"الفيلق الخامس"... النظام السوري يكرّس تحوّل مؤسساته إلى مليشيا

"الفيلق الخامس"... النظام السوري يكرّس تحوّل مؤسساته إلى مليشيا

24 نوفمبر 2016
بات للفروع الأمنية التابعة للنظام مليشيات خاصة(جورج أورفليان/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن نحو ست سنوات من العنف المفرط الذي اعتمده النظام في قمع الشعب السوري، كانت كافية لتحويل "الجيش العربي السوري" إلى قوات تخدم مصالح النظام، أو بالأحرى إلى ما يصفه مراقبون بـ"مليشيات مسلحة". واستخدم النظام كل المقدرات السورية ومؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، معتمداً تارة على الإغراءات المادية ومنح الامتيازات، وتارة على العصب الطائفي وتقليب الطوائف والقوميات بعضها على بعض، بهدف المحافظة على السلطة.

"الجيش العربي السوري" و"القوات المسلحة" كانا قبل عام 2011، مكونين من 4 فيالق، الأول قيادته في دمشق، والثاني قيادته في منطقة الزبداني، والثالث قيادته في حلب، والرابع قيادته في حماة. وهناك ثماني فرق مدرعة هي: الأولى والثانية والثالثة والخامسة والسادسة والثامنة والتاسعة والحادية عشرة، وثلاث فرق مؤللة، وهي الرابعة والسابعة والعاشرة. وهناك ثلاث فرق قوات خاصة مدرعة هي: الفرقة 14 والفرقة 15 والفرقة 17، منها 3 أفواج قوات خاصة و10 أفواج مستقلة، إضافة إلى أربعة ألوية مشاة مستقلة لا تتبع للفرق: لواءا مدفعية مستقلة، ولواءا مضادات دروع مستقلة، وثلاثة ألوية صواريخ أرض - أرض في كل منها ثلاث كتائب. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء لواء دفاع بحري، صواريخ أرض - بحر، ولواء حرس حدود، وفرقة حرس جمهوري مكونة من فوج مدفعية، ولواء مؤلل، و3 ألوية مدرعة، في حين (كان) يتراوح عدد المقاتلين فيها بين 150 و200 ألف متطوع، وبين 200 و250 ألف مجند إلزامي، بحسب تقارير إعلامية.

وقال ضابط متقاعد من دمشق، طلب عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الجيش العربي السوري، انتهى منذ تسلم (حزب) البعث السلطة، إذ تم تطهير الجيش من كل العناصر الوطنية، لتأتي صراعات (الحزب) الداخلية وتقضي حتى على الضباط البعثيين الشرفاء". وأضاف أن "المعيار الوحيد لدخول الجيش والترفيع أصبح هو الولاء الأعمى للنظام ورأسه، الذي فتح أبواب الكليات العسكرية للانتهازيين والوصوليين، وعديمي الثقافة والإمكانات، والذين سرعان ما تسلموا المراكز القيادية وكانت المزاودة والانبطاح أمام القيادات العليا"، وفق تأكيده. وتابع: "حتى الرئيس الراحل، حافظ الأسد، كانت عينه دائماً على الجيش، وهو صاحب تجربة كبيرة في الانقلابات العسكرية، إذ قام ببناء هيكلية متشعبة للجيش، وأطلق يد القوى الأمنية فيه، خاصةَ شعبة الاستخبارات العسكرية المعروفة بالأمن العسكري التابع شكلياً لوزارة الدفاع وعملياً للقصر الجمهوري". وأشار إلى أنه تم تشكيل "الأمن القومي، الذي يدعى اليوم الأمن الوطني، وهو مسؤول عن التنسيق بين الأجهزة الأمنية ويضم غرفة الاتصالات المركزية لكل الفروع. وأصبح له مندوب رسمي من أصغر تشكيل عسكري إلى أكبر تشكيل، إضافة إلى التقارير المرفوعة من عناصر وضباط تريد إثبات ولائها أو النيل من بعضها البعض". وذكر أن هذا الأمر "جعل عناصر الجيش واشين للقوى الأمنية، وكان الكثير من الضباط يتم استدعاؤهم للتحقيق وتلقيهم عقوبات لمجرد كلمة، الأمر الذي جعل قائد التشكيل العسكري لا يستطيع تحريك أكثر من حاجبه وسائقه، وهذا السبب الرئيسي يتمثل في أن الانشقاقات عن القوات النظامية كانت شخصية وليست كتائب أو ألوية"، بحسب ما ذكر الضابط المتقاعد.

