معركة الموصل: "داعش" يوقظ خلاياه النائمة في المناطق المحررة

معركة الموصل: "داعش" يوقظ خلاياه النائمة في المناطق المحررة

14 ديسمبر 2016
قطعت "الحشد" آخر خطوط إمداد داعش لتلعفر(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
أخذت معركة الموصل، مع انتهاء الشهر الثاني من القتال، منحى جديداً، من خلال اتساع رقعة القصف الجوي للتحالف الدولي، وشن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) هجمات مباغتة وغير متوقعة على أحياء سكنية، من المفترض أنها محررة منذ أسابيع عدة، وتقع في الجانب الشرقي من مدينة الموصل. وشهدت الساعات الأولى من صباح أمس، الثلاثاء، اشتباكات عنيفة بين قوات جهاز مكافحة الإرهاب والجيش العراقي من جهة وعناصر "داعش" من جهة أخرى، في أحياء كوكجلي والزهور والانتصار، تمكن خلالها عناصر التنظيم من التوغل داخل ثكنات للجيش وجهاز مكافحة الإرهاب، وتنفيذ عمليات انتحارية وأخرى وصفتها المصادر بالانغماسية، أسفرت عن سقوط أكثر من 50 قتيلاً من الجانبين، فيما تواصلت المعارك لليوم الثالث على التوالي في أحياء النور والإخاء، شرقي الموصل، بالتزامن مع إعلان قيادة القوات العراقية عزمها تعزيز مكاسبها في مناطق شرق الموصل، بعد تأكيدها سيطرتها على 32 حياً في الساحل الأيسر من المدينة.

وأعلن مصدر عسكري في قيادة العمليات المشتركة التي تقود معركة تحرير مدينة الموصل، لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الأمن العراقية باتت تفرض سيطرتها على 32 حياً في الجانب الأيسر للموصل، وأن القوات العراقية تعمل حالياً على تعزيز المكاسب العسكرية التي تحققت في مناطق شرق الموصل"، موضحاً أن هجمات مباغتة لتنظيم "داعش" دفعت قيادة الجيش لإعادة التفكير بخطة الإمساك بتلك الأحياء والدفع بقوات إضافية فيها، مؤكداً أن "التنظيم يستخدم أنفاقاً تحت الأرض يتنقل عبرها بين الأحياء التي تمت السيطرة عليها، كما أن له خلايا نائمة، تركها بصفة مواطنين، قاموا بتنفيذ هجمات واسعة الثلاثاء". ووصف المصدر العسكري الوضع في الأحياء المحررة بغير المستقر، لافتاً إلى أن "قوات الأمن العراقية تحاول تطهير كافة المناطق التي تمت السيطرة عليها شرقي الموصل، وأن الوقت ما زال مبكراً لإعلان تطهيرها بالكامل بسبب وجود متسللين من عناصر داعش، يقومون بين الحين والآخر بمهاجمة القوات الأمنية وتنفيذ عمليات قنص تستهدف عناصر الجيش في المناطق المحررة".

إلى ذلك، كشف الضابط في جهاز مكافحة الإرهاب، أثير الأسدي، لـ"العربي الجديد"، أن "قوات جهاز مكافحة الإرهاب تعرضت إلى هجمات مباغتة في أحياء كوكجلي والإخاء والقادسية الأولى والزهور والانتصار نفذتها مجاميع صغيرة من عناصر تنظيم داعش كانت تختبئ داخل المنازل"، متهماً "سكان الموصل بعدم التعاون مع القوات الأمنية وتقديم إخبار عن عناصر داعش المتواجدين داخل المناطق المحررة". وشهد المحور الشمالي لمدينة الموصل تطورات ميدانية لافتة، حيث أشارت مصادر عسكرية عراقية إلى أن "قوات الفرقة 16 التابعة للجيش العراقي صدت، بإسناد من طائرات التحالف الدولي، هجوماً شنه العشرات من عناصر داعش، مستهدفاً مواقع القوات العراقية في منطقة بعويزة التي تقع في المحور الشمالي للموصل، والتي كانت القوات العراقية استعادتها قبل أكثر من أسبوعين". وأضافت أن "التنظيم استخدم في الهجوم أسلحة خفيفة ومتوسطة، وكانت ترافقهم آليات مفخخة، بينها شاحنة كان يقودها انتحاري، ما أدى إلى إيقاع العديد من القتلى والجرحى في صفوف القوات العراقية، كما تم قتل عشرة عناصر على الأقل من داعش". ولفتت إلى أن "التنظيم انطلق في هجومه على مناطق شمال الموصل من منطقة السادة، التي ما يزال يسيطر عليها".

