"بريكسيت" قد لا يكون نهائياً... ولاءات تيريزا ماي مهدّدة

"بريكسيت" قد لا يكون نهائياً... ولاءات تيريزا ماي مهدّدة

06 نوفمبر 2016
"ديلي ميل" وصفت القضاة بـ"أعداء الشعب" (بنجامين فازرز/فرانس برس)
+ الخط -


أثار قرار المحكمة العليا في بريطانيا الجدل مجدداً حول مصير العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وما بين معارض يرى أن قرار المحكمة يُعيق تنفيذ الإرادة الشعبية التي صوتت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو/حزيران الماضي بأغلبية 52 في المائة، ومؤيد للحكم القضائي بوصفه يعيد صلاحية تفعيل المادة 50 من اتفاق لشبونة إلى السلطة التشريعية بوصفها ممثلة الإرادة الشعبية، عادت بريطانيا إلى المربع الأول على طريق مستقبل علاقتها بالاتحاد الأوروبي.

يرى الرابحون في المعركة القانونية أن حكم المحكمة العليا الخميس الماضي، يعيد الأمور إلى نصابها، إذ تنص الأعراف الدستورية في بريطانيا على أن تفعيل المادة 50 من صلاحيات البرلمان، وأن أي رئيس وزراء يستخدم صلاحياته التنفيذية لبدء الإجراءات سيكون قد انتهك القانون، لأنه يخالف قانون 1972 الذي نص على دخول بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي، ذلك أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع آخر، وفق الأعراف الدستورية، وعليه فإن موافقة البرلمان مطلوبة لمنح رئيس الوزراء سلطة بدء إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي. وفي المقابل، يعتبر مؤيدو الخروج من الاتحاد الأوروبي أن قرار السلطة القضائية يستهتر بالإرادة الشعبية. واعتبرت صحيفة "ديلي اكسبرس"، قرار المحكمة العليا بمثابة "وفاة الديمقراطية" في المملكة المتحدة. وأمام تجدد الجدل حول مستقبل بريطانيا ومصير علاقتها مع الاتحاد الأوروبي، تتجدد الأسئلة حول الخيارات التي تواجه السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، للخروج من أزمة، وصفتها "ديلي اكسبرس" بالأزمة الدستورية الأسوأ في بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية.

ويتمثل الخيار الأول لحكومة تيريزا ماي في استئناف حكم المحكمة العليا أمام المحكمة الأعلى في البلاد "السوبريم كورت"، وقد باشرت الحكومة البريطانية، الخميس الماضي، إجراءات استئناف قرار المحكمة العليا. وقال متحدث باسم الحكومة، في بيان، إن "الحكومة مصممة على احترام نتيجة الاستفتاء، وبالتالي سنستأنف الحكم". ولن تواجه الحكومة صعوبات إضافية في حال رفضت المحكمة الأعلى حكم الأسبوع الماضي، وبالتالي ستمضي في متابعة إجراءات "بريكسيت" حسب الجدول الزمني الذي تعهدت به تيريزا ماي لقادة الاتحاد الأوروبي. أما في حال رد "السوبريم كورت" الطعن المقدم من الحكومة، فستواجه تيريزا ماي المزيد من المشاكل، لا سيما وأن كبار المشرعين في المملكة المتحدة كانوا ضد مغادرة الاتحاد الأوروبي، ومن شأن رفض الطعن الحكومي أن يوفر لهم فرصة لتأجيل خطط "بريكسيت" وتحديد الشروط النهائية للخروج من الاتحاد الأوروبي. وهذا يمكن أن يوقف عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل كامل. من الناحية النظرية، يقول الخبراء، إنه من الممكن أن تطول المعركة القانونية، لا سيما إذا رأى "الطرف المُدّعي على الحكومة"، أو رأت "السوبريم كورت" ضرورة إحالة القضية إلى المحكمة العليا للاتحاد الأوروبي، ومحكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ. ومع أن هذا الاحتمال غير مرجح، إلا أنه غير مُستبعد، وفقاً لأستاذ القانون الدستوري في جامعة أكسفورد، نيك باربر، الذي يرى أن جميع الأطراف المعنية مُتفقة على أن من شأن مثل هذه الخطوة أن تؤدي إلى "فوضى".

"بريكسيت" أمام البرلمان

في حال خسرت الحكومة الاستئناف على حكم المحكمة العليا، سيحال مصير "بريكسيت" إلى البرلمان، ما يفتح الأبواب أمام العديد من الاحتمالات، أقلها الطلب من الحكومة طرح خططها للخروج، بشكل مفصل وواضح، وقد تكون هناك حاجة إلى قانون خاص يحدد كيفية بدء مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، ومسارها، وهو ما قد يستغرق بضعة أشهر لتمريره من قبل مجلسي النواب واللوردات. وفي هذا السيناريو، لا يُستبعد أن يطفو إلى السطح الانقسام داخل الحكومة، وداخل حزب المحافظين الحاكم، إذ أن هناك من يدعو إلى "خروج سلس"، في مقابل من يدعو إلى "خروج تام". وقد يصل الأمر إلى حد مطالبة البرلمان التصويت على نتيجة استفتاء يونيو/حزيران الماضي، على أساس أن ذلك الاستفتاء كان "استشارياً"، وتنفيذ نتيجته بحاجة إلى مصادقة من ممثلي الشعب في السلطة التشريعية، وهذا قد يفتح الباب أيضاً على أحد احتمالين، إما أن يُصادق البرلمان على نتيجة الاستفتاء، ويُعطي الضوء الأخضر للحكومة للمضي في إجراءات الخروج، أو أن يرفض البرلمان نتيجة الاستفتاء، ويصوت لصالح بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

