عدّ عكسي للمجاعة بحلب... ودي ميستورا يصدّق روسيا

عدّ عكسي للمجاعة بحلب... ودي ميستورا يصدّق روسيا

26 نوفمبر 2016
الخوذ البيضاء:أمام سكان حلب 10 أيام لتلقي مساعدات(بهاء الحلبي/الأناضول)
+ الخط -



تعيش مدينة حلب، وتحديداً الأحياء الشرقية فيها، على وقع عدّ عكسي للمجاعة الكبرى أو "الفناء" بالنسبة لمن بقي فيها حياً، بحسب المصطلحات التي وردت على لسان المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، قبل أن يحرر صكّ براءة لروسيا عن جرائمها. مجاعة مضاف إليها إبادة منظمة ومتواصلة، تفاقمت حدتها مع التقدم الميداني الذي أحرزه، أمس الجمعة، جيش النظام، بقيادة المليشيات الأجنبية التي تحارب إلى جانبه.
وقد سجلت سورية، "بفضل" المجازر المستمرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ظاهرة ربما غير مسبوقة، إذ ألغيت صلاة الجمعة في معظم المناطق المعارضة التي تتعرض للقصف الروسي والسوري، وذلك بهدف محاولة تفادي حصول مجازر جديدة، بما أن المساجد ليست بمنأى عن الغارات الروسية والسورية. وقد شمل إلغاء صلاة الجمعة مدن الوعر في حمص والغوطة الشرقية في دمشق، وحلب الشرقية.
ومثلما كان متوقعاً، جرى اتصال هاتفي بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتركز الحديث على الهجوم الذي استهدف جنوداً أتراك، يوم الخميس، قرب منطقة الباب في إطار عملية "درع الفرات". ونقلت وكالة الأناضول عن الرئيسين اتفاقهما "على تسريع جهود إيجاد حل للأزمة الإنسانية في مدينة حلب". كما تطرقا إلى الزيارة التي من المقرر أن يجريها رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إلى موسكو في 6 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، واجتماع مجلس التعاون التركي - الروسي رفيع المستوى في النصف الأول من 2017.
على صعيد ميداني، دفعت شدة القصف الروسي والسوري الحكومي بدي ميستورا للتعبير عن خشيته من "فناء حلب" بحلول عيد الميلاد، إلا أن ذلك لم يمنعه من الدفاع عن روسيا والقول إنه يصدق ما تردده من أنها لا تقصف أي أهداف في شرق حلب.
وشنّت قوات النظام صباح أمس الجمعة هجماتٍ عدة في محاولة للتقدّم داخل أحياء حلب بالتزامن مع قصف مدفعي وجوي. وتركزت تلك الهجمات على محاور مساكن هنانو والشيخ سعيد والشيخ نجار، وتمكّنت في ما يبدو بإحراز بعض التقدّم الطفيف في محور مساكن هنانو. فيما قالت بعض مصادر النظام إن الأخيرة وبمؤازرة من "قوات صقور الصحراء" فتحت محوراً جديداً للمعارك باتجاه حي الشيخ لطفي، وسيطرت على تل الشرطة ومبنى الشرطة و34 كتلة سكنية داخل الحي، وذهبت مصادر أخرى إلى القول إنه تمت السيطرة بالكامل على حي هنانو.

غير أن الناشط الإعلامي عبدو خضر قال لـ"العربي الجديد" إن المعطيات تتبدل كل ساعة، وإن قوات المعارضة استعادت بعض النقاط التي تقدّمت إليها قوات النظام في حي مساكن هنانو، أكبر أحياء حلب الشرقية، والتي تعني خسارته شل أو تقييد حركة مقاتلي المعارضة في حلب الشرقية، أو في المناطق القريبة من الحي على الأقل. لكن خضر أشار إلى تمكّن قوات النظام من تحقيق تقدّم في بعض المناطق الفاصلة مع مقاتلي المعارضة خصوصاً من جهة حواش العربية على محور العمالية شرق المدينة، إضافة إلى تقدّم طفيف من جهة المناشر. وأضاف أن النظام يتبع سياسة الأرض المحروقة في تلك المناطق، إذ يقصفها بالمدفعية والطائرات بشكل جنوني، بحيث لا يُبقي فيها حجراً على حجر، لافتاً إلى أنه "إذا تشبّث المقاتلون بمواقعهم بعد هذا القصف، يرمي عليهم براميل تحتوي غاز الكلور السام"، مما يضطرهم أحياناً إلى الانسحاب من مواقعهم، ثم يعاودون الهجوم بعد أن تخف حدة القصف.
وفي معرض تهديداته بمواصلة قصف المدينة حتى إخراج المقاتلين منها، قال "مصدر أمني في غرفة العمليات المشتركة لجيش النظام وحلفائه" إن هذا الجيش لن يرضى بـ"الوضع الراهن للمدنيين الرهائن بيد المسلحين في الجزء المحاصر من حلب وسيكون لنا عمل يتناسب مع حجم التهديدات لا يقل عن السعي لطرد الإرهابيين التكفيريين من حلب، وبأسرع وقت ممكن"، كما نقلت "شبكة أخبار حلب" الموالية للنظام.


