شعبية أوباما والإرث السجالي انتخابياً: كلينتون امتداد داخلياً وخارجياً

شعبية أوباما والإرث السجالي انتخابياً: كلينتون امتداد داخلياً وخارجياً

08 نوفمبر 2016
54% من الأميركيين راضون عن أوباما (جيم واتسون/فرانس برس)
+ الخط -
يصح وصف محطة انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016 بأنها أيضاً أم المعارك بالنسبة إلى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، واستفتاء عام لرأي الأميركيين في تجربته الرئاسية، وما إذا كانوا راضين عن المسار الذي سلكته الولايات المتحدة خلال السنوات الثماني الماضية. فالتنافس على أصوات الناخبين الأميركيين بين هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية في الإدارة الأوبامية الأولى، وبين دونالد ترامب، الذي لم يعترف بشرعية وصول الرئيس الأسود إلى البيت الأبيض إلا أخيراً، وكان أول من أطلق حملة التشكيك بصحة شهادة ميلاده الأميركية والترويج بأن أوباما مسلم وليس مسيحياً، هو بشكل أو بآخر اقتراع على الإرث السياسي الذي خلّفته هذه الإدارة الديمقراطية واستقصاء مدى رضى الأميركيين عن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة في بلدهم، والتي سجلها التاريخ باسم أول رئيس أميركي من أصول أفريقية.

وتدل حماسة أوباما وانخراطه الكامل في الحملة الانتخابية لمرشحة الحزب الديمقراطي على اقتناعه التام بأن فوز كلينتون في انتخابات 2016 هو انتصار لمشروعه السياسي وزعامته الشخصية. فوصول كلينتون إلى البيت الأبيض، سيضمن حماية ما يعتبره أوباما إنجازات تاريخية تحققت في عهده، على المستوى الداخلي والخارجي، وكذلك يترك أملاً كبيراً بإمكانية تحقيق ما لم يتمكن من تنفيذه من برامج وسياسات واستكمال رؤيته لمستقبل أميركا وصورتها ودورها في العالم. من هنا، ينظر الرئيس الحالي إلى المرشحة الديمقراطية على أنها امتداد لنظرته ولولايتيه في الداخل وفي الخارج. وتحوّل الاستحقاق الانتخابي، إلى مناسبة لاستعادة الخطاب الجماهيري لأوباما، وامتحان قدراته على التعبئة والتواصل مع القواعد الشعبية. ويظهر تزايد إقبال الناخبين السود على صناديق الاقتراع، بعد المخاوف الديمقراطية من تدني نسبة مشاركتهم، أن أوباما نجح إلى حد كبير بتأدية دور عراب مرشحة الحزب الديمقراطي وإقناع قواعده الشعبية، خصوصاً في أوساط الأقليات، بالتصويت لصالح كلينتون.

يغادر أول رئيس أميركي من أصول أفريقية البيت الأبيض وهو يحظى بتأييد 54 في المائة من الأميركيين أعربوا عن رضاهم عن أدائه الرئاسي وكيفية إدارته لشؤون البلاد. وتعتبر نسبة التأييد هذه من المعدلات المرتفعة مقارنة بالرؤساء السابقين. فعلى سبيل المثال، لم تتجاوز شعبية الرئيس السابق جورج بوش الـ27 في المائة عند انتهاء ولايته الرئاسية في العام 2008. وإذا أخذنا بالاعتبار ما أظهرته ميشيل أوباما من كاريزما جماهيرية وقدرة خطابية خلال جولاتها لدعم حملة كلينتون الانتخابية، وأضفنا ذلك إلى الرصيد السياسي لزوجها، يمكن الجزم بأن أوباما يخرج من البيت الأبيض بزخم شعبي يوازي تقريباً الزخم الشعبي الذي كان يتمتع به عند إلقائه خطاب القسم في يناير/ كانون الثاني 2009.

العنصرية مجدداً

وتكمن المفارقة الكبرى في أن المؤرخين والمراقبين اعتبروا أن انتخاب أميركا لرئيس أسود، يدعى باراك أوباما، في عام 2008، نقلة نوعية تقدمية في التاريخ الأميركي الحديث، ومحطة باتجاه التخلص من كافة أشكال التمييز العنصري الموروثة من عهود العبودية في التاريخ الأميركي البعيد والقريب. لكن مع نهاية عهد أوباما يمكن القول إن العنصرية قد بلغت ذروتها، ولعل ظاهرة ترامب وزعامته الشعبوية وخطابه العنصري المعادي لكل ما هو غير أبيض أبرز الأمثلة على مدى تفاقم هذه الظاهرة والمخاطر التي باتت تشكلها على النسيج الاجتماعي الأميركي.

