حرب الموصل تدخل أسبوعها الثاني: ألغاز ومفاجآت وتعديل للخطط

حرب الموصل تدخل أسبوعها الثاني: ألغاز ومفاجآت وتعديل للخطط

24 أكتوبر 2016
سقط للبشمركة 70 قتيلاً وجريحاً (إمراح يرولماظ/الأناضول)
+ الخط -
أنهت معارك الموصل، وعلى محاورها السبعة المشتعلة، أمس الأحد، أسبوعها الأول من القتال المتواصل، بواقع 168 ساعة من القتال البري والقصف الجوي، استطاعت خلاله القوات العراقية المشتركة، المدعومة بقوات التحالف الدولي ومليشيات "الحشد الشعبي" والبشمركة، تحقيق تقدم ملحوظ على الأرض، عبر السيطرة على نحو مائة كيلومتر من بلدات وقرى وقصبات المدينة، التي ما تزال من الناحية العسكرية، حتى الآن، بعيدة عن المناوشات الجارية على أطرافها. لكن الأسبوع الأول كان مليئاً بـ"المفاجآت" غير السارة بالنسبة للجهة المهاجمة، خصوصاً مع تمكن "داعش" من فتح جبهات موازية في كركوك وعلى الحدود الأردنية. كما كانت الأيام السبعة الماضية حبلى بألغاز لا تزال تحيّر كثيرين، ولا سيما تلك المتصلة باستراتيجية ترك مسرب مفتوح لمقاتلي التنظيم لجهة الحدود السورية ــ العراقية. أما مدنيو الموصل، فقد ظلوا الحلقة الأضعف مثلما كان متوقعاً، وسط تعزيز الشكوك ببعض "النوايا الطائفية" حيال مصير محافظة نينوى.

ويجب على القوات المهاجمة السيطرة على بلدات وأقضية كبيرة يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) حالياً قبل الوصول الى أسوار مدينة الموصل. وأهم تلك البلدات هي الحمدانية وبعشيقة وتلكيف وحمام العليل والشورى، فضلاً عن قصبات محيط الموصل، التي هي عبارة عن أرياف وقرى ذات تضاريس غير سهلة. وتعول قيادة عمليات تحرير نينوى على الانهيار السريع والمفاجئ لتنظيم "داعش" على غرار ما حصل في الفلوجة منتصف العام الحالي، وذلك من خلال تكثيف الضربات الجوية والصاروخية، وهو ما بدا واضحاً في سابع أيام المعركة (أمس الأحد)، إذ تؤكد قيادات عسكرية عراقية، لـ"العربي الجديد"، أن "أكثر من 180 غارة جوية وضربة صاروخية ومدفعية وجهت لمعاقل التنظيم خلال 16 ساعة فقط داخل الموصل وعلى أطرافها". وشاركت مروحيات "أباتشي" أميركية في المعارك للمرة الرابعة على التوالي منذ بدء القتال حول المدينة، وهو ما يعزز فرضية تدخل أكبر في حال استعصاء المدينة أكثر.

وبشكل عام تستعرض "العربي الجديد" أبرز المناطق التي تم استعادتها من "داعش" ورفع العلم العراقي فوقها خلال الأسبوع الأول من القتال، فضلاً عن خسائر التنظيم البشرية والمادية وفقاً لتقارير عسكرية عراقية حصلت عليها "العربي الجديد"، إضافة إلى خسائر القوات العراقية المشتركة. واستطاعت القوات المشتركة استعادة قرى بازخري، بازكرتان، ترجلة، كبرلى، خراب سلطان، شيخ أمير، شاقولى، بدنة الكبرى، بدنة الصغرى، السرت، مهندس الناصر، السعيوية، الزاوية، وادي الصف، وادي الفج، جديدة الغربية، النجمة السفلى والعليا، كبر نايف، الناصية، سيد حسن، البيجوانية العليا والسفلى، بشمانة، السرج، اللزاكة، مفتل، أم المناسيس، السفينة، ونعناعة. أما القصبات التي استعيدت فهي الحود، الشرقي، الزاوية، الخالدية، عين مرمية، البيجوانية الثالثة، الدرج، البكر الأولى والثانية، فيما تمت استعادة بلدات الرفلة، برطلة، الشوريات، تلول الناصر، تل الشوق، رفيلة، الصلاحية، سيداوة، المشراق، قرقوش وأجزاء من الحمدانية الجنوبي.


