"داعش" في الجزائر... عودة عبر "الذئاب المنفردة"؟

"داعش" في الجزائر... عودة عبر "الذئاب المنفردة"؟

30 أكتوبر 2016
وجّه الجيش ضربات قاسية للجماعات الإرهابية (فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -

أثار إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) تبنّيه عملية اغتيال شرطي وسط مدينة قسنطينة، شرقي الجزائر، النقاش مجدداً في البلاد عن حقيقة تواجد خلايا تتبع التنظيم في الأراضي الجزائرية، على الرغم من قبضة الأجهزة الأمنية لمنع تسلل التنظيم فكراً وأفراداً إلى النسيج الجزائري.
وبإعلان "داعش" تبنّيه عملية اغتيال الشرطي، يكون التنظيم قد كشف للمرة الأولى عن وجود جدي لخلايا أو" ذئاب منفردة" على صلة به في الجزائر، بعد فترة طويلة من المحاولات التي لم يتمكّن فيها التنظيم سابقاً من وضع رِجلٍ له على الأرض، أو استدراج عدد كبير من الجزائريين إلى صفوفه، بفعل الحذر الأمني الشديد تجاه أية تحركات مشبوهة للتنظيم أو مؤيديه في الجزائر، ولاعتبارات تتعلق بتجاوز الجزائريين لمرحلة الاستقطاب من قبل المجموعات التكفيرية. لكن هذه العملية قد تعيد طرح النقاش بشأن ما إذا كان تنظيم "داعش" قد نجح فعلاً في إقامة خلايا له في الجزائر قادرة على خلط المشهد الأمني أو إحداث قلاقل على هذا الصعيد، أم أن الأمر يتعلق باستقطاب عرضي لـ"ذئاب منفردة"، يمكنها أن تنفذ عمليات معزولة كالتي حدثت في مدينة قسنطينة، لكنها لا تؤثر على السياق الأمني في الجزائر.
بالعودة إلى مسار محاولات تنظيم "داعش" التواجد في الجزائر، فقد أعلنت مجموعة من تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، في سبتمبر/أيلول 2014 انشقاقها عن التنظيم، وتأسيس تنظيم "جند الخلافة" في منطقة البويرة، شرقي العاصمة الجزائرية. وأعلن "جند الخلافة" ولاءه لتنظيم "داعش" ومبايعة زعميه أبو بكر البغدادي، واتهم "القاعدة" بالانحراف. ونفذ هذا التنظيم في الشهر نفسه أول عملية له باختطاف وإعدام متسلق جبال فرنسي كان يتواجد في المنطقة نفسها، قبل أن يتمكن الجيش الجزائري من القضاء في عملية نوعية على 23 مسلحاً يمثّلون الجزء الغالب من عناصر التنظيم الفتي. وإضافة إلى ذلك، حاول "جند الخلافة" استقطاب عناصر جديدة في منطقة عنابة شرقي الجزائر، إذ فككت أجهزة الأمن الجزائرية قبل أيام خلية صغيرة للتنظيم، كانت تحاول تجنيد الشباب لصالح التنظيم.
ويعتقد مراقبون للحالة الأمنية في الجزائر أن التنظيمات المسلحة في الجزائر لا تمتلك أية بنية تحتية، تتيح لها استعادة حالة نشاطها التي كانت قائمة قبل عام 2007، وهي السنة التي شهدت أكبر عدد من التفجيرات الانتحارية التي نفذها تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، ضد منشآت حيوية، كقصر الحكومة والمجلس الدستوري ومقر الأمم المتحدة ومراكز أمنية وعسكرية في العاصمة وشرقي وجنوبي الجزائر. لكن المراقبين يحذرون من أن يكون التنظيم بصدد إعادة استغلال خلايا إرهابية نائمة، كانت على صلة بتنظيمات تم تفكيكها.


