النفط بالهلال النفطي يقضي بإعادة فتح الموانئ أمام حركة تصدير النفط لإدارة عجلة الاقتصاد الليبي المشلول بالكامل. تطورت ملامح المشهد الليبي بأكمله في الفترة الأخيرة، إذ قرر المجلس الرئاسي عدم الاصطدام عسكرياً مع قوات حفتر، نظراً للدعم الضمني والعلني الذي ناله الانقلاب النفطي لقائد عملية الكرامة عربياً ودولياً، واكتفت حكومة الوفاق بالمطالبة بضرورة تسليم الموانئ للمؤسسة الوطنية للنفط.


وعلى الرغم من أن معارضي المجلس الرئاسي كانوا يحصرون خلافهم مع الاتفاق السياسي في المادة الثامنة الخاصة بوضعية المؤسسة العسكرية وتمسكهم بقيادة حفتر، كشرط لمنح الثقة لحكومة الوفاق، إلا أن هذه المادة بدت ذريعة للتغطية على مساعي أكبر لحفتر ولحلفائه، للسيطرة على كامل الأراضي الليبية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وإلغاء اتفاق الصخيرات بالكامل ومعه إنهاء محاولة المصالحة أو الهدنة بين معسكري الشرق والغرب، وفصائل طبرق في مواجهة فجر ليبيا عموماً. فبعيد إعلانهم عن تسليم الهلال النفطي لمؤسسة النفط، بدأت اجتماعات حثيثة لاستمالة محافظ البنك المركزي، الصديق الكبير، الذي كان يواجه في سبتمبر الماضي نهاية ولايته القانونية، وتم التمديد له لقاء عدم تمكين المجلس الرئاسي من الاستفادة من عائدات النفط، وهو ما يمثل تضييقاً للحصار على المجلس الرئاسي مالياً وإظهاره في شكل العاجز أمام داعميه الدوليين. حدة التصعيد عقب فشل رعاية دولية للقاءات جمعت بين محافظ البنك المركزي وفايز السراج في لندن وروما بهدف تمكين الرئاسي من تمويل حكومته من عائدات النفط المودعة بالبنك المركزي، دفعت بالسراج للخروج عن صمته عندما صرح للمرة الأولى مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بأن "حفتر هو أحد المفسدين الأربعة المعرقلين للاتفاق السياسي".

حينذاك، كثير من مراقبي الشأن الليبي توقعوا أن يكون هذا الموقف بداية المواجهة بين الطرفين، فقد بدت في تصريحات بعض الموالين للاتفاق السياسي تلميحات إلى أن "حفتر يطمح في الوصول للعاصمة بقواته العسكرية". لكن وجود قوات "البنيان المرصوص" في سرت والدعم الدولي لها بدا وكأنه وضع حداً لهذه الرغبة. ثم تحدثت تقارير خلال الشهر الماضي عن نيّة وزارة دفاع حكومة الوفاق تجهيز حملة عسكرية تنطلق من قاعدة الجفرة جنوب الهلال النفطي لاستعادة السيطرة على الهلال النفطي من يد قوات حفتر.

وإثر تمكن قوات المجلس الرئاسي من حسم وجود تنظيم "داعش"، بموازاة رفض روسيا تسليح حفتر، لجأ حفتر إلى مناورة جديدة تمثلت في محاولة إيهام الرأي العام إعلامياً بأن قوات المجلس الرئاسي "تعبث بأمن منطقة الهلال النفطي وتستعين بقوات موالية لتنظيم القاعدة". وعلى الرغم من إعلان قيادة قوات حفتر أن قوات موالية لوزارة دفاع حكومة الوفاق هاجمت منطقة الهلال النفطي الأسبوع الماضي، "مستغلة فزاعة الإرهاب القديمة"، إلا أن وزارة دفاع حكومة السراج اتهمت قوات حفتر بإرسال قوات استطلاع قامت باستفزازها بقصد إظهارها على أنها تضرب عصب الاقتصاد الليبي. ويبدو أن حفتر لم يعد يكتفي بالسيطرة على منطقة الهلال النفطي، وربما يطمح لتسلم مدينة سرت المحررة من "داعش" على يد قوات حكومة السراج.

وفي هذا السياق يندرج كلام المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، وحرفيته أن طرد "داعش" من سرت "لا يعني تحريرها، لأن قوات المجلس الرئاسي طردت داعش من سرت لتسلمها لتنظيم القاعدة". انطلاقاً من ذلك، أعلن المسماري المنطقة الوسطى الممتدة من رأس لانوف وصولاً إلى سرت وحتى الجفرة جنوباً، محظورة جوياً وبرياً وبحرياً، وهو ما دعا قادة قوات المجلس الرئاسي في سرت إلى إعلان استعدادها لصدّ أي تقدم عسكري نحو سرت أو المناطق المتاخمة لها.

هكذا، وبعد مرور عام كامل على حرب خليفة حفتر ضد الاتفاق السياسي برعاية أو على الأقل في ظل صمت إقليمي ودولي، يبدو المشهد اليوم إما أمام اتفاق سياسي جديد يعطي حصة الأسد لمعسكر حفتر الذي يصفه كثيرون برمز الثورة المضادة في ليبيا، أو أمام حسم عسكري بينه وبين قوات المجلس الرئاسي التي تمتلك هي الأخرى، لا سيما فصائل مصراته، قواتٍ برية ضاربة وطيراناً شارك في القتال في سرت بالإضافة لقوات بحرية.

المساهمون