وبحسب التقرير الصادر عن غرفة العمليات المشتركة في وزارة الدفاع العراقية، والذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، فإن الخسائر البشرية للتنظيم بلغت 540 بين قتيل وجريح، بينما تمثلت الخسائر المادية بأكثر من 100 آلية متنوعة، فضلاً عن منصات صواريخ ومدافع ومخازن أسلحة ومقار وأنفاق. ويلاحظ، بحسب الحصيلة، أن غالبية الخسائر التي مني بها التنظيم جاءت عبر القصف الجوي لقوات التحالف الدولي ما يجعلها مفتاح النصر في هذه الحرب. وترابط القوات العراقية القادمة من المحور الجنوبي على بعد 20 كيلومتراً من الموصل، ووصلت من المحور الشرقي، الذي يسيطر عليه ائتلاف قوى من البشمركة وجهاز مكافحة الإرهاب العراقي فضلاً عن "الحشد العشائري" إلى 9 كيلومترات، ومن المحور الشمالي أصبحت على بعد 17 كيلومتراً. وبلغت حصيلة خسائر القوات العراقية، وفقاً لتقارير وحدة الطبابة العسكرية كالتالي: 203 قتلى وجرحى من الجيش والقوات النظامية الأخرى، و70 قتيلاً وجريحاً من البشمركة، و43 قتيلاً وجريحاً من مليشيات "الحشد الشعبي"، وقتيل من مليشيا "بابليون" المسيحية، واثنان من قوات العشائر، وقتيل من فصيل "الضياغم" التابع لعشيرة شمر، وثلاثة من مليشيا أيزيدية راديكالية تشارك في الهجوم مع البشمركة، بالإضافة إلى جندي أميركي من الفرقة 101.

وقال العميد الركن من قيادة عمليات تحرير نينوى، ماجد عبد الكريم، إن "القوات العراقية استطاعت الدخول إلى ناحية قرقوش وتحاصر بعشيقة، كما تخوض معارك حول بلدة تلكيف"، مضيفاً أن "الجهود منصبة في الوقت الحالي على انتزاع البلدات الثلاث الأكثر أهمية، وهي تلكيف والحمدانية وبعشيقة قبل التقدم إلى مدينة الموصل"، مرجحاً أن "يتم ذلك خلال الأسبوع الحالي". وشاركت مروحيات "أباتشي" أميركية في عمليات القصف والتصدي لمقاتلي "داعش" في منطقة الخزنة غرب برطلة، بينما تستمر المقاتلات الأميركية بقصف مواقع وأهداف في الموصل ومناطق أخرى.

وما زال المحور الغربي لمدينة الموصل المفضي إلى الأراضي السورية مفتوحاً على عكس المحاور الأخرى، وهو ما مكّن "داعش" من نقل أعداد كبيرة من مقاتليه إلى المدينة قادمين من سورية، وغالبيتهم من جنسيات غير عراقية، بحسب ما ذكرته مصادر من داخل المدينة لـ"العربي الجديد". ويرفض قادة عسكريون في الجيش العراقي الإجابة على استفسارات حول بقاء مناطق كبيرة في المحور الغربي مفتوحة على سورية، ويستطيع عبرها عناصر التنظيم التنقل ليلاً بسهولة إلى دير الزور السورية ومنها إلى الرقة. وقال ضابط عراقي رفيع المستوى في وزارة الدفاع، لـ"العربي الجديد"، إن "إبقاء مناطق كثيرة تمثل قنوات وصل بين الموصل وسورية يأتي ضمن الخطة وجزء أساسي منها"، مضيفاً "قد يراد للموصل أن تكون إسفنجة للتنظيم عبر ما نراه من تسلل عناصر من سورية إليها، وقد يكون العكس بانسحاب مقاتلي داعش إلى سورية بعد تيقنهم من الخسارة، وهذا أكثر ما يقلق أنقرة التي ترى في هذا الاحتمال سيناريو خطيراً وتهديداً لجهود عملية درع الفرات، من المؤكد أن الآلاف الذين سينسحبون من الموصل سيكونون في مناطق وبلدات قرب الأراضي التركية"، معتبراً أن "الأيام المقبلة كفيلة بتوضيح كل شيء".

