الحملة التركية ضد "الشعوب الديمقراطي"... الأسباب والنتائج المحتملة

الحملة التركية ضد "الشعوب الديمقراطي"... الأسباب والنتائج المحتملة

06 نوفمبر 2016
دياربكر بعد تفجير الجمعة (إيلياس أكينغين/فرانس برس)
+ الخط -
تستمر الإجراءات الحكومية التركية لضرب حزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني)، وسط خلافات في الرأي العام التركي حول مدى ضرورتها. وفي هذا الصدد، يعتبر المؤيدون للقرارات الحكومية أن الحزب فشل في فك ارتباطه بالكردستاني، وتحوّل إلى المتحدث "الشرعي" باسمه، خصوصاً أن الأخير لم يوقف هجماته على الدولة التركية، ويستمر في العمل مع كل من يعادي المصالح القومية التركية، سواء من دول المنطقة أو القوى الكبرى.

في المقابل، يرى المعارضون أن هذه الإجراءات ستمنح الشرعية للعمل المسلح للكردستاني بإغلاقها أبواب العمل السياسي أمام الحركة القومية الكردية اليسارية، وبأنها إجراءات غير ضرورية، باعتبار أن الحزب شبه معزول سياسياً في الداخل التركي منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بعد عودة الاشتباكات بين "الكردستاني" وقوات الأمن التركية. وبعد ساعات من إصدار القضاء التركي قراره باحتجاز تسعة نواب من "الشعوب الديمقراطي" على ذمة التحقيق، بمن فيهم رئيساه المشاركان صلاح الدين دميرتاش وفيغان يوكسداغ، أصدرت الداخلية التركية، أمس السبت، قراراً عينت خلاله نائب والي شرناق، توران بدرخان أوغلو، قيّماً على بلدية شرناق بعد أن تم إبعاد رئيس البلدية المحسوب على "الشعوب الديمقراطي" من منصبه بسبب تهم تتعلق بالتعاون والانضمام للكردستاني. كما قامت الشرطة التركية في ولاية أضنة بعملية أمنية، اعتقلت خلالها تسعة من قيادات "الشعوب الديمقراطي"، بمن فيهم رئيسه المشارك حسين بياض.

على المستوى الإعلامي، وبعد إغلاق صحف الكردستاني، في وقت سابق، لم تصدر أي صحيفة لتدافع عن نواب "الشعوب الديمقراطي"، باستثناء صحيفة "جمهورييت" المعارضة، التي بدت أقرب للحياد، مع تركيزها على الإجراءات التي تم اتخاذها بحق صحافييها. وذلك بينما شنّت وسائل الإعلام الموالية للحكومة، حملة واسعة للدفاع عن القرارات الأخيرة.

في هذا السياق، عنونت صحيفة "يني شفق"، في عدد أمس: "يوم الحساب لأولئك الذين قالوا بأنهم يستندون إلى حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) الإرهابي"، بينما كان عنوان صحيفة "ستار" التالي: "وقت الحساب"، بالقرب من المانشيت عن الهجوم الذي حصل في مدينة دياربكر، واتهمت الحكومة الكردستاني بالوقوف وراءه. أما "حرييت" فعنونت "اعتقال تسعة من نواب الشعوب الديمقراطي بتهمة الإرهاب"، مع غلاف عن الهجوم على دياربكر، وسط إعلان كل من "الكردستاني" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) المسؤولية عن الهجوم.

سياسياً، وباستثناء "الشعوب الديمقراطي" الذي عبّرت قياداته عن غضب كبير من الإجراءات الحكومية، متهمة الأخيرة بمحاولة تصفية الحزب والقيام بانقلاب على الشرعية الانتخابية، بدت ردة فعل حزب "الشعب الجمهوري"، أكبر أحزاب المعارضة، حذرة للغاية. وتجنّب رئيس الحزب كمال كلجدار أوغلو، الدفاع بشكل مباشر عن "الشعوب الديمقراطي"، داعياً إلى القيام بحملة عسكرية ضد مركز الكردستاني في جبال قنديل.



ويعود حذر "الشعب الجمهوري" بالدفاع عن نواب "الشعوب الديمقراطي" إلى مجموعة من الأسباب، منها تجنّب عودة الاتهامات الحكومية المتكررة للحزب بدعم الإرهاب، خصوصاً أن "الشعب الجمهوري"، يعمل منذ عودة الحديث عن التحول إلى النظام الرئاسي، على جذب أصوات قواعد حزب الحركة القومية المعارضة للتحول إلى النظام الرئاسي. وذلك عبر اللعب على إحدى أهم عقد العقل القومي التركي، الممثلة بفوبيا تقسيم تركيا. وعليه، شنّ "الشعب الجمهوري" حملة ضد التحول إلى النظام الرئاسي، خلصت إلى أن هذا التحول سيؤدي في وقت لاحق إلى التحول إلى الفيدرالية وبالتالي تقسيم تركيا. وهو ما دفع كلجدار أوغلو، أمس، إلى قطع جولته في عدد من الولايات التركية، عائداً إلى مقرّ الحزب في العاصمة التركية أنقرة، لترؤس اجتماع للمكتب السياسي بهدف التباحث في كيفية الرد على الإجراءات الأخيرة، سواء في ما يخص نواب "الشعوب الديمقراطي" أو فيما يخص صحيفة "جمهورييت".

