لقاءات الغنوشي برموز النظام المخلوع: العدالة الانتقالية ليست للانتقام

لقاءات الغنوشي برموز النظام المخلوع: العدالة الانتقالية ليست للانتقام

28 نوفمبر 2016
أثار لقاء الغنوشي والقلال ضجة كبيرة (ياسين غايدي/الأناضول)
+ الخط -
أثارت في الأيام الأخيرة، لقاءات زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، مع عدد من المسؤولين السابقين والرموز في النظام التونسي السابق، تساؤلات عن دوافعها وأهدافها وتوقيتها، وموجة من ردود الفعل داخل حركة النهضة وفي صفوف قيادات حزب التجمع الدستوري المنحل أيضاً. ورغم أن هذه اللقاءات لم تكن جديدة، إذ سبقتها أخرى في فترات متباعدة، فإن اللقاء الذي جمع الغنوشي مع وزير الداخلية قبل الثورة، عبد الله القلّال، أثار جدلاً كبيراً، بسبب رمزية القلّال وكونه من أكثر الوزراء الذين ارتبطت بهم قضايا التعذيب عموماً، والنهضويين خصوصاً، أثناء توليه وزارة الداخلية، بالإضافة إلى مسؤوليات حزبية وحكومية عديدة، ما يجعل منه رمزاً أساسياً من رموز نظام المخلوع زين العابدين بن علي. وجاء توقيت الزيارة حاملاً بدوره دلالات عديدة ودافعة للتأويل، إذ سبقت جلسات الاستماع إلى ضحايا الانتهاكات بيوم واحد، وهو ما أثار حفيظة بعض النهضويين.

وتكشف مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" أن القلّال طلب أكثر من مرة لقاء الغنوشي، ومنذ سنوات، وكثف من هذه الطلبات في الأسابيع الأخيرة. وتؤكد أن اللقاء لم يتعرض لتفاصيل أو صفقة كما يحاول البعض تصويره، إنما كان لقاء تم خلاله استعراض الوضع العام في البلاد، وحاول خلاله القلّال أن يوضّح بعض ما تعلق به من تهم صوّرته على غير حقيقته، بحسب ادعاءاته. ولم يكن القلّال وحيداً في اللقاء، بل كان معه عدد من قيادات الصف الثاني السابقة، رجالاً ونساء، وربما ساهم اللقاء في إزالة بعض المخاوف مع اقتراب انطلاق مسار العدالة الانتقالية (لم تكن قد انطلقت بعد). ويبدو أن الغنوشي كان صريحاً في هذا اللقاء، ولم يخف عن ضيفه انطباعات النهضويين تجاهه، وخصوصاً أن عدداً كبيراً منهم تلقى أصنافاً من التعذيب والسجن خلال فترة إشرافه على وزارة الداخلية. كما يبدو أن موافقة الغنوشي على اللقاء لم تكن مجردة من الرسائل أيضاً، أهمها تطمين القيادات السابقة بأن مسار العدالة الانتقالية، الذي يدافع عنه بكل قوة، لن يكون بغاية الانتقام والتشفي، وهو ما أكده بعد أيام خلال الحفل الذي أقيم لمناسبة حصوله على جائزة نشر القيم الغاندية خارج الهند، إذ أكد أنه "ازداد قناعة بأن الحل في المصالحة الوطنية ونبذ منطق الإقصاء والعزل، وتطهير جروح الماضي، حتى نتقدم للمستقبل متخففين من الثأر والأحقاد". وأضاف: "لا شكّ أن انطلاق جلسات الاستماع إلى ضحايا الاستبداد في إطار العدالة الانتقالية خطوة تاريخية في هذا الاتجاه. تونسيون وتونسيات يعيدون كتابة تاريخ الدكتاتورية بلا مساحيق ولا شعارات ديماغوجية، بعد أن جثمت على الصدور عقوداً ولم تسلم من شرّها عائلة سياسية، من اليوسفيين إلى اليساريين إلى القوميين إلى الإسلاميين، الذين تعرضوا إلى محرقة بكل معنى الكلمة". وأجاب الغنوشي ضيوفه بشكل غير مباشر حين دعا "كلّ من تورّط في الانتهاكات البغيضة إلى الاعتراف والاعتذار وطي الصفحة. فتونس تحتاج لكلّ أبنائها، وسفينة تونس كما نراها لا تلقي أحداً من أبنائها في البحر".