ولم تمض أيام الأسبوع الأول حتى اضطرت قيادة معركة الموصل إلى تنفيذ أول تعديل على خطة الهجوم، بسبب وقائع فرضتها المعركة، بحسب ضباط ميدانيين تحدثوا إلى "العربي الجديد". وقال عميد في الجيش العراقي إن "تحديات فرضتها وقائع المعركة اضطرت القيادات العسكرية الأميركية والعراقية إلى إجراء تغييرات سريعة على الخطة"، موضحاً أن "عمليات الالتفاف والتقدم السريع للقوات العراقية أدت إلى ترك جيوب غير قليلة لداعش خلفها، مكنتها من شن هجمات على المواقع الخلفية للجيش العراقي. كما أن عملية الالتحام القريب بين القوات العراقية والبشمركة من جهة ومسلحي داعش من جهة أخرى عطلت سلاح الجو وجعلته غير فعال، بسبب قرب المسافة بين الطرفين"، لافتاً إلى أن التحديثات على الخطة كانت سريعة، وجرى نقل قطع عسكرية واستبدالها بأخرى، فضلاً عن طلب إيصال أسلحة متوسطة وصواريخ ذكية لمعالجة السيارات المفخخة، بسبب ارتفاع خسائر القوات المشتركة بسببها. وأكد قائد عمليات تحرير نينوى، اللواء الركن نجم الجبوري، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن "الأسبوع الحالي هو أسبوع حسم أطراف الموصل"، مبيناً أن "الهدف هو السيطرة على أطراف الموصل، وهو ما يتحقق لدينا بشكل تدريجي، وسيتم بعدها البدء بالحديث عن معركة اقتحام الموصل".

وبالتزامن مع زيارة خاطفة لوزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، إلى محور الخازر شرقي الموصل، التقى خلالها بجنوده فضلا عن قوات البشمركة، قبل أن ينتقل إلى أربيل، كان هناك فريق من المستشارين الإيرانيين التابعين للحرس الثوري سبقوا زيارة الوزير بفارق زمني لا يزيد على ثماني ساعات، وتجولوا في قرية اللزاكة على محور القيارة الجنوبي، يرافقهم معممون عراقيون، والتقوا بمليشيات "الحشد" وعدد من القادة البارزين فيها. واقتصرت الزيارات على الدعم المعنوي ومحاولة الظهور بدور الراعي للمعركة التي بدت الانقسامات وتضارب المصالح والأجندات حولها كبيرة.

وكشف نزوح بضع مئات من العوائل، خلال اليومين الماضيين من قرى وقصبات الموصل، خللاً كبيراً في التحضيرات. وكانت الحكومة العراقية وبعثة الأمم المتحدة قد أعلنتا في أكثر من مناسبة إعداد خطة لتأمين وضع إنساني مناسب للسكان المحليين الفارين من جحيم المعارك. وأظهرت إفادات لمواطنين فارين من المعارك سوء معاملة من قوات الأمن النظامية الموجودة في المحورين الشمالي والشرقي وعمليات ضرب وتعذيب وقتل في بعض الحالات من قبل المليشيات الموجودة على المحور الجنوبي من الموصل.

ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية فإن "الحكومة لم تبلغهم أي تفاصيل عن خطة إخلاء المدنيين حتى الآن، أو نقلهم من مناطق التماس مع تنظيم داعش"، فيما أكد مواطنون فارون من المعارك لـ"العربي الجديد" أنهم أمضوا اول ليلة (السبت) في العراء بلا طعام، وتم إيداع النساء والأطفال في مدرسة ابتدائية رغم البرد، بينما بقي الرجال في الشوارع. وقال طبيب يدعى مهند حمود، من منظمة محلية عراقية توجد في مناطق عدة حول الموصل لتقديم المساعدة لـ"العربي الجديد"، إن "طفلة وسيدة توفيتا خلال هربهم مع آخرين من قرية الشورى، كمل قتل تسعة مدنيين خلال فرارهم من المعارك بنيران قناصة مجهولين"، مضيفاً أن "الحكومة مطالبة بتوجيه قوات الجيش والشرطة إلى احترام حقوق الإنسان وحماية المدنيين وعدم التعامل معهم بطائفية، كون فعل العكس يعطي انطباعاً سلبياً يصب في مصلحة داعش". وأكد عضو لجنة حقوق الإنسان في نينوى، محمد الطائي، أن نحو 600 عائلة فرت خلال اليومين الماضيين، وبدا الإرباك والتخبط على من تم تنصيبهم مشرفين على خطة إغاثة سكان الموصل، متسائلاً عن "كيفية تعاملهم مع الموضوع في حال الاقتراب من الموصل وفتح ممرات آمنة وبدء تدفق مئات الآلاف مرة واحدة"، مشيراً إلى أن التقصير وسوء التخطيط كانا واضحين على لجنة الحكومة العراقية وبعثة الأمم المتحدة.