ألغاز جريمة الكنيسة البطرسية في مصر: احتمالات وتقصير ومفارقات

ألغاز جريمة الكنيسة البطرسية في مصر: احتمالات وتقصير ومفارقات

القاهرة

العربي الجديد

العربي الجديد
12 ديسمبر 2016
+ الخط -
تفتح جريمة تفجير الكنيسة البطرسية الملحقة بالكاتدرائية المرقسية في القاهرة، مقرّ رأس الكنيسة القبطية في مصر، أمس الأحد، مرحلة جديدة في مصر باتجاهات عدة: أولاً لناحية الجهة الفاعلة، إذ حصل الاعتداء، والذي راح ضحيته، حتى عصر أمس، 23 قتيلاً و49 جريحاً، في حصيلة مؤقتة، في مرحلة تشهد فيها مصر ارتفاعاً لافتاً في مستوى الاعتداءات الدموية بلغ عددها ثلاثة في الساعات الـ48 الماضية. ثانياً تحمل الجريمة ملامح استهداف يخشى كثيرون أن تكون له تداعيات طائفية، بغضّ النظر عن هوية الفاعل. ثالثاً تشير الجريمة إلى عجز أمني لدى السلطة تزداد الدلائل عليه، رغم أجواء الترهيب التي يمارسها النظام بحق المعارضين. عجز يصبح نافراً حين يستهدف مكاناً شديد التحصين كالكنيسة البطرسية المستهدفة الملاصقة لمقر بابا الأقباط، وهو مكان يعتبر من أكثر المواقع أهمية من النواحي الأمنية. وقد وقع الانفجار لحظة الاستعداد لبدء صلوات صباح يوم الأحد بعبوة ناسفة تزن 12 كيلوغراماً من مادة "تي إن تي" بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، في مكان مخصص للنساء بالكنيسة البطرسية في مجمع كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في حي العباسية. وقال شاهد كان داخل الكنيسة لحظة حصول الجريمة، إنه "بمجرد أن طالبنا الكاهن بالاستعداد للصلاة وقع الانفجار الذي هزّ المكان بالكامل والغبار غطى القاعة".


الاعتداء تشوبه أربع نقاط يتوقع أن تتمحور حولها التحقيقات الأمنية والقضائية: أولاً، إنها المرة الأولى التي تُستهدف فيها مباني الكرازة المرقسية مباشرة. فعلى بعد خطوات من الانفجار الذي وقع بغرفة القدّاس الرئيسية للكنيسة البطرسية، يقيم البابا تواضروس الثاني وأهم رؤوس الكنيسة القبطية بصفة مستمرة، كما يقام القداس الأسبوعي الرسمي وتلقى الدروس والعظات الرئيسية، وعلى بعد خطوات من مكان الحادث يلتقي البابا بكبار رجال الدولة، وسبق أن حضر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي القدّاس السنوي مرتين. ثانياً، إنها المرة الأولى التي تستهدف كنيسة بانفجار من داخلها، فمنذ وقوع انقلاب 2013، تعرّض عدد من الكنائس في القاهرة الكبرى ومحافظات الصعيد لاعتداءات بررت السلطات بعضها، بأن ذلك كان رداً من مرتكبيها على تأييد الكنيسة لانقلاب 3 يوليو/تموز 2013، وبعضها كان منظماً من قبل جماعات إرهابية، بينما قسم ثالث منها كان عشوائياً وغير منظم تحرّكه الأزمات الطائفية المكتومة، خاصة ما شهدته كنائس في محافظة المنيا. لكن هذه الاعتداءات جميعاً لم تكن تفجيرات من داخل الكنائس، بل محاولات لإطلاق النار عليها من الخارج أو اقتحامها أو تفجيرات في محيطها الخارجي كما حدث في كنيسة الوراق في خريف 2013. ثالثاً، من المعروف أن جميع الكنائس باتت تتمتع بحراسات أمنية مشددة وبوابات إلكترونية كتلك الموجودة بالفعل في الكاتدرائية المرقسية والكنيسة البطرسية الملحقة بها، وهو ما يطرح علامات استفهام جادة حول الطريقة التي تسلل بها المجرمون إلى داخل الكنيسة لزرع القنبلة. وعن هذا الموضوع، قال الأمين العام لمجلس كنائس مصر، القس رفعت فتحي، في مداخلة تلفزيونية إن "الكنيسة حراستها مدرعات جيش وشرطة والدخول من بوابات إلكترونية. أنا نفسي يتم تفتيشي. فكيف دخلت المتفجرات؟". أما النقطة الرابعة، فهي قصر المسافة الزمنية بين استهداف كمين شرطة في شارع الهرم يوم الجمعة الماضي، وتفجير الكنيسة، ذلك أن الجماعات الإرهابية التي اعتادت إعلان مسؤوليتها عن الحوادث المتكررة في مصر، لم تعتد تنفيذ عمليات متتابعة بهذا الشكل، بما في ذلك الحركة المجهولة "حسم" التي زعمت لنفسها معظم حوادث العام الجاري 2016.


