حرب الاحتلال على الأذان... هل تطاول الأقصى والإبراهيمي؟

حرب الاحتلال على الأذان... هل تطاول الأقصى والإبراهيمي؟

15 نوفمبر 2016
يعتبر الإسرائيليون أن "الأذان يزعجهم" (محمود عليان/Getty)
+ الخط -
تحاول السلطات الإسرائيلية منع الأذان في المساجد الفلسطينية بحجة أنها تثير الضجة، وسط قلق وغضب فلسطيني من مصادقة ما يسمى باللجنة الوزارية لشؤون التشريع في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان)، على ما بات يُعرف بـ"قانون المؤذن" يوم الأحد. وذلك في ظلّ تحذيرات أطلقها مسؤولون في الوقف الإسلامي في القدس المحتلة، من عواقب إقرار هذا التشريع ومحاولة تنفيذه واقعاً على الأرض.

ينصّ مشروع القانون على "منع استخدام مكبرات الصوت لبث رسائل دينية أو وطنية أو بهدف مناداة المصلين للصلاة". وقد سبقت هذه المصادقة تصريحات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، في مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية الأسبوعية، يوم الأحد، الذي أبدى فيها دعماً منقطع النظير لهذا القانون، واصفاً الأذان بـ"الضجة". وقد أدانت الأحزاب العربية في الكنيست تلك التصريحات ووصفتها بـ"العنصرية".

كما حظيت المصادقة بترحيب كبير وواسع من المستوطنين وجماعات التطرف اليهودية، التي مارست ضغوطاً شديدة على الحكومة الإسرائيلية للمصادقة عليه. مع العلم أن مدينة القدس شهدت، على مدى الأسبوع الماضي، تظاهرات يمينية في المستوطنات المحيطة بالبلدة القديمة من القدس، مطالبة رئيس بلدية الاحتلال، نير بركات، بممارسة صلاحياته، والطلب من شرطة الاحتلال منع الأذان في مساجد بقرى وبلدات فلسطينية متاخمة لمستوطناتهم ملاحقة المؤذنين، تحديداً في مساجد مخيم شعفاط والعيسوية. وذهبوا أبعد من ذلك، حين تطاولوا على الدين الإسلامي، ووصفوا الأذان بـ"المكرهة الصحية"، وأن "صوته في ساعات الفجر والمساء يثير الفزع والرعب في نفوسهم ونفوس أطفالهم".

ومقدم مشروع القانون الجديد، هو عضو الكنيست عن حزب البيت اليهودي موتي يوغاف، الذي حظي بتأييد واسع من قبل وزراء حزبه، وحزب الليكود أكبر الأحزاب الإسرائيلية، مشيراً في مشروعه إلى ما سماه "معاناة الإسرائيليين بشكل يومي من الضجيج الناجم عن صوت الأذان المنطلق من المساجد".

ورداً على يوغاف، يقول مقدسيون يقطنون قرب البؤر الاستيطانية، إن "الاحتفالات الصاخبة والقرع على الطبول والأغاني والرقصات التي يؤديها المستوطنون فجراً، مستخدمين مكبرات الصوت هي الإزعاج الحقيقي للسكان، وهي المكرهة الصحية والضجة الكبيرة التي تقض مضاجعهم، وليس صوت الأذان، أو تلاوة القرآن".



التشريع الإسرائيلي الجديد، يصفه رئيس الهيئة الإسلامية العليا، الشيخ عكرمة صبري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إنه "من أسوأ التشريعات العنصرية"، مؤكداً أن "هدم المنازل واغتصاب أراضي المقدسيين ومصادرة عقاراتهم، والتنكيل بأطفالهم هو المكرهة الإنسانية".

ويؤكد صبري أن "أهل الرباط في القدس والمسلمين قاطبة في فلسطين سيقاومونه وسيظل الأذان مرفوعاً، يصم أذان كارهيه من العنصريين الفاشيين، ولأنه شعيرة من شعائر الإسلام، ارتبطت بهذا الدين قبل أكثر من 1400 عام".

بدوره، يعتبر المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسين، مشروع القرار، إنه "جزء من الحرب الإسرائيلية المعلنة ضد المسجد الأقصى، في محاولة لفرض السيطرة عليه". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القرار أقل ما يمكن وصفه بالعنصري والاستبدادي، وينتهك حرية العبادة، ليضاف إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم".

من جهته، يطالب مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، بـ"القيام بدور ضاغط على الاحتلال لوقف هذا التدهور الخطير في المسجد الأقصى، وانتقاله لاستهداف مساجد القدس كافة من خلال التعرض للمؤذنين، ومحاولات منع رفع الأذان استجابة لضغوط المستوطنين". ويحذّر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، من "تداعيات هذه الخطوة التي يجب على الاحتلال تحمل تبعاتها".