لم تكن الإجراءات بحق نواب "الشعوب الديمقراطي" مفاجئة، بل جاءت تتويجاً لمجموعة من الإجراءات المتدرجة التي تم اتخاذها، بعد انهيار عملية السلام مع الكردستاني، في يوليو/تموز 2015، وعودة الاشتباكات. وذلك بهدف إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء العملية، وتحجيم الكردستاني، بعد استغلال الأخير الانفتاح الحكومي أثناء العملية للتمدد والتوسع على جميع المستويات، سواء الإعلامية أو السياسية أو العسكرية.
وبدأت هذه الإجراءات بتوجيه ضربات قاسية للكردستاني على المستوى العسكري، تلتها حملة إعلامية واسعة ضد كل من يساند الأخير، لم تستثن أحدا بمن فيهم المثقفون والكتاب وأساتذة الجامعات اليساريون. ثم تلتها مجموعة من الخطوات، بدأت برفع الحصانة عن جميع النواب في البرلمان في مايو/أيار الماضي، ممن صدرت بحقهم طلبات قضائية برفع الحصانة، ومن ثم قامت وزارة الداخلية بإزاحة رؤساء البلديات التي يسيطر عليها "الشعوب الديمقراطي"، ممن تعاونوا مع الكردستاني وأعلنوا الإدارة الذاتية في مناطق جنوب وشرق الأناضول. وقامت الحكومة بتعيين مجموعة من القيمين على البلديات الخاضعة لنفوذ "الشعوب الديمقراطي"، بعد المحاولة الانقلابية في يوليو/تموز الماضي. وبلغت الإجراءات ذروتها، قبل أيام، باحتجاز الرئيس المشارك لبلدية دياربكر، غولتان كشانك على ذمة التحقيق، كما أغلقت الحكومة جميع وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب التابعة للحزب، بموجب مراسيم بحكم حالة الطوارئ.

وبحسب مراقبين، فإن استمرار الحكومة في تصعيدها ضد "الشعوب الديمقراطي"، يعود لمجموعة من الأسباب، على رأسها حالة الصمت الشعبي الكردي غير المسبوق بسبب الغضب من الأخير، بعد قيام الكردستاني بنقل المعارك التي كانت تجري عادة في الأرياف إلى المدن. ما أدى إلى دمار واسع في عدد من المدن والمناطق، مثل القلب التاريخي لدياربكر، وأجزاء واسعة من كل من مدينة نصيبين وجزيرة وغيرها. الأمر الذي أثر بشكل كبير على الطبقة المتوسطة الكردية، التي شكلت القاعدة الرئيسية للحزب بعد وعوده بالتوصل إلى سلام ينهي النزاع ويعيد الاستقرار إلى جنوب وشرق الأناضول والغالبية الكردية.

كما أدى فشل "الشعوب الديمقراطي" في اتخاذ موقف حاسم ضد العمليات التي يقوم بها الكردستاني في المدن التركية، ومن ثم سيطرة كوادر الأخير على مفاصل "الشعوب الديمقراطي"، بعد المؤتمر الأخير للحزب، الذي أدى إلى انهيار التحالف الذي مرّ عبره "الشعوب الديمقراطي"، كاسباً 13 في المائة من الأصوات في انتخابات يونيو/حزيران 2015. وهو التحالف الذي قام بين كل من اليسار القومي الكردي (الكردستاني)، والمحافظين الأكراد، واليسار التركي. بالتالي إن عودة الاشتباكات مع الكردستاني، وعدم إدانتها من "الشعوب الديمقراطي"، أدى إلى غضب اليسار التركي، وكذلك المحافظين الأكراد، سواء المتدينون منهم أو أبناء العشائر، الذين عادوا ليكونوا هدفاً للكردستاني، لكون معظمهم أعضاء في تنظيم حراس القرى الموالي للحكومة.

أما السبب الآخر للتصعيد الحكومي التركي ضد الحزب، فيشير مقرّبون من "العدالة والتنمية"، إلى أنه يأتي في إطار إعادة رسم الخريطة السياسية التركية، تمهيداً لرصّ صفوف الكتلة اليمينة التركية، بعد التحالف غير المعلن بين حزب "الحركة القومية" و"العدالة والتنمية"، تمهيداً لتمرير مشروع التحول إلى النظام الرئاسي الجديد نحو الاستفتاء الشعبي.

ولا يبدو أن الحملة ضد الكردستاني ستقف عند الحدود التركية، إذ تتداول أوساط "العدالة والتنمية"، الحديث عن قرب القيام بعملية عسكرية واسعة ضد الكردستاني في العراق، تحديداً في قنديل وسنجار، قبل التوجه إلى مدينة تلعفر ذات الغالبية التركمانية في حال اقتربت منها مليشيات الحشد الشعبي ذات الولاء الإيراني، وذلك وسط استمرار القوات المسلحة التركية بإرسال التعزيزات إلى الحدود التركية العراقية.

المساهمون