150 عاماً على تأسيس البرلمان المصري: جردة حساب ومقارنات

150 عاماً على تأسيس البرلمان المصري: جردة حساب ومقارنات

08 أكتوبر 2016
ارتكب المجلس النيابي الحالي عدة انتهاكات (الأناضول)
+ الخط -
يحتفل البرلمان المصري يومي السبت والأحد في مدينة شرم الشيخ بمرور مائة وخمسين عاماً على إنشائه. أحد أقدم البرلمانات في المنطقة ظل تاريخياً أسير السلطة التنفيذية ورأس الدولة، حتى وصل الأمر به إلى درجة غير مسبوقة لناحية انعدام الفعالية والفساد، وإلى حد صار البرلمان مرادفاً، في مناسبات عديدة، لكل أوصاف الكسل والارتهان للحاكم والهامشية في المهام التي كان يفترض أن تكون مركزية في أي مسار ديمقراطي في العالم. ضعف البرلمان الحالي، المولود من رحم انقلاب 2013، تحاول السلطة التغطية عليه بشكل يستفزّ المصريين نظراً للبذخ الذي يرافق احتفالات شرم الشيخ بمشاركة 19 رئيساً لبرلمانات عربية ودولية، أبرزها: الأردن والعراق وتونس والكويت والسودان وجيبوتي وموريتانيا وساحل العاج وكينيا وناميبيا وتوغو وغامبيا وقبرص. ويتضمن الاحتفال كلمات لرئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس مجلس النواب المصري، علي عبد العال، ورئيس البرلمان العربي، أحمد بن محمد الجروان، ورئيس البرلمان الأفريقي، روجيه نكودو دانغ، وسكرتير عام الاتحاد البرلماني الدولي، مارتن شانغونغ.

ويشارك جميع نواب البرلمان المصري مع المدعوين بحفل عشاء، يعقبه حفل فني تنظمه دار "الأوبرا" المصرية، على أن يفتتح السيسي الجلسة المشتركة للبرلمانين العربي والأفريقي في 10 أكتوبر/تشرين الأول، والتي ستنعقد على مدى يومين، وسيعقبها اجتماعات البرلمان الأفريقي في الفترة الممتدة من 11 إلى 21 أكتوبر الجاري.

وفي وقت تعصف فيه الأزمة الاقتصادية بالبلاد، يسافر 595 نائباً، ونحو 150 من موظفي البرلمان والصحافيين إلى المدينة السياحية، لحضور الاحتفال الذي يحضره أعضاء حكومة شريف إسماعيل بالكامل. والموازنة المخصصة لإحياء ذكرى تأسيس البرلمان المصري بلغت 25 مليون جنيه (قرابة ثلاثة ملايين دولار أميركي) وفق مصدر مطلع بأمانة المجلس النيابي. وتحمّل البرلمان من موازنته المخصصة من الدولة، قيمة تذاكر الطيران لجميع النواب والمرافقين على الدرجة الأولى، والإقامة لعدة ليال بعدد من الفنادق (تصنيف 5 نجوم)، فضلاً عن كلفة العشاء لأكثر من ألف شخص من المدعوين، وذلك على الرغم من دعوات التقشف التي يطالب بها نظام السيسي الشعب المصري عبر وسائل الإعلام.

والجدير بالذكر أن الموقع الرسمي لمجلس النواب حذف، من قائمة رؤساء البرلمان المصري، اسم وصورة الرئيس السابق لمجلس الشعب بعهد جماعة الإخوان المسلمين، سعد الكتاتني، المسجون حالياً على ذمة قضايا تتعلق بالتحريض على التظاهر، وإهانة السلطة القضائية، كما استبعده من الفيلم الوثائقي الذي سيعرض على الضيوف خلال احتفال شرم الشيخ.


وتجاهلت أمانة البرلمان دعوة عدد من الرؤساء السابقين للمجلس النيابي للمشاركة في الاحتفال، لاعتبارات سياسية، وأبرزهم: رئيس مجلس الشعب الأسبق، أستاذ القانون أحمد فتحي سرور، الذي تقلد المنصب منذ عام 1990 إلى أن تم حل البرلمان في 2011 عقب اندلاع الثورة. كما تم تجاهل رئيس مجلس الشورى الأسبق، صفوت الشريف، الذي شغل المنصب في الفترة ما بين 2001 و2011، وكان يشغل منصب الأمين العام لحزب الوطني المنحل، ورئيس مجلس الشورى السابق، أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، أحمد فهمي، الذي توارى عن الأنظار بمسكنه الكائن بمحافظة الشرقية عقب حل العسكر للبرلمان المنتخب، دون القبض عليه.

وظهر في التقرير الختامي لمجلس النواب لدور انعقاده الأول، عدم تسجيل 58 نائباً لأي كلمات باستثناء حلف اليمين في بداية دور الانعقاد، ما وضعهم في القائمة التي أُطلق عليها إعلامياً "أبو الهول"، إشارة إلى اكتفائهم بدور المتفرج، على الرغم من عقد البرلمان لـ94 جلسة عامة، بواقع 266 ساعة عمل.

وارتكب المجلس الحالي انتهاكات عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: عدم إصدار قانون للعدالة الانتقالية، وتمديد الطوارئ بشمال سيناء لثماني مرات متعاقبة (24 شهراً)، وفض دور الانعقاد قبل مرور تسعة أشهر (على الأقل)، وتوقيع اتفاق قرض صندوق النقد الدولي دون موافقة البرلمان، وزيادة معاشات العسكريين للمرة السابعة، بحد أقصى 500 جنيه، على الرغم من اقتصار الحد الأقصى للمدنيين على 323 جنيها.

