الصراع على الرقة: واشنطن تسترضي أنقرة والعرب

الصراع على الرقة: واشنطن تسترضي أنقرة والعرب

08 نوفمبر 2016
"قسد" لم تحقق سوى تقدم محدود (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
حاولت الولايات المتحدة استرضاء كل من تركيا وعرب الرقة، متحدثة عن العمل مع أنقرة على إعداد خطة لتحرير المدينة من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وإدارتها، لكنها ستواجه المزيد من الغضب إذا لم تنفذ تعهدها الجديد على غرار الوعود التي قدمتها سابقاً في سورية والعراق ولم يتم الالتزام بها، لناحية دور المقاتلين الأكراد والمليشيات الطائفية الحليفة لإيران في مناطق ذات غالبية طائفية سنية. وأعلن رئيس هيئة الأركان الأميركية، جوزيف دانفورد، من أنقرة، أمس الإثنين، أن التحالف الدولي ضد "داعش"، سيعمل مع تركيا على إعداد خطة بعيدة المدى من أجل تحرير الرقة والمحافظة عليها وإدارتها. وحول "قوات سورية الديمقراطية"، قال دانفورد "لطالما علمنا أن قوات سورية الديمقراطية ليست الحل للسيطرة على الرقة وحكمها. ما نعمل عليه الآن هو إيجاد المزيج الصحيح من القوات لهذه العملية"، مضيفاً أن المزيج الصحيح هو من القبائل المحلية وغيرها من الناس من محيط الرقة لقيادة العملية ثم البقاء وتنظيم المدينة مرة أخرى بعد استعادتها من داعش". وشدّد دانفورد على أن العملية العسكرية لتحرير الرقة تحتاج إلى "قوة عربية ذات أغلبية عربية وسنية"، مضيفاً "هناك قوات من هذا القبيل. وهناك المعارضة السورية المعتدلة، قوات سورية تم فحصها وقوات الجيش السوري الحر، وهناك بعض التواصل الأولي لقوات مناسبة في الرقة".

وقد يهدّئ التصريح الأميركي من مخاوف تركيا، لكن واشنطن كانت قدمت وعوداً كثيرة لمنع المليشيات من المشاركة في معركة الفلوجة والموصل في العراق، وهو ما لم تطبقه على الأرض. كما أن نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتولموش، غمز من ناحية عدم تنفيذ المسؤولين الأميركيين وعودهم، قائلاً "قدمنا توضيحات لرئيس هيئة الأركان الأميركية بشأن مدينة منبج وأهمية انسحاب تنظيم حزب "الاتحاد الديمقراطي" الإرهابي منها تماماً، في أقرب وقت بموجب الوعد التي تلقيناه في البداية" من واشنطن.
وحثّ قورتولموش الولايات المتحدة على ضمان ألا يؤدي الهجوم الجاري حالياً ضد الرقة إلى تغيير ديموغرافي في هذه المدينة. وأكد أن الرقة مثل حلب في سورية والموصل في العراق "تنتمي إلى السكان" الذين كانوا يقيمون فيها قبل بدء النزاع. وأضاف أن "تغيير الهيكلية الديموغرافية لن يساهم بأي شكل في إحلال السلام". وتابع "لا يمكن الحصول على الشرعية من خلال منظمة إرهابية ترفع السلاح. سترى الولايات المتحدة هذا في الواقع عاجلاً أم آجلاً".

وعادت مدينة الرقة شرق سورية، والتي تعد أهم معاقل تنظيم "داعش" في البلاد إلى الواجهة الإعلامية، مع بدء عملية عسكرية تقودها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي يشكّل مقاتلون أكراد قوامها وقيادتها، من أجل "عزل" المدينة كمقدمة للسيطرة عليها، الأمر الذي لم ترحب به قوى سياسية وعسكرية محلية، ما قد يعيق المعركة التي تؤكد هذه القوى، أن لها أهدافاً سياسية واعلامية، لا تخدم الرقة وأهلها. وكانت "قوات سورية الديمقراطية" أعلنت، أول من أمس، بدء معركة غايتها انتزاع السيطرة على محافظة الرقة السورية (500 كيلومتر شرق دمشق)، وهي أبرز معاقل "داعش" في سورية، بإسناد من طيران التحالف الدولي، وإشراف مباشر من خبراء عسكريين أميركيين، وفرنسيين. وأطلقت "قسد" على العملية اسم "غضب الفرات"، مشيرة، في مؤتمر صحافي عُقد على عجل في بلدة عين عيسى (50 كيلومتراً شمال الرقة)، إلى أن 30 ألف مقاتل يشاركون في هذه العملية، مناشدة المدنيين في الرقة الابتعاد عن مواقع تجمع عناصر التنظيم، و"التوجه نحو المناطق التي سيتم تحريرها".