ويقول المختص في الشأن الأمني، بوعلام غمراسة، تعليقاً على عملية "داعش" في مدينة قسنطينة، إنها كما تبدو "عملية ذئب منفرد، لكن لا ينبغي عزلها عن محاولات هذا التنظيم الاستثمار في خلايا القاعدة والجماعة السلفية المنتشرة في الأحياء الفقيرة، فلا يجب أن ننسى أن الانتحاريين في 2007 و2008، خرجوا كلهم من أحياء فقيرة"، فيما يعتبر آخرون أن تنظيم "داعش" لن يتمكن من تأسيس قاعدة له في الجزائر، على الرغم من تهديداته السابقة وتوعّده بضرب مصالح في البلاد، وفق تسجيلات صوتية بثها التنظيم عل مواقعه في وقت سابق. ويرى المحلل السياسي المتابع للشؤون الأمنية، مهدي براشد، أن "التركيبة البشرية للجزائريين غير الطائفية ولا القبلية، لم توفر أية أرضية لتنظيم داعش، كما أن قساوة التجربة العنيفة التي عاشها الجزائريون في التسعينيات، وجسامة الخسائر التي تكبّدتها الجزائر، الشعب والبلد والمقدرات، لا تشجع أي مكوّن مجتمعي على الانخراط مجدداً في عمل مسلح". ويضيف أن "بشاعة ما يحدث في سورية والعراق وليبيا بسبب تنظيم داعش، يشكّل حائلاً إضافياً إزاء أية محاولة للتنظيم للتواجد في الجزائر".
ويدعم هذا الطرح إخفاق "داعش" أيضاً في استقطاب الجزائريين إلى صفوفه في سورية والعراق، إذ يمثل الجزائريون العدد الأقل، من مجموع عناصره مقارنة مع التونسيين والأجانب الآخرين، ولا يتجاوز عددهم 30 عنصراً.
وعلى الرغم من عملية إعادة تشكيل جهاز الاستخبارات الجزائرية منذ سبتمبر/أيلول 2015، فإن الاجهزة الأمنية الجزائرية نجحت في الحد من تحركات تنظيم "داعش" في البلاد، إذ تواجه الخلايا والمجموعات المسلحة الصغيرة التي تنشط في مناطق متفرقة في الجزائر حصاراً وتضييقاً كبيراً من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية. وأعلنت قيادة الجيش منذ أغسطس/آب 2015 عن خطة "اجتثاث الإرهاب"، ونجحت في تفكيك البنية التحتية للمجموعات المسلحة. كما أن قيادة الجيش الجزائري وعلى الرغم من النجاحات المحققة حتى الآن، تستبقي حالة الحذر واليقظة، إذ جدد قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، عشية احتفال الجزائر بعيد ثورة تحرير، تحذيراته مما وصفها بـ "المخططات والدسائس المعادية التي تستهدف الجزائر". وقال قايد صالح في رسالة وجهها إلى الضباط، إن "الجزائر تتعرض لمخططات ودسائس معادية تتطلب مزيجاً من الحذر واليقظة"، وجدد تقديره لقوات الجيش المرابطة في كافة المناطق الحدودية، ودعاها إلى "بذل كل ما في وسعكم من أجل رفع كافة التحديات الأمنية، مهما كان مصدرها، في هذه المناطق الحدودية الحيوية التي تستحق منكم التفطن واليقظة".
وتشير الأرقام الرسمية التي نشرتها قيادة الجيش الجزائري إلى أن العمليات العسكرية والأمنية ضد المجموعات المسلحة، أفضت منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي إلى "تحييد" 182 مسلحاً، بينهم 112 مسلحاً تم قتلهم، فيما تم توقيف أو استسلام 65 مسلحاً، إضافة إلى اعتقال 77 عنصراً كانوا ينشطون في شبكات إسناد وتموين المجموعات الإرهابية. واسترجع الجيش خلال الفترة نفسها كميات من الأسلحة والذخيرة والقنابل والأحزمة الناسفة. وشكّل شهر يونيو/حزيران الماضي، مرحلة إنجاز عسكري كبير بالنسبة للجيش، إذ نجح خلاله في قتل 30 مسلحاً، وتوقيف 13 آخرين، بينهم 18 مسلحا تم القضاء عليهم في عملية عسكرية واحدة في منطقة المدية الواقعة على بُعد 120 كيلومتراً شرقي الجزائر العاصمة.