وبيّن المصدر نفسه أن "النظام خسر الكثير من عناصر الجيش" لسببين: الأول يتمثل في الانشقاقات، وهنا لفت الضابط المتقاعد إلى أن ذلك "لم يكن فقط بدافع الالتحاق بالعمل العسكري المعارض، بل هناك الكثير من شباب المناطق التي لا تزال تخضع للنظام، انشقوا بسبب انعدام الثقة بقادتهم جراء انتشار الفساد وسوء المعاملة وعدم القدرة على إدارة المعارك"، بحسب قوله. والسبب الثاني يتمثل في "انخفاض الرواتب والتعويضات المادية التي لم تعد تتناسب مع الغلاء الفاحش للمعيشة"، لافتاً إلى أن معلومات وصلته تفيد بأن "عدد القوات النظامية هو دون 75 ألف مقاتل بين ضباط وصف ضباط ومجندين، أي أقل من ربع الجيش سابقاً".


واستدرك قائلاً إنه "في السابق، كان النظام يعلم أن الفساد يعم الجيش، ولكن كان يعتبره متنفساً مادياً لمواليه، فهو يعلم أن الكثير من المجندين كانوا يدفعون رشوة كبيرة لتحديد فرزهم على القطع العسكرية، ومنهم من يدفع للحصول على إجازة أو لباس عسكري جديد، أو أن يدفع مقابل أن يقضي خدمته في منزله، إضافة إلى سرقة المواد الغذائية".

وذكر مصدر عسكري مطلع، طلب عدم الكشف عن هويته، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام وفي بداية التظاهرات عام 2011، وبمحاولة منه لقمعها، اعتمد على القوى الأمنية وبعض التشكيلات العسكرية الموثوقة بالنسبة له، مثل الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، إضافة إلى الحرس الجمهوري، والذين عمدوا إلى تشكيل مجموعات من المدنيين سرعان ما زودت بأسلحة ليظهر المشهد أنه صدامات بين مؤيدين للدولة ومخربين". وأشار إلى أن "هذه العناصر نالت امتيازات عديدة، أهمها أنها أصبحت فوق القانون، ومن ثم وبالتزامن مع تزايد الانشقاقات، بدأت تنتظم في إطار مليشيات (موالية للنظام) أطلق عليها اللجان الشعبية ومن ثم قوات الدفاع الوطني، والتي يتم تأمين نفقاتها من خلال تمويل إيراني، إضافة إلى ما يعرف بالتعفيش، أي سرقة المناطق المناهضة للنظام". وتابع أن "هذه المجموعات تعددت وتنوعت، على صعيد الأسماء والانتماءات، منها ما هو محلي يتبع لجهات أو أشخاص، أو إقليمية كحزب الله اللبناني والمجموعات العراقية والإيرانية والأفغانية وغيرها". وأكد أنه "سرعان ما تحولت هذه المجموعات إلى القوى الفاعلة بيد مموليها وليكون النظام واجهتها، إلى أن وصل الأمر بما تبقى من قوات الجيش، أي القوات النظامية، لتكون شريكاً لهذه المليشيات في العمليات العسكرية وفي كثير من الأحيان مجرد مجموعات تثبّت النقاط التي تسيطر عليها المليشيات، ما جعل الأخيرة تنظر للجيش بندية إن لم يكن أقل من ذلك بكثير، بسبب الفساد بداخله، والذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، انتقدها بشدة حلفاؤه الإيرانيون والروس".

