"رجال الكرملين" في الغرب الأوروبي: اللعب خلف خطوط العدوّ

"رجال الكرملين" في الغرب الأوروبي: اللعب خلف خطوط العدوّ

01 ديسمبر 2016
مناهضون لبوتين في ألمانيا الشهر الماضي (آدم بيري/Getty)
+ الخط -
العلاقة الروسية مع بعض الأطراف في العالم الغربي، بدأت تتخذ مساراً يشي بتعاون مستقبلي. وفي هذا الصدد، أضافت تهنئة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمرشح اليمين الفرنسي، فرانسوا فيون، للانتخابات الرئاسية في ربيع 2017، بعداً جديداً لعلاقة الكرملين باليمين الأوروبي عموماً. مع العلم أنه قبلها، بأقل من أسبوع، كانت موسكو سعيدة لفوز نقيضين في "يسار" بلغاريا عبر رومين راديف، و"يمين" مولدوفيا عبر إيغور دودون، اللذين باتا رئيسين لبلادهما، باعتبارهما يدوران في فلك الكرملين. وقبل كل ذلك، لم يتردد الكرملين في إغداق الإطراء على مرشح الرئاسة الأميركية دونالد ترامب، رغم ما شكّله الرجل من سيرة مزعجة لصورة الأميركيين.

علاقة الكرملين المباشرة مع أطراف أوروبية موغلة في التطرف، ومتناقضة إيديولوجياً، لم تعد سراً. ثمة قواسم مشتركة بين هذه القوى الغربية والكرملين: عداء للمهاجرين وللإسلام، بغطاء مذهبي واضح أحياناً، ودعم الأنظمة المستبدة للانقلاب على الثورات العربية. اسم ألكسندر دوغين، ليس غريباً عن أروقة الأمن والسياسة في أوروبا. ووفقاً لشرح برلماني أوروبي لـ"العربي الجديد"، فإن "أقطاب اليمين الأوروبي يطلقون عليه لقب البروفسور. وهو مفتاح عبور بوابات الكرملين، باعتباره مستشار بوتين الشخصي في القضايا الأيديولوجية، عن توسيع العمل بالأوراسيوية (أوراسيا)، وترسيخ بروباغندا ثورة بوتين المحافظة لقيادة القارة".

المهمة الموكلة لدوغين، منذ انفجار أزمة أوكرانيا وتعكر العلاقة بالغرب "تتمّ على أكمل وجه"، بحسب البرلماني الأوروبي، مضيفاً عن نوعية العلاقة البوتينية مع الحركات القومية المتشددة أنه "في المستويات الحزبية، بدأنا نشهد ما نطلق عليه أحصنة طروادة، بتحوّل بعض الحركات إلى أحزاب سياسية تلهث نحو تقاسم المقاعد البرلمانية مع الأحزاب العريقة".

بدوره، شبّه الباحث في الشأنين الروسي والعربي في جامعة استوكهولم السويدية، يورهان كلاورسون، دوغين بنائب وزير الخارجية الروسية الحالي، ميخائيل بوغدانوف. وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "لدى الكرملين في العالم العربي شخصية شبيهة بدوغين، هو ميخائيل بوغدانوف، فكلما رأى بوتين حاجة لإخراج جزرة ويد حريرية، أطل بوغدانوف، ليحدث الرفاق القدامى باللغة العربية عن التاريخ المشترك".

من جهته، اعتبر عضو لجنة الأمن والخارجية في البرلمان الدنماركي نيكولاي فيلسموسن (يسار)، في حديثٍ لـ"العربي الجديد" حول تناقض تحالفات الكرملين وخطاباته، بالقول إنه "يجب أن يكون واضحاً في فهمنا كيساريين، وقد لا يتفق معنا بعض اليسار العربي من الذين فشلوا في تشخيص الربيع العربي، إن روسيا بالنسبة لنا تلعب لعبة خطيرة جداً". ورأى بأن "الكرملين يجهد لإحداث اختراقات توسعية، تتخذ النهج الرأسمالي غير آبهة بحقوق الإنسان".



