قاسم حسين صالح لـ"العربي الجديد": السلطات العربية ولّادة للإرهاب

قاسم حسين صالح لـ"العربي الجديد": السلطات العربية ولّادة للإرهاب

25 أكتوبر 2016
صنف صالح السلوك الإرهابي ضمن الأمراض النفسية (العربي الجديد)
+ الخط -
يعتقد بروفيسور علم النفس العراقي، قاسم حسين صالح، أن القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية لن يؤدي للقضاء على الإرهاب، خصوصا في ظل استمرار النسق السياسي الحاكم في الدول العربية، وانتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب، إضافة إلى صعوبة استئصال الأفكار التي زرعها "داعش" في عقول الناشئة. 

وقال صالح، الخبير في علم النفس الاجتماعي والسياسي، "لن يستطيع العالم القضاء على الإرهاب، لأن السلطة العربية ولّادة للإرهابيين ممن باتوا يعدون حياتهم البائسة أمراً تافهاً إزاء حياة أبدية يسعون إليها في جنات النعيم، وهم يعدون النيل من حاكم يعيش حياة الأباطرة، فيما هم غرباء أذلاء في وطنهم، قصاصاً عادلاً وأمراً جهادياً". ويشير صالح، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن فساد واستبداد الأنظمة العربية وعجز المواطنين عن تحقيق التغيير السلمي، يشكل بيئة مناسبة لتغذية الأفكار المتطرفة وبروز الجماعات الإرهابية.

وفي ما يتعلق بالإرهابيين القادمين من الدول الأجنبية، يعتقد أن نهاية التنظيمات الإرهابية لن تؤدي إلى نهايتهم، الأمر الذي يرجعه إلى "صعود خطاب قوى اليمين المتطرف، والذي يتمحور حول كراهية الآخرين ومعاداة المهاجرين وإشاعة الخوف من الإسلاميين. كل ذلك يؤدي إلى تطرف مضاد للمقصودين بهذا الخطاب نتيجة الشعور بالكبت والغبن والكراهية، التي تعزز السلوك الإرهابي وتحرض على الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية".
ويؤيد صالح فرضية أن "القضاء على الإرهاب بالقمع وهم كبير، في ظل استمرار غياب العدالة الاجتماعية في الدول العربية، وعدم حل مشاكل اندماج الجاليات المسلمة في الغرب". ويعتبر أن انتهاء "داعش" كبنية تنظيمية لن ينهي الأفكار التي زرعها في عقول الناشئة والمحرومين والمتعاطفين. ويقول "البندقية وحدها لن تقضي على الإرهاب، والقضاء عليه رهن بإحداث تغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة". ويحصر الأسباب التي دعت "الجهاديين" للالتحاق بالتنظيمات الإرهابية بسيطرة سيكولوجية الإحباط على المواطنين نتيجة لخيبات العرب المتلاحقة، وتحول أنظمة الحكم الاشتراكية والقومية إلى إمبراطوريات وحشية وفاسدة يعد فيها الأبناء لوراثة الحكم ومواصلة الاستفراد بالثروة، والتي ملأت التنظيمات الإرهابية فراغ انهيارها.


ويضيف إلى الأسباب فشل الانتفاضات العربية المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية نتيجة للعنف الممارس من قبل الأنظمة أو الثورات المضادة، ما أنتج حالة من اليأس دفعت الحالمين بالتغيير السلمي للجوء إلى العنف، يضاف إلى ذلك شيوع الفساد السياسي والإداري والمالي. ويقول "يرى المواطنون الفقراء قادتهم يستفردون بالسلطة والثروة، ومحاولاتهم الحصول على حقوقهم بالطرق السلمية لا تؤدي، في الغالب، إلى نتيجة، فيستخدمون وسيلة تجد صدى عند الآخرين، وغالباً ما يجدون ذلك في قيم الجهاد المنصوص عليها في الإسلام، ويسعون إلى إعادة تفسيرها لتوافق رؤيتهم الخاصة وتطرفهم العنيف الذي يسعون لمباركته بنصوص دينية".

ويذهب صالح لتصنيف السلوك الإرهابي ضمن الأمراض النفسية، رغم الرأي السائد بخلاف ذلك، مشيراً إلى أن "الشخصية الإرهابية مركبة من أربع شخصيات، هي: الزورية، الناتجة عن الشعور بالاضطهاد (ارتياب) وحمل الضغينة ومعتقدات وهمية، والنرجسية التي يمتاز صاحبها بالعجرفة والتعالي وعظمة الذات، والفصامية التي يفتقر صاحبها إلى المرونة والتبصر، وأخيراً الشخصية المضادة للمجتمع والتي يفتقد صاحبها الشعور بتأنيب الضمير". ويبين أن الشخصية الانتحارية هي آخر ما ينتهي إليه الإرهابي، موضحاً أن "الانتحار هو آخر ما ينتهي إليه الإنسان، ويقدم عليه الإرهابي لوصوله إلى اليأس القطعي بأنه لا جدوى من استمرار الحياة، ويعزز من إقدامه على الانتحار إيمانه المطلق بأنه سيكون بين هدفين، لا ثالث لهما، إما الفوز بدولة إسلامية يتم فيها تقديره أو الفوز بحياة أبدية يكون له فيها ما لذ وطاب". 

ويرى صالح، إضافة إلى التغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المطلوبة للقضاء على الإرهاب، ضرورة التمييز بين ثلاثة أنواع من الإرهابيين والتعامل مع كل نوع بشكل مختلف، النوع الأول، هم الذين ارتكبوا أعمالاً إجرامية، ويجب محاكمتهم ومعاقبتهم، شرط أن تتوفر لهم معايير المحاكمة العادلة. أما النوع الثاني، فهم الذين غرر بهم والتحقوا بالتنظيمات الإرهابية ولم يرتكبوا أفعالاً جرمية. وهؤلاء يرى ضرورة إعادة تأهيلهم من خلال الأطباء النفسيين ليصار إلى إعادة دمجهم في المجتمع. أما النوع الثالث فهم من يحملون معتقدات إرهابية راسخة، ولم يلتحقوا بالتنظيمات الإرهابية، وهؤلاء يجب تأهيلهم خلال وجودهم في السجون بعد محاكمتهم، مشيراً إلى أن إعادة تأهيلهم تحتاج إلى وقت طويل. وينتقد "المواقف المتطرفة التي يحملها المجتمع تجاه الإرهابيين، والتي يجري خلالها استخدام صيغة التعميم في التعامل معهم، من دون النظر إلى إمكانية جذب العديد منهم وإبعادهم عن التنظيمات الإرهابية وإعادة دمجهم".