تشكيل الحكومة المغربية في نفق... وتأويلات لخطاب الملك

تشكيل الحكومة المغربية في نفق... وتأويلات لخطاب الملك

09 نوفمبر 2016
بنكيران والأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري محمد ساجد(جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -

مر شهر كامل على تكليف الملك المغربي، محمد السادس، للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، لتشكيل الحكومة الجديدة، وذلك في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من دون أن يستطيع بنكيران لملمة فريقه الجديد، حيث يحتاج إلى حزب رابع ليكمل الائتلاف الحكومي. وحتى اليوم، قرر حزبان سياسيان فقط المشاركة في الحكومة الواحدة والثلاثين في تاريخ المغرب المستقل، والتي جاءت بعد تنظيم الانتخابات التشريعية في السابع من أكتوبر الماضي، وهما "الاستقلال" و"التقدم والاشتراكية"، فيما لم تحسم أحزاب "الأحرار" و"الحركة الشعبية" و"الاتحاد الاشتراكي" أمرها بعد.

حالة "الانحباس" التي تعرفها مشاورات رئيس الحكومة في المغرب، خاصة بعد "تهرب" الأمين العام لحزب "الاتحاد الاشتراكي"، إدريس لشكر، من حضور لقاء سبق أن جمع زعماء "العدالة والتنمية" و"الاستقلال" و"التقدم والاشتراكية"، الأضلع الثلاثة في الحكومة، ترجمتها تصريحات رئيس الحكومة المكلف الذي لم يخف تبرمه من مسار المشاورات. وقال بنكيران، في تصريحات صحافية، إنه "سيظل يتعامل مع جميع الأحزاب خلال مسار المشاورات لتشكيل حكومته المرتقبة، بالجدية اللازمة، لكنه إذا عجز عن تشكيل الحكومة فلن يدخل في أي متاهات"، مضيفاً: "لن أخضع لابتزاز أي أحد، وسأعود إلى صاحب الجلالة، وأخبره بأني فشلت في تشكيل الحكومة وأرجع إلى بيتي".

تصريحات بنكيران، الذي أكد أيضاً أن تشكيل الحكومة يلزمها فقط حزب واحد يملك 20 مقعداً برلمانياً، لتوفير نصاب الأغلبية (198 من 395 مقعداً)، رد عليها بشكل ضمني الملك المغربي، في خطاب ذكرى "المسيرة الخضراء"، ألقاه الأحد الماضي، من العاصمة السنغالية دكار، برفضه إقامة حكومة على أساس حسابات عددية كأنها "غنيمة انتخابية". خطاب الملك الذي شدد فيه على ضرورة التركيز على الكفاءات عوض الحسابات العددية في تشكيل الحكومة الجديدة، اعتبره القيادي في "العدالة والتنمية"، عبد السلام بلاجي، منصفاً لبنكيران في مساره لتكوين حكومته، باعتبار أن الخطاب الملكي يدعم رفض الابتزاز الرقمي بعيداً عن البرامج والاهتمام بآفاق العمل الحكومي داخلياً وخارجياً. وقال مصدر مقرب من رئيس الحكومة المعيّن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن موضوع الابتزاز، الذي سبق أن أشار إليه بنكيران، يتعلق بزعيم حزب، في إشارة الى "الأحرار"، رهن دخوله الحكومة برفض مشاركة حزب آخر في الحكومة، أي "الاستقلال"، وهو ما لم يستسغه بنكيران في المشاورات الأولية مع الحزب المعني. ومن جهته، اعتبر حزب "التقدم والاشتراكية" الذي أعلن مشاركته في الحكومة، أن رؤية الملك بخصوص شروط ومقتضيات تشكيل هذه الحكومة توافق رؤية الحزب، باعتبار أنه لا يمكن أن تؤلف أي حكومة إلا بناءً على برنامج واضح المعالم، وعلى تلاق وانسجام في الرؤى والتصورات والأهداف بين مختلف مكوناتها، في احترام لإرادة الناخبين.

