المغرب: 3 متغيرات ترجح عزلة "الأصالة والمعاصرة" سياسياً

المغرب: 3 متغيرات ترجح عزلة "الأصالة والمعاصرة" سياسياً

25 أكتوبر 2016
حل "الجرار" بالمرتبة الثانية في الانتخابات (فضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -
يعيش حزب الأصالة والمعاصرة المغربي، بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي بوأته الرتبة الثانية، الكثير من المتغيرات السياسية والحزبية، دفعت البعض إلى التساؤل إن كان الحزب يعيش عزلة سياسية، أم أنه يعيد ترتيب أوراقه من أجل اصطفافات حزبية تزيد من قوته. وكان الحزب قد حصل على 102 مقعد في انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي من بين 395 مقعداً في مجلس النواب الجديد، ليحل ثانياً خلف حزب العدالة والتنمية الذي حصد 125 مقعداً.

أولى المتغيرات التي تمس تحالفات حزب الأصالة والمعاصرة، أن مجموعة من الأحزاب سارعت إلى إعلان قبولها المبدئي بالتحالف مع حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة الجديدة، تاركة "الأصالة والمعاصرة" شبه وحيد في المعارضة. اصطدم "الأصالة والمعاصرة"، الذي كان يعول على أن يشكل معارضة قوية إلى جانب حزب "الاتحاد الاشتراكي"، برغبة الأخير في دخول الحكومة الجديدة بدعوى الاصطفاف إلى جانب "الكتلة الديمقراطية" المكونة من حزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية. وبذلك يجد "الأصالة والمعاصرة" نفسه وحيداً في حالة التحاق "الاتحاد الاشتراكي" بالحكومة، ليعول فقط على حزب "الأحرار" مرتبطاً بحزب "الاتحاد الدستوري".


ثانية المتغيرات التي طرأت على هذا الحزب تتجسد في رفعه أخيراً مذكرة رسمية إلى العاهل المغربي محمد السادس، يطالب من خلالها بتعديلات دستورية. وعلى الرغم من أن الحزب لم يفصح عن طبيعة التعديلات التي يسعى إليها، إلا أن مصادر أكدت لـ"العربي الجديد" أن الأمر يتعلق أساساً بالفصل 47 من الدستور المغربي، والذي ينص على تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات.

وبحسب هذه المصادر، فإن حزب الأصالة والمعاصرة يأمل في تعديل هذا البند الدستوري، بما يتيح للملك تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي احتل المرتبة الثانية في الانتخابات إذا عجز رئيس الحكومة المعين، والمنتمي إلى الحزب الذي نال المرتبة الأولى، عن تشكيلها. وهذه الحالة تعني "الأصالة والمعاصرة" لكونه جاء ثانياً في انتخابات 7 أكتوبر. أما المتغيرة الثالثة فتكمن في مقالة كتبها الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، إلياس العماري، دعا من خلالها إلى إرساء ما سمّاها مصالحة تاريخية شجاعة بين مختلف الفرقاء السياسيين. وهو ما تم تأويله بكونه يقصد المصالحة مع غريمه "العدالة والتنمية"، قبل أن يخرج العماري للتوضيح أن موقفه من عدم التحالف مع "الحزب الإسلامي" لم يتغير، وأنه يقصد المصالحة بين مختلف فئات المجتمع وهوياته المتنوعة.

في غضون ذلك ينفي حزب الأصالة والمعاصرة أن يكون منعزلاً بعد الانتخابات التشريعية. وفي السياق، يقول القيادي البارز في الحزب محمد الشيخ بيد الله، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن الهيئة السياسية للحزب بخير، ولا توجد في حالة عزلة سياسية، لا سيما أنها احتلت الرتبة الثانية في الانتخابات، وباتت رقماً صعباً بالمعادلة السياسية في البلاد.
ويعتبر أن الحديث عن عزلة الحزب إنما هو من وحي "المغرضين والمشوشين على مسار الحزب الهائل، بعد أن حقق قفزة كبيرة جداً بين انتخابات 2011 و2016"، على حد وصفه. وحل "الأصالة والمعاصرة" ثانياً هذا العام بينما حصد المرتبة الرابعة في 2011.
ويوضح القيادي في الحزب أن مبادرة رفع مذكرة إلى الملك المغربي أو رفض التحالف مع الحزب المتصدر أي "العدالة والتنمية" عبارة عن "قرارات مستقلة وسيادية للحزب، ولا تعني بأنه منعزل، بل بالعكس تفيد بأنه دينامي ومتحرك ويتقدم إلى الأمام"، على حد قوله.
في المقابل، يخالف الخبير السياسي محمد عصام لعروسي هذا الرأي. ويسرد في حديث لـ"العربي الجديد" اعتبارات عدة تبين احتمال وجود هذا الحزب في عزلة، أولها أنه لا يتوفر على مشروع سياسي متكامل بإمكانه أن يملأ الفراغ السياسي والإيديولوجي الذي قد تتركه بعض الأحزاب.

ويشرح لعروسي بأن "الأصالة والمعاصرة" بنى مشروعه السياسي على مواجهة الإسلاميين لا سيما حزب العدالة والتنمية، ما يعني وجوباً أن سبب تواجد الأصالة والمعاصرة لا يعطيه الزخم والشرعية الكاملة في المشهد السياسي المغربي في ظل عجزه عن تقديم الإضافة المطلوبة، على حد وصفه.

أما الاعتبار الثاني، بحسب لعروسي، فيتمثل في أن هذا الحزب "أدى دور التشويش وخلخلة الحياة السياسية المغربية من خلال استهلاك رصيد الأحزاب الأخرى". وسيطر "الأصالة والمعاصرة" على مقاعد الأخرى في الانتخابات سواء المحلية أو البرلمانية، خصوصاً الأحزاب التي كانت عادة ما تحصد العديد من المقاعد في القرى، كحزب الحركة الشعبية وحزب الاستقلال وحزب الأحرار، من خلال الاستعانة بالأعيان ورجال الأعمال.

ووفقاً للعروسي ثمة اعتبار ثالث يتجسد في دعوة الحزب إلى المصالحة، ما يعد "إقراراً بفشله للوصول إلى السلطة التي كانت هدفه الأساسي من الصراع، والفشل في إسقاط حزب العدالة والتنمية". كما يشير إلى عامل رابع يتمثل في كون حزب العدالة والتنمية تمكن من "الانصهار في عمق ثقافة النظام الحاكم، وإقراره بكل الحدود المفروضة في علاقته مع المؤسسة الملكية، وهو ما يفيد قطع الطريق على الأصالة والمعاصرة لنسف متانة وقوة هذه العلاقة"، على حد وصفه. ويرجح لعروسي أن الحزب بعد ثمان سنوات من المعارضة لن يقوى على ضم العديد من الكوادر، وسيصعب عليه إقناع المنخرطين بسفينة الحزب طالما أن العديد من النخب والأعيان والفئات النافذة راهنت على استثمار نجاح الحزب في الانتخابات للظفر بمناصب المسؤولية في الحكومة وفي العديد من مؤسسات الدولة. ويعزز هذا الأمر من احتمال تعرض الحزب إلى "موجة كبيرة من الانسحابات والانشقاقات".