بيد أن الإجراء الإسرائيلي المتعلق بالأذان، تجاوز ذلك إلى ممارسات لشرطة الاحتلال الأسبوع الماضي، ضد تجار المدينة المقدسة، عبر إخطار التجار في البلدة القديمة من القدس بعدم بث قراءات من القرآن وحتى الأغاني، من أجهزة التسجيل في محلاتهم تحت طائلة العقوبة والمساءلة القانونية. وذلك بداعي أنها "تسبب الإزعاج لزوار المدينة المقدسة وللمستوطنين، وطالبوهم بخفض صوت آلات التسجيل"، حسبما يروي أحد تجار شارع الواد في البلدة القديمة، نادر الزغير لـ"العربي الجديد"، الذي يكشف عن "تلقي التجار تهديدات بإغلاق كل محل لا يستجيب لتعليمات بلدية الاحتلال بهذا الشأن".

ويصف مسؤولون مقدسيون هذه الإجراءات أنها وسائل ضغط جديدة تمارس على المواطنين المقدسيين تستهدف الوجود الفلسطيني في القدس، كما يقول مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، لـ"العربي الجديد".



ويضيف الحموري أن "هذا الوضع خطير جداً، ومن غير المسموح أن يمر العالم عليه مرور الكرام، حتى لا تنفجر الأوضاع، وأن تدرك الإدارة الأميركية الجديدة أن دعمها غير المحدود لإسرائيل سيتسبب بكارثة للجميع، عليها تداركها قبل وقوعها". أما أمين سر حركة فتح - إقليم القدس، عدنان غيث، فيلفت إلى أن "المقدسيين سيفشلون هذا القرار الإسرائيلي كما أفشلوا غيره من مخططات الاحتلال". من جهته، يذكر المتحدث باسم حركة فتح في مخيم شعفاط شمال القدس، ثائر الفسفوس، لـ"العربي الجديد"، أن "المواطنين هنا عازمون على مقاومة هذا الإجراء والمصلون سيتصدون لأي خطة من هذا القبيل".

هذه المصادقة لمشروع قد يمنع الأذان، لا فقط في القدس، بل في مناطق بالضفة الغربية، ومنها المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية. وهناك تستغل سلطات الاحتلال سيطرتها الكاملة على المسجد لجس نبض المسلمين ولتطبيق قرارات وإجراءات، تمهيداً لتنفيذها على المسجد الأقصى، لما للمسجد الإبراهيمي من أهمية ومكانة لدى المسلمين، كما يشير مدير الأوقاف في مدينة الخليل إسماعيل أبو الحلاوة في حديث لـ"العربي الجديد".

يضيف أبو الحلاوة، أن "المسجد الإبراهيمي يستخدم كنموذج للمسجد الأقصى، ومنع الأذان طُبّق بالفعل، لأن المسجد الإبراهيمي يقبع تحت قوة السلاح ويمنع فيه الأذان لأوقات طويلة، وهذا ما سيجري في المسجد الأقصى كذلك". وينوّه إلى أن "سلطات الاحتلال سبق أن ضمّت المسجد الإبراهيمي ضمن قائمة التراث اليهودي، وقسّمته زمانياً ومكانياً، وقسّمته أيضاً ضمن الفئات العمرية، وطوّقته بأكثر من 17 نقطة عسكرية على كافة البوابات المؤدية إليه. وهذا كله تم التخطيط له وتنفيذه على مدار السنوات الماضية منذ ارتكاب مجزرة الحرم عام 1994، وهذا ما تنوي تنفيذه في الأُقصى". ويضيف أن "60 في المائة من غرفة الأذان في المسجد الإبراهيمي تسيطر عليها سلطات الاحتلال، ما يمنع الأذان تحت أعقاب البنادق".

ووفقاً لأبو الحلاوة، فقد "تمّ منع الأذان في المسجد الإبراهيمي، العام الماضي، 645 مرة، و86 مرة، الشهر الماضي، بحجة أنه يشكل إزعاجاً للمستوطنين الذين يحتفلون بسلسة من الأعياد اليهودية والطقوس الدينية في المسجد الإبراهيمي، والبلدة القديمة من الخليل التي تعاني من التهويد والإجراءات العسكرية الإسرائيلية".

الأذان مكفول تحت حرية العبادة الدينية التي تنص عليها القوانين والمعاهدات الدولية، أما في فلسطين، تحديداً في المسجد الإبراهيمي، فيُمنع الأذان بشكل كامل وعلى مدار العام كل يوم سبت وكل مساء الجمعة، بحجة "إزعاج المستوطنين".

وتمنع سلطات الاحتلال، أذان المغرب في المسجد الإبراهيمي، يومياً، كما يُمنع الأذان بشكل كامل عشرة أيام في السنة، تزامناً مع الأعياد اليهودية، التي يُمنع فيها المصلون من دخول المسجد الإبراهيمي، وتؤمّن فيه عمليات الاقتحامات والصلوات التلمودية في مسجد المسلمين.


المساهمون