الأزمة الليبية: الجزائر في مواجهة مصر؟

الأزمة الليبية: الجزائر في مواجهة مصر؟

05 أكتوبر 2016
الجزائر تدفع لعقد اجتماع في النيجر (فابيو بوسيرلي/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن تزايد زيارات المسؤولين الليبيين إلى الجزائر، وأحدثها زيارة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، فائز السراج، الإثنين، تهدف إلى دفع الجزائر للعب دور أكبر في الأزمة الليبية، والحد من التدخل المصري، الداعم للجنرال خليفة حفتر، والذي يهدف للحيلولة دون تطبيق بنود اتفاق الصخيرات، الذي وقع في شهر ديسمبر/كانون الأول 2015.

وبدأ السراج زيارة إلى الجزائر بدعوة من رئيس الوزراء الجزائري، عبدالمالك سلال، لبحث مساعي عقد مؤتمر للمصالحة الليبية كان مقرراً عقده منتصف أكتوبر/تشرين الأول الحالي في الجزائر، بالإضافة الى ملف عقد اجتماع لدول جوار ليبيا، برعاية جزائرية، في النيجر. وطالب السراج الجزائر بلعب دور أكبر في الأزمة الليبية، وحث المسؤولين الجزائريين على "السعي لكبح تدخلات إقليمية تستهدف إفساد خطة الوفاق الوطني في ليبيا"، محذراً من مخاطر استمرار تأثير الأزمة الليبية على أمن المناطق الحدودية بين البلدين. 
وأبلغ السراج المسؤولين الجزائريين، الذين التقاهم الإثنين، بتعرضه لتدخلات وضغوط من أطراف ليبية وإقليمية لدفعه الى تغيير عدد من بنود اتفاق الصخيرات، خاصة ما يتعلق بقيادة الجيش، وموقع الجنرال خليفة حفتر في المرحلة المقبلة. وأعلن، في تصريحات صحافية، أنه يجري مع المسؤولين الجزائريين تقييماً للوضع في ليبيا، والجهود التي تبذل من أجل تنفيذ مبادرة التسوية السياسية للأزمة الليبية. وبدا متفائلاً بشأن نجاح زيارته الى الجزائر، مثنياً، على ما وصفه، بالدور الإيجابي الذي تؤديه الجزائر في حل الأزمة الليبية، والدعم الذي يلقاه المجلس الرئاسي من الحكومة الجزائرية من أجل الاستقرار واستعادة الأمن في ليبيا.

ولفت أن السراج كان يشير بوضوح إلى انزعاج ليبي من الدور المصري، المدعوم من أطراف عربية أخرى، للحيلولة دون تطبيق بنود اتفاق الصخيرات، من خلال استدراج زعماء القبائل في المنطقة الشرقية لعقد مؤتمرات في مصر لدعم قوات حفتر، ورفض الاعتراف بشرعية المجلس الرئاسي المنبثق عن اتفاق الصخيرات. وبدا واضحاً التصادم الكبير في الإرادة السياسية وقراءة المشهد الليبي بين مصر والجزائر. ففيما تدفع الجزائر فرقاء الأزمة الليبية إلى التشاركية السياسية لتجاوز الخلافات الراهنة وإعادة تأسيس الدولة، تذهب السلطة في مصر إلى دعم الجنرال حفتر، ودفعه لتعطيل المشهد السياسي في ليبيا، تحت عنوان الجيش الوطني.
ويعتقد مراقبون أن توالي زيارات المسؤولين الليبيين والأمميين إلى الجزائر في الفترة الأخيرة، تحمل مؤشرات على تحول كبير على الصعيد الليبي باتجاه إعطاء الجزائر دوراً أكبر، ودفعها للعب دور أكثر تأثيراً، إذ تعد زيارة السراج الثانية الى الجزائر في غضون أقل من شهرين، بعد زيارة في أغسطس/آب الماضي، وأعقبتها في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي زيارة للمبعوث الأممي، مارتن كوبلر، التقى خلالها مساعد وزير الخارجية الجزائري، عبدالقادر مساهل، وعقد اجتماعاً مع سفراء عدد من الدول المهتمة بالأزمة الليبية، وتبعتها زيارة لنائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، أحمد المعيتيق، إضافة إلى زيارة قام بها نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، موسى الكوني، إلى الجزائر نهاية الأسبوع الماضي.