وقال ناشطون محليون إن "داعش" بدأ بحشد مقاتليه شمال مدينة الرقة لخوض معركة "مصيرية"، مشيرين إلى أن اشتباكات تجري في قرية الهيشة (40 كيلومتراً شمال الرقة)، التي استهدفها طيران التحالف الدولي الأحد. وذكرت القيادة المركزية الأميركية، أن طائرات تابعة لقوات التحالف شنت 16 غارة جوية شمال سورية، ومعظمها قرب عين عيسى، حيث يبدو أن القتال متركز هناك. وذكرت مصادر مطلعة على سير المعارك، لـ"العربي الجديد"، أن "قسد" لم تحقق سوى تقدم "محدود" في القطاع الأوسط من الجبهة على الطريق الذي يصل مدينة تل أبيض بمدينة الرقة.

وكان من اللافت عدم مشاركة "لواء ثوار الرقة" في "غضب الفرات"، وهو أكبر وأهم الفصائل المقاتلة التي ينتمي مقاتلوه إلى المحافظة، في رفض واضح لإسناد قيادة العملية إلى مليشيا الوحدات الكردية. وأكد رئيس المكتب السياسي في "لواء ثوار الرقة"، محمود الهادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قيادة اللواء "تعتبر أن هذه المعركة ليست معركتنا، ولا هي معركة تحرير الرقة من قبضة داعش"، مضيفاً "هي معركة إعلامية استباقية لبعض الأطراف لفرض شروطها"، في إشارة منه إلى مليشيا الوحدات الكردية التي سلّمتها وزارة الدفاع الأميركية زمام المعركة. وقال إن "لواء ثوار الرقة" اشترط أن يقود المعركة مقاتلون من أبناء الرقة، وألا يدخل المدينة سواهم، مشيراً إلى أن المعركة ضمن الموازين الحالية "لا تخدم الرقة، وأبناءها"، معرباً عن اعتقاده أن إطلاقها في هذه المرحلة له أهداف إعلامية، وسياسية فقط. وأشار إلى أن المعركة الحالية "هي المراحل الأولى من معركة التحرر، وتم تسميتها مرحلة العزل"، متوقعاً أن تطول، منوهاً إلى أن "من يشارك في هذه المرحلة، ليس بالضرورة أن يشارك في المراحل اللاحقة"، في إشارة إلى إمكانية استبعاد الوحدات الكردية في مرحلة متقدمة من المعارك، بهدف المضي بها من دون خلق حساسيات عرقية، ربما تعرقل سير العملية برمتها.

وأعلن "مجلس محافظة الرقة"، التابع إلى المعارضة السورية، وقوى سياسية وأهلية، عدم الترحيب بعملية "غضب الفرات"، مشيرين، في بيان صدر الأحد، إلى أن "قسد لا تمتلك حاضنة شعبية في المحافظة"، وأنه "إذا كانت قوات التحالف جادة بالتحرير، (فإن) عليها تسليح وتدريب أبناء محافظة الرقة، وهم من يقوم بتحرير المحافظة من تنظيم داعش". وبنت القوى الأهلية والسياسية موقفها الرافض على تجربة الوحدات الكردية في مدينة تل أبيض شمال الرقة، والتي سيطرت عليها منتصف العام الماضي، مشيرة إلى أن هذه الوحدات متهمة بتجاوزات كبيرة تصل إلى درجة الجرائم. وأعربت هيئات عربية عن تخوفها من أن مشاركة الوحدات الكردية في عملية السيطرة على الرقة "ستؤدي إلى نزاع قومي بين العرب والأكراد، ربما يمتد إلى عشرات السنوات"، مطالبة قوى التحالف، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، بالمحافظة على وحدة الأراضي السورية.

