لبنان: مسيرة عامين ونصف من شعار "عون أو الخراب"

لبنان: مسيرة عامين ونصف من شعار "عون أو الخراب"

31 أكتوبر 2016
تأخرت ثمار الحوار بين عون والحريري لعام ونصف(حسين بيضون)
+ الخط -
خاض مؤسس "التيار الوطني الحر" في لبنان، النائب ميشال عون، مساراً سياسياً مُتعرجاً خلال فترة الشغور الرئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق، ميشال سليمان، في مايو/أيار 2014، وحتى تاريخ جلسة الانتخابات الرئاسية من طرف مجلس النواب في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016. وهو مسار تميّز بخسارة نقاط سياسية عديدة على صعيد تحالفاته وجمهوره الحزبي والطائفي، كما تميّز بنجاحه في تحقيق مكاسب بالجملة على صعيد علاقته بالأطراف السياسية في لبنان. وهي المكاسب التي ترجمها الرجل بالوصول إلى الموقع الأول في الجمهورية اللبنانية بعد 26 عاماً من ترؤسه حكومة عسكرية (1988-1990) أرادها مدخلاً لوصوله للرئاسة من بوابة قيادة الجيش. عقد عون خلال فترة الشغور محادثات ثنائية مع "حزب القوات اللبنانية" و"تيار المستقبل" كل على حدة، حولته إلى نقطة التقاء بين تحالفي 8 و14 آذار، على الرغم من انتمائه للتحالف الأول.

"عون أو الفراغ"
تميزت نهاية ولاية الرئيس سليمان عام 2014، برفع حلفاء عون شعار "عون أو الفراغ". وهو الشعار الذي تُرجم سريعاً تحت قبة البرلمان مع جلسة انتخاب الرئيس الأولى قبيل انتهاء ولاية سليمان، والتي حاز فيها خصم عون السابق وحليفه الحالي، رئيس "القوات اللبنانية"، سمير جعجع، على 48 صوتاً نيابياً مقابل 52 ورقة بيضاء، في أولى مؤشرات انطلاق عهد الشغور الرئاسي. 

وتوالت الدعوات لجلسات انتخاب الرئيس، وتوالى معها تعطيل كتلة نواب "حزب الله" وكتلة عون النصاب تطبيقاً للشعار الرئيسي: "عون أو الفراغ". كما رفع عون خلال هذه الفترة شعاري "الدفاع عن حقوق المسيحيين في الدولة" و"حماية الميثاقية". وهي شعارات خدمت المرشح الرئاسي مسيحياً، لكنها نقلت حالة عدم انتظام المؤسسات الدستورية إلى داخل الحكومة التي قاطع وزيرا عون عدداً من جلساتها، وهي آخر مؤسسات الدولة الفاعلة بعد شغور رئاسة الجمهورية وتعطيل البرلمان.

"الحوار الوطني والحوارات الثنائية"
دفع هذا الواقع برئيس المجلس النيابي، نبيه بري، لطرح إقامة طاولة للحوار الوطني تناقش الملفات الكبرى بشكل لا يتعارض مع عمل الحكومة. وشاركت بها كل القوى السياسية الرئيسية باستثناء "القوات". وفتحت هذه المبادرة المجال أمام انطلاق حوارات طائفية ثنائية بين "المستقبل" و"حزب الله" من جهة، وبين "القوات" وعون من جهة ثانية. وهي حوارات ساهمت إلى حد ما في ضبط الشارع السياسي ومنع انتقال الخلاف الجوهري إلى الأزقة والأحياء المعبأة طائفياً وسياسياً نتيجة الأزمة الداخلية والوضع الإقليمي العام. ونجحت مبادرة أحد رجال الأعمال في جمع الحريري بعون في باريس، بعد أعوام على خصومة سياسية وصلت إلى حد التقاضي بتهم الفساد أمام المحاكم. وكللها عون بإسقاط حكومة الحريري من مقره في الرابية. ولا يمكن تجاوز الشكل المدروس لإسقاط الحريري سياسياً وشعبياً، مع توقيت الاستقالة خلال لقاء الحريري بالرئيس الأميركي، باراك أوباما، عام 2011. دخل الحريري إلى اللقاء بوصفه رئيساً للحكومة وخرج منه رئيساً لحكومة تصريف أعمال بعد استقالة وزراء كل من حزب الله وتيار عون ووزير محسوب على كتلة الرئيس بري. وأعلن عون يومها عن "قطع وان واي تيكيت" للحريري من الحياة السياسية في لبنان، ولم يدرك يومها أن الحريري سيكون بطاقته للدخول إلى قصر الرئاسة في بعبدا.


