البرلمان الكويتي المنحلّ: ولاء للحكومة ومسيرة قرارات غير شعبية

البرلمان الكويتي المنحلّ: ولاء للحكومة ومسيرة قرارات غير شعبية

26 أكتوبر 2016
أقر البرلمان قوانين مست المواطن مباشرة (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
جاء قرار الحكومة الكويتية حل مجلس الأمة (البرلمان) الأسبوع الماضي، صادماً ومفاجئاً للرأي العام في البلاد، وخصوصاً أن هذا البرلمان، وهو السادس عشر في التاريخ السياسي للكويت، يُعد أكثر برلمانات الكويت طواعية والتزاماً بالمنهج الحكومي، بسبب مقاطعة المعارضة وشرائح واسعة من التيارات السياسية للانتخابات البرلمانية الأخيرة، اعتراضاً على مرسوم الصوت الواحد الذي يساهم في سهولة التلاعب بنتائج الانتخابات، ويعزز القبلية والطائفية، بحسب ما تقوله شخصيات معارضة. وكانت الحكومة الكويتية قد أعلنت حل البرلمان "نظراً للظروف الإقليمية الدقيقة وما استجد منها من تطورات، وما تقتضيه التحديات الأمنية وانعكاساتها المختلفة من ضرورة مواجهتها بقدر ما تحمله من مخاطر ومحاذير، الأمر الذي يفرض العودة إلى الشعب، مصدر السلطات، لاختيار ممثليه".

ولم يحظ البرلمان الكويتي المنحل بشعبية، فولادته جاءت نتيجة لأزمة سياسية بين الحكومة والمعارضة (مرسوم الصوت الواحد ومقاطعة المعارضة)، واتخذ قرارات سياسية واقتصادية مست المواطن الكويتي بشكل مباشر، وأبرزها كان قانون البصمة الوراثية الذي حاز على إدانات واسعة من المجتمع الدولي لكونه ينتهك خصوصيات الأفراد، بالإضافة إلى قانون منع المسيء للذات الأميرية من الترشح والانتخاب، وقانون البديل الاستراتيجي الذي يهدف إلى توحيد سلم رواتب الموظفين الحكوميين وخفض رواتب موظفي القطاع النفطي، بالإضافة إلى تمرير الوثيقة الاقتصادية، التي تهدف إلى رفع الدعم عن المشتقات النفطية وبقية السلع الأساسية وخصخصة كافة القطاعات الحكومية. كما يحسب على المجلس، فشله في معالجة المشكلة الإسكانية ومشكلتي البدون والمواطنين الذين سحبت جنسياتهم لأسباب سياسية وطردوا خارج البلاد.

أول القوانين التي بدأ المجلس بتنفيذها هو قانون البديل الاستراتيجي للرواتب، ويهدف إلى توحيد سلم الرواتب في الكويت والقضاء على الفروقات فيه بين الإدارات الحكومية المتنوعة. لكن هذا القانون سيتسبب بضرر بالغ لموظفي القطاع النفطي الذين يتقاضون رواتب أعلى من المعدل العام للموظف الحكومي العادي، ما قاد إلى أكبر أزمة نفطية شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، إذ أضرب عمال النفط لمدة ثلاثة أيام احتجاجاً على القانون قبل أن يتدخل أمير البلاد، الشيخ صباح الأحمد الصباح لحل الأزمة بعد فشل الحكومة والبرلمان. ووافق مجلس الأمة على الاقتراح المقدم من الحكومة، والذي يقضي برفع سعر تعرفة الكهرباء والماء بنسب تتراوح بين 300 في المائة و1000 في المائة، مع استثناء القطاع السكني الخاص. لكن الخبراء الاقتصاديين أكدوا أن القانون سيساهم برفع نسب التضخم في البلاد، لكون تعرفة الكهرباء سترتفع على المحلات التجارية والمجمعات التي تقدم السلع وتخدم المواطنين. وقال وزير الكهرباء، أحمد الجسار، في معرض تأييده للقانون الصادر عن البرلمان، إن فاتورة الكهرباء والماء في الكويت تكلف الدولة 8.8 مليارات دولار سنوياً، وأن التكلفة الإجمالية للكهرباء، إذا استمرت سياسة الدعم نفسها، ستصل إلى 25 مليار دولار عام 2035.