وتعد محافظة الرقة من كبريات المحافظات السورية، حيث تمتد على مساحة جغرافية واسعة، وهي ذات طبيعة منبسطة تتخللها بعض الهضاب، ويشطرها نهر الفرات من الوسط، مشكلاً ما يعرف باللهجة المحلية بـ"الشامية" التي تقع جنوب النهر وتمتد حتى تدمر وسط البادية السورية. وتقع مدينة الرقة على كتف الفرات، في منطقة "الجزيرة" التي تمتد شمالاً حتى الحدود التركية، على مسافة تقدر بنحو 110 كيلومترات. ولا يوجد إحصائيات دقيقة لعدد سكان الرقة الحاليين، لكن مصادر محلية تتوقع أن يصل العدد إلى أكثر من مليون شخص في المدينة وريفها، على الرغم من حملات الهجرة والنزوح الكبيرة، خلال سنوات الثورة، مشيرة إلى أن المحافظة تضم عشرات آلاف النازحين من مختلف المحافظات السورية، خصوصاً من شرق حلب، ومن مناطق خاضعة إلى "داعش" في شرق حمص. وكانت مدينة الرقة، أول مراكز المحافظات السورية التي خرجت عن سيطرة النظام في بداية عام 2013، وبقيت طيلة عام تحت سيطرة المعارضة حتى سيطر عليها "داعش" بداية سنة 2014، متخذاً منها معقله الأهم في سورية، مثل الموصل في العراق. وجرّت سيطرة التنظيم الويلات المتلاحقة على الرقة، حيث باتت هدفاً لكل طيران العالم، ما أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف من سكانها، ونزوح وهجرة عدد كبير منهم، إضافة إلى تدمير أغلب مرافقها الحيوية، وخاصة المراكز الصحية والجسور التي تربط "الشامية" بـ"الجزيرة". ويقع إلى الغرب من الرقة بنحو 50 كيلومتراً مدينة الطبقة الاستراتيجية التي تضم واحداً من أكبر السدود في الشرق الأوسط، وهو سد الفرات، الذي يحتجز خلفه بحيرة كبيرة، وتتفرع منه قنوات مائية تروي مئات آلاف الهكتارات الزراعية، حيث تعد الرقة في مقدمة المحافظات التي كانت أهم روافد الاقتصاد السوري. وتضم جغرافيا الرقة ثروة كبيرة من الغاز والنفط، خصوصاً في باديتها، وفيها ثروة حيوانية لا تقل أهمية عن سواها من الموارد الاقتصادية للسكان.

ويبلغ قوام القوات المهاجمة للرقة حالياً، وفق قيادة "قسد" نحو 30 ألف مقاتل، هم خليط من عرب، وأكراد، وتركمان، لكن نسبة المقاتلين الأكراد من مليشيا "وحدات حماية الشعب"، و"وحدات حماية المرأة" تصل إلى 80 في المائة وفق مصادر مطلعة، مشيرة إلى أنه تم إنشاء فصائل ذات صبغة عربية من قبل الوحدات الكردية، مثل "لواء شهداء الرقة"، في محاولة سافرة لنفي الصبغة الكردية على القوات المهاجمة، وتهدئة خواطر الخائفين من تبعات وصول الأكراد إلى مدينة عربية خالصة. ولا يخفي حزب "الاتحاد الديمقراطي" مطامعه في محافظة الرقة، وصدرت مواقف من مقربين منه ذهبوا إلى القول، إن الرقة ستكون ضمن الإقليم الكردي المتخيل شمالي سورية. ويقتصر الوجود الكردي في عموم محافظة الرقة على عدة قرى في محيط مدينة تل أبيض في ريف المحافظة الشمالي، وهو ما اتخذه "الاتحاد الديمقراطي" ذريعة من أجل السيطرة على المدينة، وضمها إلى ما يُسمّى بـ"الإدارة الذاتية"، ما فجّر غضباً عربياً، تُرجم بمقاطعة هذه "الإدارة الذاتية". وتهدف الوحدات الكردية، من وراء مشاركتها في عملية "غضب الفرات"، إلى تحصين الإقليم الذي تعمل على تشكيله شمالي سورية، وفرض أنفسهم لاعبين أساسيين في أي تسويات مقبلة، من خلال المقايضة على الجغرافيا، مقابل تعزيز مكاسبهم في جغرافيا أخرى.