وعلى محور جنوب الموصل، أعلن مسؤول أمني رفيع المستوى في قيادة قوات الشرطة الاتحادية، لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الشرطة الاتحادية بدأت عملية عسكرية تهدف إلى عزل مناطق الساحل الأيمن عن مناطق جنوب الموصل، تمهيداً لعملية اقتحامه في الأيام المقبلة". وأوضح العقيد مازن السعدي أن "مدفعية الشرطة الاتحادية شرعت، منذ يومين، بعمليات قصف مكثف، مستهدفة أماكن تواجد عناصر داعش في مناطق البو سيف ومعسكر الغزلاني، جنوب الموصل، بهدف التمهيد لشن عملية برية خلال اليومين المقبلين". من جهتها، ذكرت خلية الإعلام الحربي، الناطقة باسم قيادة العمليات المشتركة، أن "طيران التحالف الدولي نفذ غارات مكثفة مستهدفاً ثكنات تنظيم داعش وسط مطار الموصل الدولي، جنوب المدينة"، موضحة أن "إحدى غارات التحالف استهدفت مركزاً تجتمع فيه قيادات في تنظيم داعش". وفي غرب الموصل، أعلن مكتب الإعلام الحربي، التابع لمليشيات "الحشد الشعبي"، أن "قوات الحشد الشعبي تمكنت من السيطرة على قريتين تقعان في مناطق شمال وجنوب مدينة تلعفر". وأوضح أن "قوات الحشد تمكنت من السيطرة على شواه وحسن جمعة، قرب ناحية تل عبطة المجاورة لمدينة تلعفر"، لافتاً إلى أن "السيطرة على هاتين القريتين مكنت قوات الحشد الشعبي من قطع آخر خطوط إمداد تنظيم داعش بين الموصل ومدينة تلعفر".

ومع استمرار العمليات العسكرية الرامية لحسم معركة السيطرة على الساحل الأيسر من الموصل، بدا المشهد الإنساني أكثر تعقيداً، حيث تتفاقم معاناة السكان المحاصرين داخل أحياء المدينة التي تحولت إلى ساحات معارك، كما تتفاقم معاناة النازحين في مخيمات في إقليم كردستان العراق، في ظل شح وقود التدفئة ونقص الطواقم الطبية وانعدام التيار الكهربائي، وسط انخفاض شديد في درجات الحرارة. وقال المتحدث باسم قوات "حرس نينوى"، زهير الجبوري، في مؤتمر صحافي، إن "650 ألف مدني ما زالوا محاصرين في مدينة الموصل"، مؤكداً أن "هؤلاء يعيشون تحت رحمة تنظيم داعش الذي لا يسمح بإدخال مساعدات لهم، ويعانون من انقطاع الماء والكهرباء منذ فترة طويلة"، محذراً من "وقوع كارثة إنسانية بسبب نقص الأدوية وانتشار الأمراض بين المدنيين"، مشيراً إلى أن "المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية، مثل اليونيسيف والمنظمات الإنسانية الأخرى، ضئيلة ولا تسد الحاجة الفعلية لإغاثة المدنيين".

وأكد مصدر طبي في أحد المراكز الطبية الصغيرة التي أقيمت في منطقة كوكجلي، لـ"العربي الجديد"، أن "طواقم الإسعاف والمراكز الطبية تستقبل يومياً، ومنذ نحو أسبوع، أكثر من 100 قتيل وجريح من المدنيين الذين يسقطون بسبب القصف الذي تتعرض له مناطق شرق الموصل خلال المعارك". وأوضح أن "الطواقم الطبية استقبلت الإثنين جثث 15 شخصاً من سكان الموصل، بينهم سبعة من عائلة واحدة قتلوا بقصف يعتقد أنه من طيران التحالف الدولي، بسبب وجود عناصر داعش في أحد المنازل المجاورة لمنزل العائلة المنكوبة". وأكدت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية تزايد أعداد النازحين من سكان الموصل، موضحة، في بيان، أن "أعداد النازحين الفارين بسبب القتال من مدينة الموصل بلغ أكثر من 103 آلاف، تمت استضافة غالبيتهم في مخيمات حسن شام والخازر، شرق الموصل، والجدعة وديبكة، جنوب الموصل". ومن المتوقع أن يتزايد عدد النازحين من أهالي الموصل مع استمرار العمليات العسكرية وتواصل القتال وسط أحياء الموصل الشرقية، بالتزامن مع إعلان قيادات عسكرية عراقية عزمها فتح جبهات قتال جديدة في محاور المدينة لتسريع عملية تحريرها من "داعش"، الذي فرض سيطرته المطلقة على المدينة بعد انهيار قوات الأمن العراقية وهروبها في يونيو/ حزيران 2014.