وأوضح فيلسموسن أن "روسيا تعيش مأزقاً كبيراً في إيجاد مكانتها بين الأمم، فتتبنى عملية تخريب وخلق تشققات في المجتمعات الأوروبية، وغيرها، رغم كل ملاحظاتنا على النظام الغربي، إلا أن روسيا ليست صاحبة سياسة تقدمية أبداً، حتى يطلق بعض اليساريين شعارات تتنافى وجرائم الحرب بحق الشعب السوري".

ووفقاً لما ذهب إليه كبير الباحثين والمختصين بالشأن الروسي هولغر بلاكسيرود في حديثه مع "العربي الجديد" من واشنطن، فإنه "رغم أن فلاديمير بوتين يبدو سعيداً لصعود نجم اليمين المتطرف والشعبوي في أوروبا، لكنه يواجه داخلياً تحديات جمة".

يبدو واضحاً أنه ليس هناك من شك عند كثيرين عن دور دوغين، الأستاذ الجامعي الذي يدرّس مادة "نظرية المؤامرات"، في توثيق العلاقة مع أحزاب اليمين الأوروبية. وفقاً له فإن "لروسيا الحق بصناعة الطابور الخامس، ونحن نسميهم أحصنة طروادة"، حسبما ذكر مصدر أوروبي لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أن "دوغين يؤمن بنظرية العمل خلف خطوط العدو، مستلهماً الفكرة من الحرب الأهلية الإسبانية 1936 ـ 1939، لكن هذه المرة عبر أحزاب سياسية أجنداتها ومواقفها واضحة للجميع".

ووفقا لتقديرات الباحثة الفنلندية، الخبيرة في الشأن الروسي، صوفي أوكسانين، فإن "الكرملين استطاع خلق مساحة واسعة من التحرك، فمن بين 24 حزباً يمينياً متشدداً، تجد 14 منها تؤيد توجهات الكرملين، وسبعة يقفون على الحياد، وثلاثة يعارضون نفوذ الكرملين، بمن فيهم حزب الفنلنديين الحقيقيين، نتيجة تاريخ صراع طويل مع روسيا".

ولفتت أوكسانين إلى أن "هدف هذه التكتيكات البوتينية هو أن تؤدي لزعزعة الاستقرار الأوروبي عبر الأحزاب اليمينية البرلمانية، وتتخذ من الفساد السياسي طريقاً سهلاً للنفاذ". وأضافت أن "الكرملين وصل عبر متخصصين فيه، إلى فكرة جعل نفسه منقذاً وحامياً للأقليات الناطقة بالروسية. لكن الأمر تجاوز ذلك إلى سياسيين أوروبيين متشددين".

مع العلم أنه في إبريل/نيسان 2015 طالب دوغين، من على شاشة التلفزيون الروسي بـ"فتح (غزو) أوروبا وجعلها محمية روسية لنخلص الأوروبيين من الانحطاط والعدمية وضياع التقوى وانتشار الشذوذ لديهم. طابورنا الخامس أصبح جاهزاً، والمثقفين الأوروبيين يريدون استعادة هويتهم".

في الخطوط العريضة لتلاقي أحزاب سياسية يمينية مع الكرملين، إلى جانب ما حُكي عن تلقي زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف، مارين لوبان أموالاً روسية، فإن الفكرة الأساسية التي تجمع بوتين بتلك الأحزاب، وسعادته بتقدمها السريع، كحزب "البديل لأجل ألمانيا"، وتوقع التقدم في بقية الدول، تقوم على أساس أن "بوتين يقود اليوم النزعة الدولية المحافظة". الأمر الأخير فصّلته صحيفة "بيلد" الألمانية بتقرير واسع في عام 2014، تطرّقت فيه لدور سفراء موسكو في استراتيجية شراء ولاءات الأحزاب المحافظة وترسيخ تلك الأيديولوجية عن زعامة بوتين.



أما ما يثير القلق والاهتمام، ليس يسار ويسار الوسط الأوروبي فحسب بل حتى الأحزاب الليبرالية والمحافظة التقليدية، هو قدرة موسكو على تحويل الخطاب الفاشي المتطرف، وبانتهازية، استغلال حنين دول أوروبا الشرقية، كبلغاريا وتشيكيا والمجر.