واتهم وزير الشؤون الخارجية الليبي، محمد الطاهر سيالة، أطرافاً أجنبية بإعاقة المصالحة الوطنية في ليبيا، قائلاً: إن هناك "تدخلات أجنبية معلنة وغير معلنة" تحاول قطع الطريق أمام مسار تنفيذ المصالحة بين الشعب الليبي، داعياً هذه الأطراف الى أن "تترك لليبيين مساحة لاتخاذ القرار لمستقبلهم بأنفسهم". ودعا المجتمع الدولي الى الضغط على الأطراف المعرقلة لمسار الحل السياسي في ليبيا، ودفعها الى التفاعل بشكل إيجابي مع الجهود التي يبذلها المجلس الرئاسي الليبي وحكومة الوفاق الوطني في هذا السياق. وفيما يتعلق باجتماع باريس حول الأزمة الليبية الذي غيبت عنه العديد من الأطراف المعنية بالأزمة الليبية، قال سيالة، خلال مؤتمر صحافي مع مساهل، "هذا الاجتماع جاء بمبادرة فرنسية والحكومة الفرنسية هي من استدعت المشاركين لهذا الاجتماع". وأكد رفض بلاده إعادة التفاوض حول الاتفاق السياسي الذي يحظى بإجماع دولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، لأن ذلك سيعمل على "عرقلة مسار تسوية الأزمة سلمياً". وشدد على أن "الجزائر دولة فاعلة في المنطقة، ولها دورها الفعال في دعم الحل السياسي للأزمة الليبية".

وكانت الجزائر بدأت، منذ نهاية أغسطس، مساع لعقد مؤتمر للمصالحة في الجزائر، كانت مصادر دبلوماسية جزائرية كشفت عنه في 3 سبتمبر/أيلول الماضي، على أن تشارك فيه كل الأطراف الليبية وعدد من كوادر النظام السابق، من بين القادرين على المساهمة إيجابياً في مسعى المصالحة والاستقرار في ليبيا، خاصة بعد إقرار مجلس النواب الليبي قانون العفو العام، الذي يستفيد منه عدد من كوادر النظام السابق. وكان من المقرر عقد هذا المؤتمر منتصف أكتوبر الحالي، لكن تدخلات إقليمية، دفعت بقوات حفتر للتحرك باتجاه الهلال النفطي، ما خلط الحسابات السياسية في المشهد الليبي.

وفي سياق المساعي الجزائرية، أكدت الجزائر، قبل أيام، رعايتها اجتماعاً في النيجر، كان أعلن عنه قبل يومين مساعد وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، وتشارك فيه دول الجوار. وقالت مصادر دبلوماسية جزائرية، لـ"العربي الجديد"، إن "دفع الجزائر لعقد الاجتماع في النيجر، يأتي في سياق محاولتها دفع دول الجوار الليبي من جهة الجنوب الأفريقي، مثل النيجر وتشاد والسودان، الى لعب دور فاعل ومؤثر في الأزمة الليبية، باعتبار أنها على علاقة مباشرة بالأزمة الليبية على الصعيد الجغرافي والأمني والإنساني". وتلفت مصادر مسؤولة إلى أن المسعى الجزائري يندرج في سياق مواجهة الدور المصري، الذي يحاول في كل مرة قطع الطريق على تحقيق الاستقرار أو عقد مؤتمر للمصالحة الليبية - الليبية، ويحاول فرض أجندة سياسية، باستغلال قوات حفتر لتغيير المعطيات السياسية على الأرض، على غرار العملية العسكرية الأخيرة التي قامت بها قوات حفتر بالسيطرة على الهلال النفطي، والتقدم باتجاه الجفرة ومناطق قريبة من الحدود الليبية - الجزائرية، وهو ما شكل قلقاً للسلطات الجزائرية التي أبلغت، عبر وسطاء دوليين، قيادة جيش حفتر بعدم التقدم تحت أي اعتبار باتجاه الحدود الجزائرية.

وأكدت مصادر مسؤولة، لـ"العربي الجديد"، أن "الجزائر ترفض التعامل على الصعيد الرسمي مع أي طرف غير معترف به من المجتمع الدولي، ولذلك فقد أبلغت دولة صديقة على علاقة بجيش حفتر أنها لا ترغب في أي تقدم لقوات حفتر باتجاه الحدود الجزائرية، تجنباً لأية مواجهات قد تؤثر على أمن المناطق الحدودية الجزائرية. وتشير بعض المعلومات إلى أن الجزائر نجحت خلال الفترة السابقة بتأمين المدن الليبية القريبة من الحدود الجزائرية وتحقيق استقرار نسبي بها، عبر التكفل بالدعم الاجتماعي والإغاثي في هذه المناطق، حيث يوزع الهلال الأحمر الجزائري بشكل منتظم مساعدات إغاثية ويقدم خدمات صحية بالتنسيق مع الهلال الأحمر الليبي وأعيان هذه المناطق لمصلحة السكان الليبيين، كما يتم نقل الحالات العلاجية المستعصية إلى المستشفيات الجزائرية القريبة للعلاج.