واعتبر المصدر نفسه أن "النظام لا يترك سبيلاً لجمع المقاتلين فهو لا يكاد ينتهي من مرسوم عفو عن المتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية والمنشقين عنها، حتى يصدر عفواً جديداً، كما أنه يدفع بمختلف الشخصيات والقوى لتشكيل مجموعات مقاتلة، ككتائب البعث التابعة للحزب الحاكم، وقوات الزوبعة التابعة للحزب السوري القومي الاجتماعي، وجيش العشائر التابع لبعض مشايخ العشائر، وغيرها من مئات المجموعات المذهبية والعائلية، إضافة إلى المؤسسة العسكرية". وفي هذا السياق، أكد أنه "أصبحت للفروع الأمنية مليشيات خاصة، وللقوات النظامية أيضاً، إذ تم تشكيل العديد من الجماعات، مثل ألوية التطوع، القائمة على تجنيد الموظفين في مؤسسات الدولة في مجموعات لدعم قواتها، فضلاً عما أعلن عنه أخيراً تحت اسم الفيلق الخامس - اقتحام". ولفت إلى أن النظام "أصبح يطلق أسماء كبيرة على هذه التشكيلات كنوع من التضخيم الإعلامي والدعم المعنوي لجمهوره، كإطلاق تسمية لواء على مجموعة تعداد أفرادها لا يصل إلى عدد تشكيل كتيبة، علماً أن اللواء يتكون من عدة كتائب"، بحسب المصدر.

ويندرج في هذا السياق إعلان القوات النظامية، يوم الثلاثاء الماضي، عن تشكيل "الفيلق الخامس - اقتحام". ويضم مجموعة فرق وألوية وكتائب، ضمنها مختلف الاختصاصات العسكرية، من المشاة والمدرعات والصواريخ وغيرها. واعتبر المصدر أن "تشكيل الفيلق الخامس اقتحام، بحسب الإعلان الرسمي عنه، يؤكد أن النظام يحاول تشكيل مليشيات جديدة تعتمد على المدنيين والعسكريين السابقين مقابل عقود سنوية، إضافة إلى احتفاظ الموظفين بميزاتهم وترفيعاتهم ورواتبهم"، وفق تأكيده. وذكر أن "النظام يحاول، على ما يبدو، استثمار جيش من البطالة المقنعة، التي أنهك بها طوال عقود مضت مؤسسات الدولة، في معركته التي لا يدري كيف ينهيها، في وقت يطالبه حلفاؤه وخاصة الروس، بمزيد من المقاتلين لدعم العمليات على الأرض". وبحسب المصدر العسكري نفسه، بات يخشى البعض من أن يشن النظام "حملات اعتقال كبيرة في مناطق سيطرته، لا سيما في اللاذقية وطرطوس والسويداء، والتي يقدر عدد الممتنعين عن الخدمة العسكرية فيها بعشرات الآلاف". وأكد أن النظام يخشى من وقوع "صدامات مسلحة مع الأهالي، ما قد يفقده ما تبقى من مناطق تحت سيطرته، إضافة إلى أن عمليات الاعتقال وإجبار الشباب على الالتحاق بالجبهات أثبتت فشلها، إذ إن الكثيرين ممن أجبروا على الخدمة فروا منها في أول فرصة لهم".

في المحصلة، قال معارض في دمشق لـ"العربي الجديد": "اليوم نحن نعيش أخطر مرحلة في الصراع مع النظام، فبعد السنوات الطويلة من الصراع والتي بدأت بتخلي النظام عن مفهوم الدولة وتحوله إلى سلطة حاكمة فجة، تحول اليوم إلى مليشيات على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهذا يظهر جلياً بغياب إحساس السوريين بالدولة في مناطق النظام، وانتشار إمارات المليشيات الموالية، وغياب هيبة القانون". وأضاف أن "كل ذلك يشير إلى انفلات النظام من كل المعايير والضوابط، لتحقيق هدف واحد وهو البقاء في السلطة"، محذراً من أن "النظام قد ينقلب على حلفائه إذ ما تضاربت مصالحه وشعر بتهديد حقيقي لوجوده".

المساهمون