وإذا كان البعض قد وجد في خطاب الملك المغربي نوعاً من "طوق النجاة" لمصلحة رئيس الحكومة المكلف، باعتبار أنه ساير موقف بنكيران الرافض لـ"ابتزاز" بعض الأطراف التي لم تحصل على نتائج جيدة في الانتخابات، وتطلب حقائب وزارية وازنة، فإن آخرين اعتبروا الخطاب تقريعاً لرئيس الحكومة، وضغطاً للتسريع بتشكيل الحكومة. وفي هذا الصدد، قال إدريس لشكر، الذي أجل قرار المشاركة في الحكومة إلى حين تلقيه عرضاً سياسياً واضحاً من رئيس الحكومة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن خطاب الملك جاء في وقته، لأنه شدد على أنه يتعيّن، خلال تشكيل الحكومة، الابتعاد عن ثقافة الغنيمة، وأن تولي اهتمامها الأكبر إلى البرامج ونجاعة الكفاءات.

الباحث السياسي، محمد الزهراوي، يرى أن تأكيد الملك على أنه سيعتمد منهجية صارمة في اختيار الوزراء، يحمل في طياته ثلاث دلالات، الأولى، أن تضمين الخطاب الملكي لهذا التوجيه، وفق السياق الحالي، يؤشر إلى أن هناك أزمة حقيقية بين المؤسسة الملكية ورئيس الحكومة، حيث ظهرت جلياً في رفض بنكيران مقترحات زعيم "الأحرار"، عزيز أخنوش، وهو أحد المقربين من القصر. والدلالة الثانية يوردها الزهراوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، تتمثل في كون الإشارة الملكية عادية وتدخل ضمن الصلاحيات الدستورية للملك، وهي بمثابة توجيه إلى رئيس الحكومة من أجل مراعاة بعض المعايير والشروط في اقتراح الوزراء، خاصة أن الظرف الحالي، على المستوى الداخلي والخارجي، يستدعي البحث عن كفاءات وطنية قادرة على رفع التحديات. وأما الدلالة الثالثة، في الخطاب الملكي الذي يتعلق بمسار تشكيل الحكومة الجديدة، فتتعلق بأنها جاءت في سياق محاولة الضغط على بنكيران لتقديم تنازلات جديدة، وذلك بغية إشراك حزب "الأحرار" وفق الشروط التي سبق أن عرضها عليه أخنوش، لا سيما أن بنكيران لا يملك خيارات أخرى في ظل الوضع المتعثر الذي ينبئ بأن ولادة الحكومة ستكون عسيرة وقد تطول إن لم يقدم الطرفان تنازلات على مستوى التحالفات ومكونات الحكومة.

وبالعودة إلى مسار المشاورات التي دشنها رئيس الحكومة المعيّن منذ قرابة شهر، يمكن تقسيم هذه الرحلة، وفق الزهراوي، إلى اتجاهين أساسيين، الاتجاه الأول ظهر من خلاله أن هناك ميولاً ورغبة تكتيكية لبنكيران بقصد نسج التحالفات والاكتفاء فقط بأحزاب الكتلة الوطنية التي تضم حليفه التقليدي "التقدم والاشتراكية"، وبخصميه السابقين "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي". ويرى المحلل أن رئيس الحكومة المعيّن يحاول من خلال هذا التوجه تفادي تكرار المظاهر التي أفرزتها التجربة السابقة، والتي اتسمت بعدم الانسجام بين مكونات الأغلبية الحكومية، بعدما وصلت في بعض الأحيان إلى الاصطدام بين بنكيران وبعض الوزراء، مثل وزير التعليم، ووزير الفلاحة. أما الاتجاه الثاني، يضيف الزهراوي، فيرتبط بالتحول الذي شهده الحقل السياسي بعد الانتخابات التشريعية، خصوصاً بعد استقالة زعيم حزب "التجمع الوطني للأحرار" ليحل مكانه أحد أصدقاء الملك المقربين، وهو أخنوش، الذي استطاع أن يجمع حوله حزبي "الاتحاد الدستوري" و"الحركة الشعبية". وأشار الزهراوي إلى أن لقاء أخنوش برئيس الحكومة المكلف، وتوظيف ورقة تحالفاته مع حزبين اثنين، بالإضافة إلى تردد وغموض موقف حزب "الاتحاد الاشتراكي"، جعلته يفرض شروطاً اعتبرها بنكيران ابتزازية وغير مقبولة، مهدداً في الوقت ذاته باستعداده في حالة فشله لإخبار الملك بذلك، والذهاب إلى حال سبيله.