وإن أثمر الحوار العوني-القواتي في تحقيق مصالحة مسيحية شاملة بين الفريقين اللذين تقاتلا مراراً خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) وتبني جعجع ترشيح خصمه للرئاسة، فقد تأخرت ثمار الحوار بين عون والحريري لمدة عام ونصف عام، ليُعلن الحريري الابن عن تبني ترشيح عون للرئاسة منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في خطوة تراجعية جديدة في المسيرة السياسية للزعيم السني الأقوى في لبنان. وقد برر الحريري خطوته باعتبارها "تضحية ضرورية لإنقاذ الوضع العام في البلاد"، في حين أكد تقرير نشرته وكالة "رويترز" أن الحريري بادر لترشيح عون "أملاً في حل أزمته المالية في شركة سعودي-أوجيه في السعودية التي تشكل العمود الفقري المادي لشبكة عمله السياسي في لبنان".

"تفكك 8 و14"
أحدثت هذه التطورات السياسية صدمة في صفوف تحالفي 8 و14 آذار مع تباين وجهات النظر بين الكتل السياسية المختلفة وحتى داخلها بشأن الاستحقاق الرئاسي. وعاش "المستقبل" وعون ما يشبه حالة التمرد الداخلي من قبل ناشطين ونواب نتيجة التطورات السياسية المتسارعة. ففصل عون الناشطين المعترضين على توريثه رئاسة تياره لصهره جبران باسيل، وحصر الحريري رفض أعضاء كتلته النيابية التصويت لعون بعدد قليل من النواب.

وفي الصورة الأشمل، تفكك عقد التحالفين العريضين اللذين خاضا المعركة السياسية في البلاد طوال العقد الماضي تحت عنواني "الحرية والسيادة والاستقلال" و"الوفاء لسورية ومحور الممانعة". ونجح الحريري وجعجع في إحداث تباين جدي بين حلفاء "حزب الله"، من خلال تبني جعجع ترشيح عون وتبني الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجية، للرئاسة، ثم من خلال انتقال الحريري إلى تبني ترشيح عون.

واللافت في خطوة الحريري هو كسر الصور النمطية السلبية له في الشارع المسيحي، والصور السلبية لعون وفرنجية لدى الشارع السني. لم يعد الحريري "داعشياً" في نظر الشارع المسيحي. ولم يعد عون وفرنجية يُذكّران الشارع السني بالمعارك الطائفية التي قامت عليها الحرب الأهلية اللبنانية. كما طاول ترشيح عون من قبل قطبي تحالف 14 آذار (المستقبل والقوات) الأدوار السياسية لرئيس مجلس النواب، نبيه بري، ولرئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي"، النائب وليد جنبلاط. وجد الرجلان نفسيهما خارج التسوية السياسية التي تمت بين الحريري وعون وجعجع بشكل مباشر، وبين الحريري وجعجع مع حزب الله بشكل غير مباشر. وأعلن بري اختيار المعارضة في عهد عون الذي منحته التحالفات الثنائية التي عقدها أكثرية نيابية تسمح بانتخابه، في حين أخّر جنبلاط خياره الرئاسي إلى آخر لحظة ممكنة بانتظار جلاء الصورة. ولا يغيب عن حسابات جنبلاط وضعه الانتخابي في محافظة جبل لبنان المُختلطة سياسياً وطائفياً وفيها وجود بارز للمستقبل وللعونيين.

وثبّت "حزب الله" خلال هذه المسيرة السياسية نفسه حزباً حاكماً في لبنان بقوة مشاركته العسكرية الفاعلة والمباشرة في المعارك الإقليمية في سورية والعراق واليمن، وبفرض خياراته السياسية داخلياً عبر الأمن والعسكر (تجربتي القمصان السود والسابع من مايو/أيار 2008). وينقل انتخاب عون رئيساً الحزب من حاكم بواسطة سورية خلال ولاية الرئيس السابق، إميل لحود، وحاكم بقوة سلاحه الذي فرض تسوية انتخاب الرئيس السابق، ميشال سليمان، إلى حاكم مباشر نجح في إيصال حليفه الأكثر تمثيلاً على الصعيد المسيحي، إلى سدة الرئاسة الأولى في لبنان.