تل رفعت قبل الباب: بداية النهاية للمطامع التوسعية الكردية

تل رفعت قبل الباب: بداية النهاية للمطامع التوسعية الكردية

23 أكتوبر 2016
"قسد" تقدمت شمال حلب بغطاء روسي (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
تدور معارك بين قوات تابعة للمعارضة السورية، وبين ميليشيا قوات "سورية الديمقراطية"، التي تشكّل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، حول مدينة تل رفعت شمال حلب، في مسعى من المعارضة لاسترداد هذه المدينة وما حولها من "سورية الديمقراطية"، بعد أشهر من استيلاء الأخيرة عليها، حيث يرى مراقبون أن الظروف التي سمحت لهذه المليشيا بـ"التمدد" قد انتهت. وبدأت قوات المعارضة عملاً عسكرياً يهدف إلى طرد ميليشيا قوات "سورية الديمقراطية" من مدينة تل رفعت وقرى في محيطها. وذكرت مصادر، لـ"العربي الجديد"، أن قوات المعارضة شنت السبت هجوماً على قرية الشيخ عيسى الواقعة شرقي مدينة تل رفعت بنحو 3 كيلومترات، وأن معارك تدور على محور الحصية، وحربل، وقرى أخرى جنوبي تل رفعت تسيطر عليها قوات "سورية الديمقراطية"، والتي تُعرف اختصاراً بـ"قسد".

وترافقت هذه الأعمال العسكرية، وفق المصادر، مع هجوم آخر شنه مساء السبت مقاتلو المعارضة على مجموعات من "قسد" ترابط على المدخل الشمالي لمدينة تل رفعت، مضيفة أن الهجوم على المدينة يتم من ثلاثة محاور: الشرقية، الجنوبية، الشمالية. وكانت قوات "سورية الديمقراطية" قد سيطرت على تل رفعت وعدة مناطق حولها، منها مطار منغ العسكري، بداية فبراير/شباط الماضي تحت غطاء ناري غير مسبوق من الطيران الروسي، إبان الخلاف بين موسكو وأنقرة على خلفية قيام طيران الأخيرة بإسقاط طائرة روسية شمال غرب سورية أواخر العام الماضي. ودعمت موسكو مليشيات الوحدات الكردية في سياق التناحر السياسي الذي اندلع بين الروس والأتراك. وسمح الغطاء الجوي الروسي لهذه المليشيا بالتقدم شمال حلب، قبل أن يسحب التفاهم التركي الروسي البساط من تحت هذه المليشيا، التي باتت تشعر أنها كانت مجرد ورقة تتبادلها أطراف إقليمية ودولية في الصراع الدائر على سورية، وهذا ما ألمح له صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية له، حيث قال في تصريحات تلفزيونية السبت الماضي إن هناك ضوءاً أخضر من الروس والأميركيين للأتراك للتدخل عسكرياً في شمال سورية.

وكانت المعارضة السورية قد بدأت أواخر أغسطس/آب الماضي عملية "درع الفرات"، بدعم مباشر من الجيش التركي، واستطاعت خلالها طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من الشريط الحدودي مع تركيا، وسيطرت على مساحات كبيرة، وباتت على أبواب مدينة الباب، آخر معاقل التنظيم في شمال سورية. وتدل مؤشرات على أن المعارضة أجرت تغييراً على استراتيجية عملية "درع الفرات"، حيث كان من المنتظر أن تتجه نحو مدينة الباب، لكنها اتجهت نحو مدينة تل رفعت لطرد الوحدات الكردية منها ومن قرى حولها قبل اقتحام الباب. وتقع مدينة تل رفعت شمال مدينة حلب بنحو أربعين كيلومتراً، كما أنها لا تبعد عن مدينة إعزاز الحدودية سوى 7 كيلومترات، وكان يقطنها نحو مائة ألف مدني قبل أن تستولي "قسد" عليها، من بينهم 30 ألف نازح من عدة مناطق سورية. ونزح كل من كان في المدينة إلى الحدود السورية التركية إبان عمليات النزوح الكبير الذي شهدته مناطق شمال حلب في فبراير، رافضين دعوات "قسد" للعودة، فهي بنظرهم "قوات احتلال"، متهمة بالتنسيق مع قوات نظام بشار الاسد، والروس، والمليشيات الطائفية الإيرانية.