وأشار مستشار الرئاسة المشتركة لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي"، سيهانوك ديبو، في حديث لـ"العربي الجديد"، الى أن السيطرة على الرقة "تعني بداية مرحلة متكاملة في سورية، وتحرير الرقة من الإرهاب يعني أن الظروف ستكون مناسبة بشكل جدي للحديث عن حل للأزمة السورية". وقال إن "أهل الرقة هم من يحددون مصيرهم، ولهم الحق في ذلك بعد التحرير... نحن أكراد وسوريون نفعل ما يمليه علينا واجبنا الوطني السوري والقومي الكردي. نريد للرقة الاستقرار والسلام. هذا هو الجوهر والأصل". وأكد أن مصالح الأكراد "تكمن في تحرير الرقة وكل سورية من الإرهاب والاستبداد"، مضيفاً "نعتقد أن صيغة سورية الاتحادية هي الأمثل، وهي الأكثر تلبية للتغيير الديمقراطي".

ولن تكون مهمة "قوات سورية الديمقراطية" سهلة في عزل مدينة الرقة، التي فرض تنظيم "داعش" سيطرة مطلقة عليها في العام 2014، وهذا ما يفسر وجود خبراء عسكريين أميركيين وفرنسيين إلى جانب هذه القوات. وتقدمت هذه القوات من الجهة الشمالية للمدينة، وهي الجهة الرخوة نسبياً، حيث تتمركز المليشيا الكردية وفصائل تتبع لها على بعد نحو 50 كيلومتراً في منطقة عين عيسى، وهي تسعى للتقدم جنوباً حتى الوصول إلى التخوم الشمالية للمدينة، لكنها ستصطدم، وفق مصادر محلية، بأنفاق، وسواتر دفاعية عمل التنظيم على إنشائها طيلة عام كامل، إضافة إلى خطوط دفاعية أخرى. وستجد القوات المهاجمة صعوبة بالغة في التعامل مع سلاح المفخخات التي يقودها انتحاريون، ويتوقع أن تعيق تقدم القوات المهاجمة. وتبدو مهمة عزل المدينة صعبة للغاية، حيث يسيطر "داعش" على غرب الرقة حتى حدود حلب الشرقية، بمسافة تقدر بنحو 150 كيلومتراً، كما يسيطر على جنوب الرقة حتى حدود مدينة تدمر في قلب البادية السورية. وتمتد مناطق نفوذه من شرق الرقة حتى الأنبار في غرب العراق. وأقر وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، أن معركة السيطرة على الرقة "لن تكون سهلة على الإطلاق". ومن المتوقع أن يستفيد التنظيم من تضارب رؤى القوى التي تحاربه، سواء في سورية أو العراق، للصمود أكثر في الموصل، وتالياً في الرقة. وقالت مصادر مطلعة، لـ "العربي الجديد"، إن الجانب التركي يشترط إخلاء مدينة تل أبيض من الوحدات الكردية، لتكون ممراً لقوات تدخل من الأراضي التركية لمهاجمة الرقة، وهو ما ترفضه الوحدات الكردية التي تصر هي الأخرى على استبعاد الأتراك عن المعركة، مؤكدة أنها قادرة على القيام بالمهمة، لكن عدم تحقيقها تقدماً جدياً على الرغم من مرور يومين على المعركة، يشير إلى أنها ربما ستجد صعوبة في تحقيق هدف التحالف الدولي في "عزل" الرقة، قبل خوض معركة السيطرة عليها، وأن لا قدرة لها على مواجهة التنظيم وحدها على الرغم من مساندة طيران التحالف لها.

المساهمون