وإن كان البعض يستبعد أن يتحدى البرلمان إرادة الرأي العام، إلا أن ذلك ممكن، لا سيما وأن 480 نائباً في مجلس العموم (أي أكثر من نصف أعضاء البرلمان) عبروا عن تأييدهم لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي خلال الاستفتاء، وهو ذات الموقف الذي عبر عنه أغلب أعضاء مجلس اللوردات. وقد يتذرع النواب في نقض نتيجة الاستفتاء، بما تظهره استطلاعات الرأي من تحوّل في مزاج الناخب البريطاني منذ استفتاء يونيو/حزيران الماضي، حيث أظهر أحدث استطلاع للرأي، أجرته وكالة الأبحاث البريطانية المستقلة "بي إم جي"، أن غالبية البريطانيين سيصوتون لصالح بقاء المملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي إذا ما أعيد إجراء الاستفتاء في الفترة الحالية. وأظهر استطلاع "بي إم جي"، الذي نشرت نتائجه صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، أول من أمس، أن نحو 51 في المائة من البريطانيين يؤيدون حالياً البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، في مقابل 49 في المائة يؤيدون الخروج. كما بيّن البحث أن غالبية المؤيدين للبقاء هم ممن لم يدلوا بأصواتهم في استفتاء يونيو، حيث قال 46 في المائة من المستطلعين من تلك الفئة إنهم كانوا سيصوتون لصالح البقاء في حال إعادة الاستفتاء، بينما قالت نسبة 27 في المائة فقط إنها كانت ستصوت لصالح "بريكسيت". وكانت تقارير إعلامية قد أشارت بعد أيام قليلة من إجراء استفتاء الخروج، أن آلاف الأشخاص أبدوا ندمهم على التصويت لصالح الـ"بريكسيت"، بعدما تبين لهم مدى التأثير السلبي للقرار على الاقتصاد البريطاني، وبعد اكتشافهم للأكاذيب التي استخدمها قادة حملة الخروج.

انتخابات مُبكرة

أمام تهاوي أول لاءات ماي الثلاث، لا لتنظيم انتخابات مُبكرة، ولا لتنظيم استفتاء ثان حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ولا لعرض نتيجة الاستفتاء على تصويت برلماني، يرى محللون سياسيون أنه أصبح من شبه المؤكد ألا تستمر حكومة تيريزا ماي لفترة طويلة، وأنها ستضطر عاجلاً أم عاجلاً لتقديم استقالتها وحل مجلس العموم (النواب) تمهيداً لإجراء انتخابات نيابية جديدة، يكون للحكومة الناجمة عنها تفويض شعبي، للشروع في إجراءات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. وتزايدت الدعوات لإجراء انتخابات مبكرة في أعقاب قرار محكمة العدل العليا ضرورة حصول الحكومة على موافقة البرلمان قبل تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة. ويرى الزعيم السابق لحزب الأحرار الديمقراطي، نيك كليغ، أن برلماناً جديداً، قادراً على إدارة "الطلاق" التاريخي عن الاتحاد الأوروبي بمسؤولية، هو السبيل الوحيد للخروج من حالة الفوضى الحالية، وهو ما طالب به زعيم حزب الاستقلال اليميني، نايجل فاراج، رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، بالدعوة إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة "لتجنب خيانة المواطنين بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي".

وبعد تحذيره من حدوث "خيانة"، رأى نايجل فاراج، الزعيم التاريخي والرئيس المؤقت لحزب "الاستقلال" الذي قاد حملة "بريكسيت"، أنه سيتعين على السياسيين تحمل "الغضب الشعبي" في حال عدم احترام نتائج الاستفتاء. ولا يبدو أن تأكيد تيريزا ماي على حماية "الإرادة الشعبية"، والتعهد بالمضي في إجراءات الخروج وفقاً للجدول الزمني المُعلن، بات كافياً لطمأنة أنصار الخروج، الذين طالما عبروا عن مخاوفهم من وجود مؤامرة لعرقلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويقول أنصار "الخروج" أن ساسة بريطانيين وأوروبيين يخططون لمنع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتقويض الإرادة الديمقراطية للشعب البريطاني عن طريق الالتفاف على نتيجة استفتاء يونيو، أو إفراغ "بريكسيت" من معانيه وغاياته التي أرادها 52 في المائة من الناخبين البريطانيين. وقد عبرت الصحف البريطانية اليمينية، منذ صدور قرار المحكمة العليا، عن مخاوف أنصار "بريكسيت"، إذ كتبت صحيفة "ديلي ميل"، "أعداء الشعب" بالأحرف الكبرى إلى جانب صور للقضاة الثلاثة، في حين كتبت "ديلي تلغراف"، إلى جانب صور للقضاة الثلاثة، "القضاة ضد الشعب"، معتبرة أن القضاة خانوا إرادة الشعب البريطاني الذي صوت بنسبة 52 في المائة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء 23 يونيو.