تمديد العقوبات الأميركية يقلق إيران ويهدد الاتفاق النووي

تمديد العقوبات الأميركية يقلق إيران ويهدد الاتفاق النووي

16 نوفمبر 2016
من الاحتفالات الإيرانية بالاتفاق النووي العام الماضي (Getty)
+ الخط -

لم تبدِ إيران على لسان مسؤوليها تفاؤلاً كبيراً من سياسات الولايات المتحدة تجاهها، منذ التوصل للاتفاق النووي مع السداسية الدولية العام الماضي، بل اشتكت حتى من عدم تطبيق واشنطن بند "إلغاء العقوبات" التي فرضت عليها بموجب الاتفاق، لكنها رفعت السقف أيضاً في ما يتعلق بقرارات عقوبات أميركية أخرى لا ترتبط بالنووي. ذلك لأن الإبقاء عليها يعني المخاطرة باستمرار الاتفاق، وأيضاً لأن العقوبات تصبّ في صالح منتقديه في الداخل.

بدأ ذلك حين وافق مجلس النواب الأميركي، أخيراً وبالغالبية، على تمديد قانون عقوبات فُرضت على إيران في عام 1996، لعشر سنوات إضافية، بالتزامن والتصويت على قانونٍ ثانٍ، يفرض عقوبات على الأطراف التي تساعد النظام السوري، في إشارة لروسيا وإيران. ومن هاتين النقطتين ارتفعت أصوات بعض المسؤولين في الداخل، ممّن توقعوا سابقاً تمديد قرار العقوبات هذا، ملوّحين بأن في الأمر تمهيد لخرق الاتفاق وهو ما يعني الإطاحة به.

هذا القانون معروف باسم "داماتو"، نسبة للسيناتور الجمهوري ألفونس داماتو، الذي اقترحه قبل عشرين عاماً ووقّعه الرئيس السابق بيل كلينتون، وهو الذي يفرض عقوبات على الشركات التي تستثمر في قطاع الطاقة الإيرانية، وتفتح باب التجارة مع هذا البلد بمعدلات تفوق الأربعين مليار دولار. وهو ما يجعل طهران مهتمة بالأمر وتنظر إليه عن كثب، ففي حال صوّت مجلس الشيوخ على تمديد داماتو، من بعد موافقة النواب، ورفعه بعد ذلك للرئيس الأميركي، فهذا يعني أن الاستثمارات الإيرانية مع الأجانب ستبقى معرّضة للخطر. وهي التي كانت تنتظر جنيها بفارغ الصبر منذ أن دخل اتفاقها حيز التنفيذ العملي مطلع العام الحالي.

من هذا الباب، اعتبر بعض المسؤولين الإيرانيين أن استمرار هذه السياسات الأميركية من شأنه الإطاحة بالاتفاق النووي، مع أن الأمر لا يمت للنووي بصلة، فالاتفاق يسمح بإلغاء قرارات العقوبات الأممية الأربعة، التي فُرضت على البلاد سابقاً إثر نشاطاتها النووية، كما يسمح بإلغاء عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والتي فرضت لذات السبب وحسب، ولكنه لا يلغي القرارات الثانية.

قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن صدرت في الأعوام 2006، و2007، و2008، و2010، واستهدفت البرنامج النووي والتسليحي الإيراني بشكل خاص. وفرضت حظراً على أصول شركات وأفراد، وتزامن بعضها مع عقوبات أوروبية منعت الاستثمار والتجارة وعرقلت اتصال النظام المالي الإيراني بذاك الدولي. وهذه هي القرارات التي ركّزت عليها طهران خلال مفاوضاتها النووية.

لكن مسلسل العقوبات الأميركية، بدأ مع الثورة الإسلامية عام 1979، ففُرض الحظر الأول عقب اقتحام السفارة الأميركية في طهران ومصادرة ما فيها من وثائق واحتجاز من فيها كرهائن. ومُنع دخول الصادرات الإيرانية الكبرى للأراضي الأميركية، وجُمّدت أصول البلاد فيها، وتتالت القرارات المشابهة في أعوام لاحقة، ومنها ما استهدف المصارف والشركات النفطية والبتروكيماوية، وشخصيات من الحرس الثوري ومحسوبين على الحكومة. وتم التصويت على تمديد قانون "داماتو" مرة في السابق في عام 2006، لكن توقعات البعض في الداخل الإيراني بعدم تمديده مجدداً باتت صعبة قليلاً، بعد تصويت مجلس النواب الأميركي.

من جهته، رأى رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى، علي شمخاني، أن "تمديد العقوبات حصل بالتزامن ووجود أجواء وظروف إيجابية هي التي هيأها الاتفاق النووي، وهو ما يعني احتمال ضربه والإطاحة به مستقبلاً"، على حد تعبيره.