وقد بات من شبه المؤكد أن انتخاب أوباما لم يساهم في حل مشكلة العنصرية بل أججها أكثر. لا يتعلق الأمر بالسياسات والبرامج التي اعتمدها الرئيس، بل سببها ردود الفعل العنصرية لمجموعات من الأميركيين البيض لم تتقبل فكرة أن يكون الرجل الأسود هو سيد البيت الأبيض، فكانت حملة التشكيك بشهادة ميلاده الأميركية وأنه مسلم مولود في كينيا وليس مسيحياً. وتصاعدت ردود الفعل العنصرية المعادية للسود، وظهرت مجدداً مجموعة "kuk Klux Klan" وأعلام كونفدرالية الجنوب الانفصالية، وتم تشكيل مجموعات عنصرية مسلحة. على أن ذروة الكراهية العنصرية ضد السود، خلال عهد أوباما، تمثلت في المجزرة التي نفذها شاب أبيض في كنيسة إيمانويل في تشارلستون، في ساوث كارولاينا، والتي راح ضحيتها تسعة من المصلين. وخلال عهد أوباما تصاعدت حدة المواجهات بين عناصر الشرطة وشبان من أصول أفريقية، مع تزايد حوادث قتل شبان سود برصاص رجال شرطة بيض. وتأسست حركة "black lives matter" (حياة السود مهمة) بعد مواجهات مع الشرطة وأعمال شغب شهدتها مدينة فيرغسون في ميسوري، إثر مقتل شاب أسود. وخلال الأشهر الماضية سجلت عدة هجمات مسلحة ضد عناصر الشرطة من قبل شبان سود، أسفرت إحداها عن مقتل خمسة من رجال الشرطة في مدينة دالاس في تكساس، برصاص شاب أسود قال إنه نفذ الهجوم انتقاماً لمقتل شبان سود برصاص عناصر شرطة بيض.

تركة بوش الثقيلة

عند تسلم باراك أوباما مقاليد السلطة في واشنطن، كانت الولايات المتحدة ترزح تحت ثقل أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ الانهيار الاقتصادي الكبير في عشرينيات القرن الماضي، ومعدل بطالة تجاوز العشرة في المئة ونظام مصرفي على حافة الانهيار. كما أورثه جورج بوش حربين خاسرتين في العراق وأفغانستان وحرباً عالمية على إرهاب تنظيم "القاعدة". في لغة الأرقام، فإن إنجازات أوباما الاقتصادية واضحة للعيان. تدني نسبة البطالة بين الأميركيين إلى ما دون خمسة في المئة، وإنقاذ النظام المصرفي الأميركي، وارتفاع أسهم وول ستريت بين 2009 و2016 أكثر من 100 في المائة، وتقديم تأمين صحي بأسعار مقبولة لنحو 30 مليون أميركي كانوا يفتقدون إلى أي ضمان صحي، من خلال خطة "أوباما كير". لكن ما يؤخذ على أوباما أنه راكم على الخزينة الأميركية ديوناً جديدة بمئات مليارات الدولارات.

في السياسة الخارجية، نجح أوباما في وضع حد للخسائر الأميركية البشرية والمادية في حربي العراق وأفغانستان، وأعاد تطبيع العلاقات مع كوبا بعد قطيعة استمرت أكثر من 50 عاماً، ووقع اتفاقاً نووياً مع إيران. لكن سياسته الانسحابية من الشرق الأوسط أخلت الساحة لروسيا وإيران في سورية والعراق واليمن، وأدخلت المنطقة في حروب لامتناهية بعدما دشن ولايته الأولى بإخفاق كبير على صعيد تحريك عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. في القضايا الاجتماعية، شهدت الولايات المتحدة في عهد أوباما تحولات تاريخية، أبرزها قرار المحكمة الأميركية العليا بتشريع زواج المثليين. وتم إدخال بعض الإصلاحات على نظام إدارة السجون، كما تم تشريع استخدام الماريجوانا في عدد من الولايات الجديدة، بينها العاصمة واشنطن.



المساهمون