وتتكامل هذه النقاط التقنية مع الظروف السياسية المحيطة بالحادث، والتي لا يمكن فصلها عن الفشل الأمني المتفاقم للنظام رغم اعتماده منذ 2013 على معادلة "الأمن أولاً". فتفجير الهرم استهدف الشرطة يوم الجمعة بالقرب من مسجد كبير داخل منطقة مزدحمة. وتفجير الكنيسة استهدف مواطنين أقباطاً يوم قداسهم الأسبوعي الموافق لذكرى المولد النبوي لدى المسلمين، أي أن البعد الطائفي حاضر بقوة في الحادثين وبصفة خاصة الأخير، وكأن مرتكب الحادث يريد إعادة النعرة الطائفية وتفجير الحساسيات والخلافات بين المسلمين والأقباط.


هذا التزامن يعيد إلى الأذهان حادثاً استهدف كنيسة أيضاً واكتسى ببعد طائفي في أيامه الأولى وانتهت التحقيقات فيه إلى لا شيء، هو الاعتداء على كنيسة القديسين بالإسكندرية، والذي راح ضحيته 23 مواطناً مسيحياً، كانوا خارجين من قداس الأول من يناير/كانون الثاني 2011، واتخذت منه الشرطة آنذاك سبباً للقبض على مئات المواطنين السلفيين بالإسكندرية، مات أحدهم من التعذيب يدعى سيد بلال، ولم تنته التحقيقات في القضية إلى أي نتائج حتى الآن، بل إن الشرطة، والتي كانت لها اليد الطولى آنذاك في التحكم بالشارع المصري، لم ترسل للنيابة تحرياتها النهائية حول الحادث، ولم تفصح عن معلومات أولية مثل ما إذا كان قد تم تنفيذه بواسطة انتحاري أم سيارة مفخخة. ونظراً لهذا الغموض الذي لا يزال يكتنف حادث كنيسة القديسين، أخذاً في الاعتبار عدم تقديم أي متهمين وحدوث الواقعة في منطقة معروفة بالتشديد الأمني، ثارت شبهات كثيرة حول تورط الأمن المصري ذاته في الواقعة، سواء بأوامر عليا من وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي أو بمبادرة من جهاز أمني لصرف الأنظار عن الأزمة السياسية التي كان يواجهها نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك آنذاك. وبلغت هذه الشبهات حد نشر صحيفة "اليوم السابع"، والتي تعتبر حالياً لسان حال الدائرة المخابراتية-الرقابية المحيطة بالسيسي، تقريراً مرفقاً به صور لمستندات في 3 مارس/آذار 2011 يتهم العادلي صراحة بالتخطيط لتفجير كنيسة القديسين لتوجيه رسائل سياسية للبابا الراحل شنودة، وصرف النظر عن تجاوزات الشرطة المصرية آنذاك. ويتحدث البعض في مصر حالياً عن احتمال تورط ما للشرطة بجريمة الكنيسة البطرسية، على غرار القديسين، وهو ما يمكن تلمّسه من الشعارات التي سادت التجمعات في موقع تفجير يوم أمس، من نوع "ارحل ارحل يا وزير الداخلية، (مجدي) عبد الغفار يا وزير التعذيب زيك زي حبيب (العادلي)". لكن الاحتمال الثاني لملابسات الاعتداء يذهب نحو أن تكون المجموعات الإرهابية قد تطورت في سلوكها وأدائها لدرجة اختراق مبنى محمي بالبوابات الإلكترونية ومحاصر تماماً بقوات الأمن ولا يسمح بدخوله إلا لرعايا الكنيسة، وهو احتمال يؤكد الفشل الأمني للنظام وضعف إمكاناته المعلوماتية، وعدم قدرته على اختراق هذه المجموعات على الرغم من إعلانه القبض على المئات من أعضائها وتقديمهم للمحاكمات بشكل شبه شهري.