ولم يمر الاحتفال المذكور من دون أن يثير أيضاً بعض التساؤلات، حول حضور الأمين العام للتجمع المنحل، محمد الغرياني، ما رجَّح في نظر البعض، خيار الغنوشي في الاجتماع برجالات النظام القديم. وأثارت اللقاءات موجة من ردود الفعل داخل العائلة النهضوية، حيث دعا القيادي عبد اللطيف المكي، القلّال، إلى الكشف عن قبر أحد الذين اغتالهم نظامه، إذا كان جاداً في التوبة والاعتذار. وذهب عضو مجلس الشورى، زبير الشهودي، إلى أبعد من ذلك، مؤكداً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مجلس شورى النهضة يعتزم مساءلة رئيس الحركة، حول اجتماعه بعبد الله القلال، وكذلك بوجوه من رموز النظام السابق. وأوضح الشهودي أنّه من البديهي أن يطلب أعضاء مجلس شورى الحركة توضيحات من الغنوشي حول أسباب هذا اللقاء وإطاره، معتبراً أنه يمكن لقيادات النهضة، وأعضاء مجلس الشورى، بوصفهم جهازاً تنفيذياً، أن يطالبوا رئيس الحركة باستفسارات متى تطلب الأمر ذلك. وأكدّ أن من حق رئيس الحركة أيضاً أن يتخذ القرارات والإجراءات الترتيبية، وأن يلتقي بشخصيات وقيادات سياسية بحسب ما يراه مناسباً، لكن هذا اللقاء أثار ضجة واسعة لتزامنه مع مسار العدالة الانتقالية.

وأثارت هذه اللقاءات أيضاً حفيظة بعض التجمعيين، إذ اعتبر الديوان السياسي للحزب الدستوري الحر، أن الاتصالات واللقاءات التي عقدتها مجموعة من القيادات السابقة في التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل مع قيادة حركة النهضة، والاعتذارات الصادرة عن بعض الوزراء السابقين وتصريحات بعض الشخصيات وقيادات الأحزاب، التي تقدم نفسها كأحزاب دستورية بخصوص التقارب بين الدساترة والإسلاميين، "لا تلزم الحزب".

وأضاف، في بيان، أن "ما يروج في بعض وسائل الإعلام بشأن وجود توجه ممنهج لصياغة هذا التقارب بين التيارين، لا أساس له من الصحة ولا علاقة للحزب الدستوري الحر بهذا المخطط، ولا تعنيه هذه الرؤية أساساً"، داعياً المدافعين عنها إلى التحدث بأسمائهم وأحزابهم الخاصة من دون تعميمها على كل الدستوريين. وأعلن تكوين لجنة من المحامين ورجال القانون لتقديم وثيقة إلى لجنة التشريع العام في مجلس نواب الشعب بقصد النظر في تعديل القانون الأساسي المنظم للعدالة الانتقالية، الذي اعتبر أنه صيغ في ظرف مشوب بالإقصاء وبهيمنة التيارات المناهضة للنظام السابق. لكن الأمين العام للتجمع المنحل، محمد الغرياني، اعتبر أن تقارب التجمعيين مع حركة النهضة ليس أمراً سرّياً. وأكد، خلال مشاركته في برنامج تلفزيوني على القناة التاسعة الخاصة، أن "الحالة التي حكمت صراع التجمعيين مع النهضة انتهت، ولا بد اليوم من مراجعة طبيعة العلاقة، لأن حركة النهضة حزب سياسي معترف به وفائز في الانتخابات، ولا بد من التعامل معه". وأضاف "نعيش مرحلة انتقال ديمقراطي وجب خلاله مراجعة كل الأخطاء السابقة". وبشأن مشاركته في حفل تكريم الغنوشي لمناسبة حصوله على جائزة غاندي للسلام، قال الغرياني "مثل هذه الجوائز تؤكد أن راشد الغنوشي يحتل مكانة عالمية إلى جانب موقعه داخل البلاد".