وأحال رئيس البرلمان عضو لجنة حقوق الإنسان، النائب إلهامي عجينة، إلى التحقيق أمام هيئة مكتب المجلس، تمهيداً لإحالته إلى لجنة القيم، لتوقيع العقوبة المناسبة بشأن ما نسب إليه من تصريحات مسيئة للمرأة، على خلفية دعوته لتوقيع الكشف الطبي على الطالبات داخل الجامعات بشكل دوري كل عام "للتأكد من عذريتهن"، بدعوى مواجهة ظاهرة الزواج العرفي المنتشرة في مصر.

وما بين الاستقالة والوفاة وإسقاط العضوية والاستبعاد القضائي، رحل ستة نواب عن برلمان السيسي في دور انعقاده الأول. فالنائب المُعين سري صيام، الذي تقدم باستقالته بعد أيام قليلة من انعقاد المجلس في يناير/كانون الثاني الماضي، على خلفية شعوره بالتهميش من جانب رئيس المجلس، الذي عمد إلى عدم اختياره ضمن النواب الخبراء للإسهام في إعداد مشروع اللائحة الجديدة.

وعقب إخفاقه في الفوز بمنصب رئيس المجلس، تحول الإعلامي، توفيق عكاشة، من أبرز المؤيدين للنظام الحالي إلى أحد معارضيه. وما إن هاجم السيسي عبر برنامجه التلفزيوني، صدرت الأوامر من مدير مكتب السيسي، اللواء عباس كامل، بإسقاط عضويته النيابية استناداً إلى استقباله السفير الإسرائيلي في منزله، وإغلاق قناته الفضائية، ومنعه من السفر للخارج.
وبعدما أدى دوره كمنسق عام للقوائم الفائزة بالانتخابات السابقة، تحت إشراف الأجهزة الأمنية، توفي لواء الاستخبارات، سامح سيف اليزل، في إبريل/نيسان الماضي، بعد صراع مع مرض السرطان، ليخلفه في مقعده النيابي رئيس ائتلاف الأغلبية (دعم مصر)، رجل الأعمال، محمد زكي السويدي. كما رحل عضو الائتلاف، محمد مصطفى الخولي، بعد تعرضه لأزمة قلبية مفاجئة، وفازت زوجته، عبير سليمان، بمقعده بعدما خاضت الانتخابات التكميلية. وتوفي النائب سيد فراج (من حزب الحركة الوطنية)، بعد إصابته بمرض السرطان، وحل محله القيادي السابق بالحزب الوطني المنحل، حسين أبو جاد.

ويحلو لكثيرين في مصر، إجراء مقارنة بين أداء برلمان ما بعد انقلاب 2013، وتجارب سابقة يصدف أن أحد رموزها كان الرئيس، محمد مرسي. فقد نال مرسي لقب أفضل برلماني بدورة عام 2000، على خلفية استجوابه الشهير عن حوادث القطارات المتكررة، والإهمال الجسيم الذي ضرب القطاع الحيوي، في أعقاب احتراق قطار الصعيد الآتي من القاهرة إلى أسوان في فبراير/شباط 2002، فيما دوت قاعة مجلس الشعب بالتصفيق عقب إلقاء كلمته من نواب الأغلبية والمعارضة على حد سواء. وطالب مرسي، آنذاك، بمحاكمة رئيس الوزراء، عاطف عبيد، بعدما اتهم حكومته بالتقصير، والتسبب في وفاة أكثر من 350 من المواطنين نتيجة الإهمال. وتضامن معه عدد واسع من النواب، لا سيما ممثلي محافظات الصعيد الذين أعلنوا تأييدهم للاستجواب. واستشهدوا بما ورد فيه بكلماتهم وطلبات الإحاطة التي قدموها، على الرغم من انتماء غالبيتهم إلى الحزب الوطني الحاكم.

ووجه مرسي ستة اتهامات رئيسة للحكومة، ورئيسها، تمثلت في مسؤوليتها عن الإهمال الجسيم، والقصور في النواحي الفنية، والأمنية، وإجراءات السلامة، والتعامل مع الحدث من جانب وزارة الصحة، والتصريحات الاستفزازية، ومحاولة تضليل الرأي العام، والاستهانة بما وقع للمصريين من الضحايا. وأفردت الصحف القومية والحزبية في حينها عناوينها لتفاصيل الاستجواب، وكلمة رئيس الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين، دون هجوم على مرسي، بخلاف ما دأبت عليه الصحف الموالية للنظام، التي كانت تهتم حينها برد الوزير المختص، دون النظر لما يطرحه النائب المستجوب.

تجدر الإشارة إلى أن مرسي فاز بعضوية مجلس الشعب لدورتين متتاليتين عن محافظة الشرقية في الفترة من 1995 إلى 2005. وفي انتخابات 2005، حصل على أعلى الأصوات، بفارق 18 ألف صوت عن أقرب منافسيه. إلا أن الانتخابات زورت بجولة الإعادة لصالح مرشح الحزب الوطني، واستخدمت قوات الأمن البلطجية في ترويع وإرهاب الناخبين، ومنعت وصولهم إلى اللجان، بعدما ألقت القنابل المسيلة للدموع في مواجهة مؤيدي مرسي.