ووجّه شمخاني تحذيراً مباشراً لواشنطن، التي ما زالت تعرقل اتصالات المصارف الإيرانية بالأوروبية، وتمنع تطبيق إلغاء الحظر المالي عن البلاد بموجب الاتفاق ذاته بحسب مسؤوليها. وقال في هذا الصدد، إن "أي نقض واضح لبنود الاتفاق من قبل أي طرف، سيواجه بخطوات وردود فعل عملية إيرانية"، مؤكداً تجهيز سيناريوهات وصفها بـ"الفنية والتقنية للردّ سريعاً على نقض الاتفاق". وذلك في إشارة منه لاحتمال استئناف النشاط النووي، في حال قررت أميركا التصعيد على محاور أخرى.

من ناحيته، أعلن المستشار العسكري للمرشد، يحيى صفوي، أن "الإطاحة بالاتفاق ستعود بخسارة على الولايات المتحدة بالدرجة الأولى"، واصفاً الأمر بأنه "سيكون خطأً استراتيجياً". وأضاف بحسب وكالة "فارس"، أن "دور المستشارين العسكريين الإيرانيين في كل من سورية والعراق هام"، واعتبر أن اتحاد إيران مع روسيا وحزب الله "خطوة استراتيجية غيّرت المعادلات الميدانية في سورية عموماً، وفي حلب خصوصاً"، في إشارة منه إلى أن "السياسات الإيرانية لن تتغيّر حتى بفرض عقوبات أميركية جديدة على داعمي النظام السوري".




في السياق عينه، قال وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، أمس الأربعاء، إن "أي نقض للاتفاق النووي من قبل الولايات المتحدة سينعكس سلباً على هذا البلد بالدرجة الأولى"، معتبراً أن "هذه الخطوة ستدلّ على جهل وعدم عقلانية واشنطن". كما أوصى دهقان الولايات المتحدة بـ"عدم اتخاذ خطوة من هذا النوع، لأنها ستجعلها تسقط أمام المجتمع الدولي برمته".

ويبدو من كل هذه التصريحات، أن طهران متمسكة بشكل جيد باتفاقها، الذي سمح لها بالتنفس قليلاً بعد سنوات من فرض عقوبات جماعية اقتصادية أثقلت كاهل مواطنيها بسبب النووي بالذات. ويدرك مسؤولوها أن تمديد قانون العقوبات الأميركية مجدداً لا يعني قانونياً أنه ضرب للاتفاق بعينه، ولكنه قد يهيئ الأجواء بالفعل لحصول ذلك. لكن التخوّف يبدو واضحاً مما سيسببه هذا الأمر من جهة، ومن الخطوات الأميركية العتيدة من جهة ثانية، رغم أن كثر ما زالوا يستبعدون الإطاحة بالاتفاق.

أما الطرف الآخر من المعادلة، فهو الذي يجعل هذا الأمر يصبّ لصالح منتقدي حكومة الاعتدال والاتفاق أيضاً، فقد قال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني حسين نقوي حسيني، أمس، إن "تمديد قانون العقوبات يثبت للواثقين بالولايات المتحدة، أن توقعاتهم إيجابية للغاية". ودعا الحكومة الإيرانية إلى "التصرّف بحزم مع هذا البلد الذي لا يحترم العهود".

كما خرج المرشد علي خامنئي بعد هذا، مصدراً تصريحات تبدي عدم اهتمامه بما ستحمله الولايات المتحدة، بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً. واعتبر أن "كل الخيارات للرئاسة الأميركية كانت سيئة"، مشدّداً على أن لا "رأي خاصاً له حول نتائجها، فقد جربت إيران رئاسة الجمهوريين والديمقراطيين وكلهم حملوا لطهران الشر". كما أكد أن "بلاده تفكر بكيفية تخطيها لكل المشاكل والعراقيل المحتملة"، داعياً بعض الأطراف لـ"عدم التفاؤل من سياسات واشنطن".

وسترفع هذه الورقة أصوات المحافظين المتشددين أكثر في الداخل الإيراني، لكونهم بدأوا بانتقاد الاتفاق، تحديداً مع عدم حصد كافة نتائجه عملياً من جهة، ومع استمرار سياسات الحظر الأميركية من جهة أخرى. وهي الورقة التي قد تُشكّل تحدياً للرئيس حسن روحاني، في حال طرح منافسوه مرشحاً قوياً ليقف بوجهه في الاستحقاق الرئاسي المرتقب في مايو/أيار المقبل.

المساهمون