ولم يتوقف الاستغلال السياسي للتفجير؛ فبعد الاعتداء بوقت قليل، حاول بعض الإعلام المصري الربط بين انفجار الكنيسة، وفتح معبر رفح أخيراً، وتأييد حكم الإعدام على عادل حبارة المتهم في عمليات مسلحة في سيناء، فضلاً عن تنفيذ بعض الشباب، الذي خرج من السجن بعفو رئاسي، لهذه العمليات، وفق تحليلات من خبراء أمنيين وسياسيين ووزراء. وشهد مطار القاهرة الدولي حالة استنفار أمني وتشديد إجراءات للتفتيش، فور حصول التفجير. وكلف المستشار نبيل أحمد صادق النائب العام، نيابة أمن الدولة العليا (جهة تحقيق عليا في قضايا الأمن القومي) بالتحقيق في حادث التفجير. وأعلنت رئاسة الجمهورية الحداد الرسمي مدة ثلاثة أيام اعتباراً من أمس الأحد. وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، في بيان، إن "هذا الإرهاب الغادر إنما يستهدف الوطن بأقباطه ومسلميه، وأن مصر لن تزداد كعادتها إلا قوةً وتماسكاً أمام هذه الظروف".


وتسارعت مواقف إدانة الجريمة داخل مصر، من الأحزاب والأطراف الموالية، ومن الجهات المعارضة للنظام، في مقدمتهم تحالف دعم الشرعية وجماعة الإخوان المسلمين. كذلك صدرت مواقف إدانة من عدد كبير من العواصم العربية والغربية وإدانة من مجلس الأمن الدولي. من جانبه، اعتبر الأزهر، في بيان، أن "استهداف دور العبادة وقتل الأبرياء أعمال إجرامية تخالف تعاليم الدين الإسلامي وكل الأديان"، مؤكداً "تضامنه الكامل مع الكنيسة المصرية ذات المواقف الوطنية ومع جميع الإخوة المسيحيين في مواجهة هذا الاستهداف الإرهابي".

ذات صلة

الصورة
مئات يترقبون انتشال المساعدات على شاطئ بحر غزة (محمد الحجار)

مجتمع

يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة ملاحقة المساعدات القليلة التي تصل إلى القطاع، وبعد أن كانوا يلاحقون الشاحنات، أصبحوا أيضاً يترقبون ما يصل عبر الإنزال الجوي.
الصورة

سياسة

نقلت وكالة "رويترز"، اليوم الجمعة، عن أربعة مصادر أن مصر بدأت تمهيد منطقة على الحدود مع قطاع غزة يمكن استخدامها لإيواء لاجئين فلسطينيين.
الصورة

منوعات

شهدت كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الأربعاء، موجة من السخط والدهشة، بعدما قارن حالة المصريين في ظل التردي الاقتصادي بحالة أهالي قطاع غزة.
الصورة

سياسة

كشف تحقيق لصحيفة "ذا غارديان"، الاثنين، عن أن الفلسطينيين اليائسين لمغادرة قطاع غزة يدفعون رشاوى لسماسرة تصل إلى 10 آلاف دولار، لمساعدتهم على مغادرة القطاع.