الباحث في "مركز الدراسات الدولية" في كوبنهاغن الدنماركية، لارس ايرسلوف أندرسن، اعتبر في حديثٍ إلى "العربي الجديد" أن "بوتين استغل الواقع السوري والأوكراني وهو بالتأكيد يستخدم رئيس النظام السوري بشار الأسد وإيران. وأتوقع المزيد من التدخل وبناء قواعد وتبادل خبرات مع طهران، لإعادة شيء مما فقده بلده بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. هذا الاستغلال يبدو أنه يُصرف في الساحة الأوروبية بنظرة توسعية تحمل نبرة تهديدية مباشرة".

ورغم ذلك ما من شك في أن "براعة روسيا" في الحرب الإلكترونية (القرصنة) برأي خبراء مخضرمين كأوفا أليمان يانسن هي "دليل عجز عن اللحاق بالغرب". الأحزاب الأوروبية التي راهن عليها بوتين، (هذا عدا عن الحركات الفاشية والنازية الجديدة التي ترفع صور بوتين مُلهماً)، أثبتت بالفعل تقدمها انتخابياً وفي الاستطلاعات. وهي في أغلبها معارضة للاتحاد الأوروبي أو متحفظة على التقارب العسكري والأمني. لكن يبقى رهان الكرملين مستمراً في مناطق عدة من الشمال، هذا عدا عن علاقاته الإيطالية واليونانية ومعظم وسط وشرق أوروبا والبلقان.

في السويد، حصل حزب ديمقراطيي السويد، المتشدد والمعادي للمهاجرين، الحامل لخطاب معاداة الإسلام والعرب عموماً، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (2014) على 13 في المائة، وعانى من فضائح اختراقات روسية لم تزعزع خطابه المهادن لموسكو. كما انتقد الحزب موقف وزيرة خارجية بلده مارغوت فالستروم المنتقدة لسياسات بوتين العدائية وفي سورية. ومثله حزب الشعب الدنماركي، الذي يقود سياسته الخارجية أحد أهم فاعلي اللوبي الصهيوني في اسكندنافيا سورن اسبرسن. وللمفارقة فإن الأخير استُقبل في طهران بحفاوة كبيرة الشهر الماضي.

هولندياً، هذه الأيام هي أسعد أيام اليميني المتطرف غيرت فيلدرز بعد فوز ترامب وتقدم فيون في فرنسا. حزب فيلدرز "الحرية"، صاحب علاقات قوية مع رجال الكرملين، وتل أبيب بنفس الوقت، وبزيارات متبادلة علنية وسرية، كما يتناغم الطرفان في نقاشهما، تحت بند "مؤتمرات أكاديمية" على ضرورة "مواجهة الغزو الإسلامي للحضارة الأوروبية".

وصوّت "الحرية" في الاستفتاء الشعبي ضد الاتفاقية الأوروبية مع أوكرانيا، ما اعتبر انتصاراً لخط بوتين. وبسبب ذلك احتجت مجموعة من شباب الحزب الاشتراكي على تلك العلاقة، بوضع صورة لفيلدرز يقبّل فيها بوتين في المحطة المركزية في العاصمة أمستردام.

في بلجيكا، سعى الكرملين الى استكمال الطوق الأوروبي عبر حزب "المصالح الفلمنكية" اليميني القومي المتطرف في بلجيكا. كما خاب أمله في عدم ترشح المستشارة أنجيلا ميركل مرة أخرى في الانتخابات التشريعية الألمانية، المقررة بين أغسطس/آب 2017 وأكتوبر/تشرين الأول منه، مراهناً على اليمين القومي المتطرف، إلا أن ترشحها سيعني محاولة خلق متاعب أخرى لبرلين، كما حصل عبر البروباغندا العنيفة التي قادها الإعلام الروسي ضد اللاجئين العام الماضي.

في بولندا، تبقى الرهانات الروسية على حزب القانون والعدالة المتطرف، وفي النمسا، سيكون الكرملين "سعيداً جداً بتقدم حزب "الحرية" الشعبوي، الذي ترتبط بعض قياداته، مثل كريستيان ستراشي، صديق حزب الليكود الإسرائيلي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصياً، بعلاقات وثيقة برجال أعمال مقربين من بوتين ويدعمون حزبه مالياً.