وأقر المجلس قانوناً يقضي بخفض سن الحدث من 18 سنة إلى 16 سنة، بالإضافة إلى زيادة العقوبات على الحدث من 10 سنوات إلى 15 سنة. ونال القانون انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان بسبب خفضه لسن الأحداث وتوسيع دائرة المجرمين، لكن مجلس الأمة أكد أن القانون يستهدف ضبط الأحداث، خصوصاً مع ارتفاع جرائم المراهقين في قضايا المخدرات والقتل. ويعد قانون البصمة الوراثية من أكثر القوانين إثارة للجدل في الكويت، وحظي بانتقادات واسعة من المنظمات الدولية والصحف العالمية، بسبب انتهاكه خصوصيات الأفراد. وينص قانون البصمة الوراثية على فحص الحمض النووي، بشكل إلزامي، لكل شخص يقيم على أرض الكويت، سواء كان مواطناً أو مقيماً، كما ينص على فحص زوار الكويت، وحتى المسافرين بالترانزيت، ووضع بيانات هؤلاء في قاعدة بيانات مشتركة وموحدة. وأقر المجلس هذا القانون كرد فعل على تفجير مسجد الإمام الصادق منتصف عام 2015، لكن خبراء سياسيين يقولون إن الهدف الرئيسي من القانون هو كشف الأشخاص الذين حصلوا على الجنسية الكويتية بطرق غير مشروعة طمعاً في المميزات المالية والاجتماعية. وكان الأمير قد وجّه، بعد حل البرلمان، بتعديل القانون أو إلغائه، وفق ما تراه الحكومة مناسباً، بعد شكاوى المنظمات الدولية.

كما أقر قانوناً يقضي بتنظيم الإعلام الإلكتروني. ويستهدف هذا القانون، بحسب لائحته، مواقع التواصل الاجتماعي ودور النشر الإلكتروني ووكالات الأنباء والصحافة الإلكترونية والخدمات الإخبارية ومواقع الصحف الورقية والقنوات الفضائية المرئية والمسموعة والمواقع الإعلانية التجارية. وبحسب المادة الخامسة من القانون فإنه لا يجوز إنشاء أو تشغيل أي من المواقع الإعلامية الإلكترونية المذكورة، أو مزاولة أي من الأنشطة المتعلقة بالنفاذ إلى تلك المواقع، أو نشر المعلومات والبيانات من خلالها، إلا بعد الحصول على ترخيص من الوزارة. ويشترط للحصول على الترخيص، بحسب القانون، الذي رأى الإعلاميون أنه يحد من حركتهم وحريتهم، أن يكون الشخص كويتي الجنسية، ولا يقل عمره عن 21 عاماً، وكامل الأهلية وأن يكون حاصلاً على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها على الأقل، وأن يكون حسن السيرة، ولم يسبق الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلّة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره، وأن يحدد اسم الموقع الإلكتروني. كما يشترط ألا يكون مخالفاً للنظام العام أو الآداب العامة وغير مشابه لاسم موقع آخر، وأن يكون له مقر دائم ومعلوم ومسجل عليه العنوان الإلكتروني الخاص بالنشاط موضوع الترخيص. ويعاقب القانون كل من قام بنشر خبر على مواقع التواصل الاجتماعي، أو في أي مدونة شخصية خاصة به، بالسجن سنة، وغرامة 10 آلاف دينار كويتي (ما يعادل 33 ألف دولار تقريباً).

وصادق مجلس الأمة على قانون يقضي بمنع المسيئين للذات الإلهية والأميرية والأنبياء من الانتخاب، وهو قانون قالت المعارضة إنه يستهدفها. لكن إدارة الفتوى والتشريع في وزارة العدل أكدت أن القانون لن يطبق بأثر رجعي بحق أحد، بل إنه نافذ من ساعة صدوره فقط. وقال المحامي عمر الروقي، لـ"العربي الجديد": "على هذا القانون ملاحظات كثيرة، لكون تعريف إهانة الذات الإلهية والأميرية ضبابيا نوعاً ما في القانون الكويتي، وقد يتخذ ذريعة لتصفية المعارضين من الحياة السياسية. لكن الحسنة الوحيدة فيه أنه لا يطبق بأثر رجعي، ما يعني إمكانية ترشح المدانين سابقاً، وعلى رأسهم السياسي محمد الصقر وزعيم المعارضة مسلم البراك".

وفشل مجلس الأمة في إبطال المرسوم الحكومي الذي استطاعت الحكومة تمريره من دون أخذ رأي المجلس، ويقضي برفع أسعار الوقود بنسب تتراوح بين 40 و80 في المائة. وعلى العكس من ذلك، أقر المجلس تقديم دعم لكل مواطن كويتي يقدر بسبعة دنانير شهرياً. وجوبه هذا القرار باستهجان شعبي واسع بسبب قلة الدعم. واستجوبت مجموعة من النواب وزير المالية على خلفية هذا المرسوم، لكن الحكومة الكويتية سارعت إلى حل البرلمان في النهاية.

المساهمون