وفي هذه الأثناء، تواصَل القصف المدفعي والجوي على بقية أحياء المدينة، إذ استهدفت مدفعية النظام حي الشيخ سعيد ومنطقة عزيزة جنوبي حلب، في حين أصيب مدنيون جراء قصف جوي بالقنابل العنقودية على أحياء المواصلات والشعار والقاطرجي في حلب القديمة. وقال مركز حلب الإعلامي إن القصف على حي المشهد مساء الخميس تسبّب في مقتل زياد بركات أحد العاملين في المركز. كما طاول قصف براجمات الصواريخ حي كرم ميسر. وفي الريف الحلبي، استهدف الطيران الروسي المساجد أثناء وجود المصلين فيها. كما استهدف بلدة تقاد في ريف حلب الغربي ما أدى إلى مقتل خمسة مدنيين وجرح العشرات بينهم أطفال ونساء. واستهدف أيضاً مدينة عندان ومعارة الأرتيق في ريف حلب الشمالي بعدة غارات جوية بالقنابل العنقودية، وكذلك مدينة كفرحمرة التي تعرضت لأربع غارات جوية. من جانبهم، أعلن مقاتلو المعارضة قنص عنصرين من قوات النظام على جبهة بلدة بيانون في ريف حلب الشمالي.
وفي الريف الشمالي أيضاً، قالت مصادر قوات النظام إنها سيطرت بالاشتراك مع وحدات حماية الشعب الكردية على عدة قرى عقب اشتباكات مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وقالت وحدة الإعلام المركزي التابعة لقوات النظام السوري في منشور على "فيسبوك" إن "الجيش السوري ووحدات الحماية الكردية بسطوا سيطرتهم الكاملة على قريتَي نيربية وجوبة في ريف حلب الشمالي". وأضافت أن التنظيم خسر عدداً من مقاتليه خلال المعارك في الريف الشمالي لمدينة حلب، والتي "تمكنت من خلالها القوات المشتركة من التقدم على محور مدينة الباب بريف حلب الشرقي".

على الصعيد الإنساني، يزيد قصف النظام وحصاره المتواصل لشرقي حلب معاناة المدنيين، وقال مدير منظمة الدفاع المدني السوري المعروفة باسم "الخوذ البيضاء" رائد الصالح، لوكالة "رويترز" مساء الخميس، إن سكان شرقي حلب أمامهم أقل من عشرة أيام لتلقي مساعدات إغاثة، أو مواجهة المجاعة والموت بسبب نقص الإمدادات الطبية. وجاء ذلك بعدما كان مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يان إيغلاند أعلن أن فصائل المعارضة في أحياء حلب الشرقية وافقت على خطة المنظمة الدولية لإدخال المساعدات وإجلاء الجرحى. من جهتها، قالت فصائل المعارضة التي تضم "أحرار الشام" و"نور الدين زنكي" و"الجبهة الشامية" و"فيلق الشام" و"الفوج الأول"، إنها أبلغت الأمم المتحدة بموافقتها على خطة المساعدات الإنسانية في حلب. وأكدت الفصائل في بيان لها أنها "ليست المستهدفة بالهجوم البربري على حلب، وإنما هم المدنيون ومستشفياتهم ومدارسهم ومنازلهم". يأتي ذلك فيما أعلن دي ميستورا أنه يخشى "فناء حلب" بحلول عيد الميلاد إذا تواصل القصف الحالي الذي "قد يدفع عشرات الآلاف إلى الفرار لتركيا وقد يقود إلى حرب عصابات مطولة في المناطق الريفية وتفجيرات بالسيارات المفخخة في المدن"، حسب تعبيره. وأضاف دي ميستورا في لقاء مع صحيفة ألمانية، أنه يصدق ما تردده روسيا من أنها لا تقصف أهدافاً في شرق حلب، "لكن موسكو لا تمنع القوات السورية من استهداف المستشفيات وأهداف أخرى في المدينة".

واعتبر أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد يواصل العمل حتى آخر يوم له في منصبه لإنهاء الحرب في سورية، قائلاً: "لن أحط أبداً من شأن رئيس أميركي منتهية ولايته وأصفه بالبطة العرجاء"، مضيفاً: "الرئيس أوباما ووزير الخارجية جون كيري متحمسان للغاية لإنهاء أسوأ مأساة إنسانية في هذا القرن اندلعت خلال وجودهما في المنصب. يتعلق الأمر بإرثهما". وقال إن الاجتماعات التي عقدها في دمشق في الآونة الأخيرة أظهرت أن النظام السوري تشجّع بتصريحات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية حول إنهاء الدعم للمعارضة السورية. وكانت الأمم المتحدة نفت الخميس شائعات حول استقالة دي ميستورا، مؤكدة في بيان أنه "يبقى ملتزماً تماماً بمهمته".

