تكليف الانقلابيين بن حبتور: حكومتان ومصرفان وعاصمتان وحرب واحدة

تكليف الانقلابيين بن حبتور: حكومتان ومصرفان وعاصمتان وحرب واحدة

04 أكتوبر 2016
بوادر تقسيم اليمن على وقع حرب مستمرة(عبدالله القادري/فرانس برس)
+ الخط -
مطلع العام 2015، كان محافظ عدن الأسبق، عبدالعزيز بن حبتور، رجل الرئيس عبدربه منصور هادي في عدن، فيما كان أحمد عبيد بن دغر، رجل الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في صنعاء. وفي الأسابيع الأولى من "عاصفة الحزم"، انتقل بن دغر من صنعاء إلى الرياض، وبن حبتور إلى صنعاء. وبعد عام ونصف العام من الحرب الواسعة والمستمرة في البلاد، بات بن دغر رئيساً لحكومة الشرعية في عدن، وبن حبتور مكلفاً بتشكيل حكومة انقلابية في صنعاء. هكذا يصبح لليمن: مصرفان، حكومتان، عاصمتان، وسط حرب مستمرة وأزمة اقتصادية خانقة.

هذا ما بدا عليه الوضع في اليمن باختصار، مع القرار الذي أصدره "المجلس السياسي" الأعلى للانقلابيين، والمؤلف بالمناصفة بين الحوثيين وحزب المؤتمر بزعامة الرئيس المخلوع، صالح، والذي قضى بتكليف بن حبتور بتشكيل ما أسماه "حكومة إنقاذ وطني". وتزامن ذلك مع إعلان الحكومة الشرعية برئاسة بن دغر، أنها ستعمل على نقل كافة مؤسسات الدولة والبعثات الدبلوماسية من صنعاء إلى عدن. وأفادت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" بأن القرار جاء بعد أخذ ورد في أوساط الانقلابيين طوال الأسابيع الماضية، بعدما واجه المقترح معارضة أو تحفظاً من قبل قيادات في الجماعة والحزب، كانت تفضل التريث للوصول إلى اتفاق.

ويعد القرار بمثابة مسمار جديد في نعش مسار السلام، الميت أصلاً، والذي ترعاه الأمم المتحدة، عبر مبعوثها إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد. ويتواجد الأخير في العاصمة السعودية الرياض. وعقد لقاء مع الرئيس اليمني، هادي، في إطار مساع دولية لإبرام اتفاق على إحياء الهدنة الهشة التي دخلت حيز التنفيذ في أبريل/نيسان 2016. لكنها انهارت منذ مطلع يوليو/تموز الماضي. ومن المقرر أن يتوجه ولد الشيخ للقاء الانقلابيين في العاصمة العُمانية مسقط. لكن ليس واضحاً المصير الذي ستؤول إليه جهود الهدنة واستئناف المشاورات، في ظل الخطوات التصعيدية الأخيرة، وأبرزها تسمية الحوثيين رئيس حكومة، وقبلها استهداف سفينة إماراتية قرب باب المندب.

من زاوية أخرى، يعد قرار الحوثيين وحزب صالح، بتسمية رئيس حكومة انقلابية، خطوة جديدة نحو مزيد من التقسيم الذي بات أمراً واقعاً إلى حد كبير في البلاد. وفي حال تواصل الأمر نحو تسمية الوزراء، يصبح لليمن حكومتان، الأولى هي الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، برئاسة بن دغر، والتي تتخذ من عدن "عاصمة مؤقتة" لها. والثانية حكومة يؤسسها تحالف الحوثيين وصالح في صنعاء.


وعلى الرغم من أن البنية التحتية للدولة ومؤسساتها تقع في صنعاء، إلا أن الوضع ليس مؤاتياً بما فيه الكفاية لعمل الحكومة الانقلابية المرتقبة. ولا يكاد يمر يوم دون أن تقصف مقاتلات التحالف أهدافاً متفرقة في العاصمة ومحيطها. وباتت القوات الموالية للشرعية على بعد عشرات الكيلومترات عنها، وتنفذ عمليات عسكرية بإسناد من طائرات التحالف للتقدم نحو صنعاء، التي شدد عليها التحالف الحصار، أخيراً، بإغلاق مطارها الدولي. بالإضافة إلى كل ذلك، سيكون أمام أية حكومة جديدة للانقلابيين، خزينة دولة فارغة من الميزانية وغير قادرة على توفير أدنى المتطلبات، كرواتب الموظفين مثلاً. ونتج هذا المأزق المالي بعدما أقرت الحكومة الشرعية، الشهر الماضي، نقل مقر المصرف المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن. وفي ظل غياب الاعتراف الإقليمي والدولي، لن تكون حكومة الانقلابيين قادرة على الصمود.