ومن حلب إلى محافظة إدلب، حيث شنت طائرات النظام غارات على الأحياء السكنية في مدينة خان شيخون في ريف إدلب، مما تسبب بجرح عدد من المدنيين. كما قصفت الطائرات بالصواريخ الفراغية أحياء سكنية في بلدة التمانعة بريف إدلب الجنوبي، بالتزامن مع قصف صاروخي ومدفعي على البلدة ومحيطها. كما قتلت سيدة وجرح أربعة مدنيين بقصف جوي روسي بالقنابل العنقودية على بلدة الزكايا في ريف إدلب الجنوبي. وأعلنت مديرية التربية والتعليم في محافظة إدلب بدء تنفيذ خطة الطوارئ لتحويل عدد كبير من المنازل إلى مدارس، وذلك بعد تزايد القصف على المحافظة بشكل عام، والاستهداف المنتظم للمدارس والمنشآت التعليمية ما أدى إلى توقف العملية التعليمية لمرات عدة.
وفي الشمال الشرقي للبلاد حيث ينتشر بضع مئات من أفراد القوات الأميركية الخاصة، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية مقتل جندي أميركي الخميس متأثراً بإصابته بعبوة ناسفة بدائية الصنع في منطقة عين عيسى في ريف الرقة. كما ارتفع إلى 6 بينهم 4 سيدات عدد القتلى الذين قضوا جراء قصف من طائرات حربية يرجح أنها تابعة للتحالف الدولي قرية الكلي بريف الرقة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ولأول مرة في دير الزور، قصف تنظيم "داعش" بالقنابل المحملة على طائرات من دون طيار الأحياء السكنية في حييّ الجورة والقصور الخاضعين لسيطرة قوات النظام في مدينة دير الزور، وتسبب القصف بجرح عدد من المدنيين نقلوا إلى المشفى العسكري بحي الجورة. فيما دارت اشتباكات بين مقاتلي "داعش" وقوات النظام على أطراف حييّ الصناعة والرشدية، بالتزامن مع قصف صاروخي من النظام على الحيين وعلى جسر السياسية ومنطقة حويجة صكر في ديرالزور. وفي جنوبي البلاد، قُتل شخصان بينهم طفلة، وأصيب آخرون جراء غارات جوية على مدينة دوما بالغوطة الشرقية. وقال ناشطون إن طائرات روسية شنت أكثر من 15 غارة جوية على الأحياء السكنية في المدينة بينما تجددت الاشتباكات بين قوات المعارضة وقوات النظام المدعومة بمليشيات أجنبية على أطراف جبهة الميدعاني.
وفي الغوطة الغربية، ينتظر نحو 1500 مقاتل ومدني بدء تنفيذ اتفاق الترحيل عن مخيم خان الشيح باتجاه مدينة إدلب، والذي وقّعت عليه فصائل المعارضة والنظام دون الإعلان رسمياً عن ذلك حتى الآن. وقال الناشط الإعلامي محمد أبو سالم المقيم في مخيم خان الشيح، لـ"العربي الجديد"، إن الاتفاق يتضمن تسليم السلاح المتوسط والثقيل، وخروج جميع المطلوبين من مسلحين أو إغاثيين وإعلاميين إلى إدلب بالسلاح الخفيف. وأضاف أنه بموجب الاتفاق يمكن لمن يرغب بالمصالحة أن يعود لقريته أو مدينته دون ملاحقة أمنية. كما يتضمن انسحاب الجيش من الغوطة الغربية من دون مداهمات وعودة مؤسسات النظام للعمل في الغوطة الغربية، و"كل من هو مطلوب للخدمة العسكرية يعطى مهلة ستة أشهر إما أن يسافر ويغادر المنطقة أو يلتحق بالجيش". وبشأن قضية الأسرى التي أعاقت توقيع الاتفاق، قال أبو سالم إنه جرى الاتفاق على تبادل الأسرى بعد توقيع الاتفاق. وأوضح أن الجميع سوف يغادرون إلى إدلب باستثناء من يرغب من سكان محافظة درعا بالعودة إلى محافظته. وفي محافظة درعا نفسها، قُتل ستة مقاتلين من الجيش الحر صباح أمس بعد هجوم مباغت لعناصر "جيش خالد بن الوليد" على حاجز عسكري قرب بلدة تسيل بريف درعا الغربي.