في النتيجة، يشكل قرار تسمية رئيس حكومة من الانقلابيين في صنعاء، على غرار قرار الحكومة بنقل المصرف المركزي وتصريح رئيسها بن دغر عن أنه سيتم نقل مختلف مؤسسات الدولة والبعثات الدبلوماسية إلى عدن، مؤشراً على أن الطرفين (الشرعية وتحالف الانقلابيين) لم يعد لديهما أي أمل بالمسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة. وكان من المفترض أن يؤدي هذا المسار، وفقاً لمبادرة وزير الخارجية الأميركي الأخيرة، جون كيري، إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وانسحاب المجموعات المسلحة من صنعاء وتسليم الأسلحة الثقيلة. لكن قرار الحكومة بنقل المصرف جاء ليقول إنها لا تأمل العودة إلى صنعاء قريباً، فيما جاء قرار الانقلابيين الخاص بتسمية رئيس حكومة، ليقول إنهم ماضون في الخطوات البعيدة عن التوافق.

في المقابل، يمكن قراءة الخطوتين في إطار زيادة أوراق الضغط التي يسعى الطرفان إلى استثمارها على طاولة المفاوضات للوصول إلى حل سياسي. غير أن مناورات كهذه، في بلد يشهد حرباً هي الأوسع في تاريخه منذ ما يزيد عن عام ونصف العام، تبقى نتائجها محدودة. فالانقلابيون يرفضون تقديم تنازلات لا بد منها لتسهيل الذهاب نحو اتفاق سلام. والحكومة الشرعية التي تحظى بالاعتراف الدولي والدعم العربي بقيادة السعودية، ترفض الحلول التي تُبقي على سلاح المليشيات أو "تشرعن الانقلاب".

وفي الإجمال، من شأن قرار الانقلابيين تسمية رئيس حكومة، استكمالاً للخطوات أحادية الجانب، التي بدأوها بتأليف "المجلس السياسي"، أن تضع الساحة اليمنية أمام احتمالات مفتوحة على شتى الخيارات. من جهة، يمكن أن تكون هروباً إلى الإمام من الأزمة المالية التي تواجه الشريكين والمناطق الواقعة تحت سيطرتهما، وبالتالي قد لا تصمد هذه الحكومة في ظل المعطيات العسكرية والاقتصادية والسياسية المختلفة. ومن جهة أخرى، يمكن أن تمثل نواةً لإعادة تقسيم اليمن، إلى قسمين على الأقل، على غرار التقسيم الشطري للبلاد قبل توحيدها في 22 مايو/أيار 1990. وهذا الخيار يعززه وجود الحكومة الشرعية في عدن، في مقابل سيطرة الانقلابيين على صنعاء. غير أن تحالف الحوثيين وصالح لا يتمتع بسيطرة كاملة على محافظات الشمال تمكّنه من فرض الأمر الواقع. ومحافظتا مأرب والجوف أصبحتا تحت سيطرة القوات الموالية للحكومة إلى حد كبير، فيما تسيطر الشرعية أيضاً على مدينة تعز وأجزاء من ضواحيها، وكذلك على أجزاء من محافظتي البيضاء (وسط) وحجة (شمال غرب)، وصولاً إلى مديرية نِهم التابعة إدارياً لمحافظة صنعاء (الضواحي).

وإذا ما رسا الواقع على ما هو عليه الآن، أو استمر بالتغير ببطء، سيغدو اليمن مقسماً عملياً بين مركزين، وبينهما ثالث في مأرب. في صنعاء يسيطر الانقلابيون، وفي عدن تسيطر قوات محلية جرى تأسيس أغلبها خلال العامين الأخيرين من عسكريين وأمنيين جنوبيين ومجندين، إلى جانب قوات من التحالف (إماراتية في الغالب إلى جانب سودانية وسعودية). وقد جرى اعتبارها عاصمة مؤقتة، أعلنت الحكومة أنها تسعى إلى نقل كافة مقار مؤسسات الدولة إليها. وبالطبع، لن يتم نقلها عبر قاطرات نقل في ظل سيطرة الانقلابيين بصنعاء، بل يتم تأسيس مؤسسات بديلة عنها أو موازية لها، في الوقت الذي يشتد  فيه الحصار الاقتصادي والسياسي حول صنعاء.

المساهمون