ويؤكد الصحافي من أبناء تل رفعت، مرشد النايف، أن المواجهة التي تدور حالياً هي "معارك تحرير، بين أصحاب الأرض الحقيقيين في ريف حلب الشمالي، مثل مدينة تل رفعت، ودير الجمال، ومرعناز، ومنغ، وعشرات القرى العربية، وبين مليشيات قسد التي احتلتها"، مشيراً إلى أن المواجهة تتم بين المكون العربي من أهل الريف الشمالي، وبين فصيل كردي، لا يعبّر عن جميع الأكراد الموجودين في الشمال السوري منذ آلاف السنين.

ويُتهم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بخلق توتر عربي كردي من خلال استيلاء ذراعه العسكرية (الوحدات) على مناطق عربية، في إطار مخطط يعمل عليه لإنشاء إقليم كردي على طول الشريط الحدودي مع تركيا. كما يُتهم من قبل منظمات حقوقية دولية بتنفيذ عمليات تهجير عرقي طاولت عرباً وتركمانيين، مستفيداً من الحرب على "داعش" واعتماد التحالف الدولي على الوحدات الكردية في محاربة التنظيم.

لكن مستشار الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي، سيهانوك ديبو، يؤكد أن الحزب لم يسع إلى "تهيئة الصدام الكردي العربي"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد"، "من خلال نموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية، ومنذ تأسيسها نقول إنه وقت ربيع العلاقات الكردية العربية السريانية وجميع المكونات الأخرى". وكان الحزب قد أعلن مع أحزاب أخرى ما يُسمّى بـ"الادارة الذاتية" في مناطق استولى عليها بتسهيل من قوات نظام الأسد في محافظة الحسكة في أقصى شمال شرق سورية، وفي مدينة تل أبيض شمال الرقة، وفي مدينة عين العرب شمال شرق حلب، وفي مدينة عفرين شمال غرب حلب، طارحاً فكرة الفيدرالية في شمال سورية، وهو ما رفضته المعارضة السورية، معتبرة هذا الطرح محاولة لتقسيم البلاد. وحاول الحزب ربط هذه المناطق جغرافياً، لفرض واقع جديد يمكنه من المضي في مشروعه، لكن التدخل التركي أفشل هذا المخطط، حيث أنهت تفاهمات دولية، وإقليمية، مطامع هذا الحزب في شمال سورية. ويرى ديبو أن "قوات سورية الديمقراطية تصد وتناضل ضد الاحتلال التركي حول مدينة تل رفعت"، مضيفاً "لا نستبعد أن يكون بعض الأكراد موجودين في ذلك الطابور الخامس المصنوع من قبل تركيا والمتحرك وفق أجنداتها"، في إشارة منه إلى قوات المعارضة التي تحاول استرداد مدينة تل رفعت. ورفض ديبو فكرة تخلي الروس والأميركيين عن الوحدات الكردية، مشيراً إلى أنه "من المبكر جداً أن يتم استخلاص أن التحالف الدولي، أو أي طرف دولي، يفكر أن يتجاوز وحدات حماية الشعب، والمرأة وعموم الفصائل الثورية الموجودة في قوات سورية الديمقراطية، لأن داعش وتنظيمات إرهابية أخرى لا زالت موجودة"، معرباً عن قناعته بأن المرحلة التي ستلي هزيمة التنظيم "لا يمكن لأحد أن يتجاوز فيها القوى السياسية في الإدارة الذاتية الديمقراطية، وحضورها الحاسم للوصول إلى تسوية للأزمة السورية".

من جهته، يرى عضو المكتب السياسي في حركة نور الدين الزنكي في حلب، بسام حاج مصطفى، أن "الظروف التي سمحت لحزب الاتحاد الديمقراطي، فرع حزب العمال الكردستاني التركي، بالتمدد انتهت"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "سينسحب من كل المناطق التي تمدد إليها في سياق محاولة فرض خريطة تقسيم لسورية تحت شعارات الفدرلة، والديمقراطية". ورأى أن "مغامرة حزب الاتحاد الديمقراطي تشهد نهايات حادة"، لافتاً إلى أن تصريحات صالح مسلم عن تخلي الروس والأميركيين عن حزبه تؤكد ذلك. وأشار حاج مصطفى الى أن حزب الاتحاد الدمقراطي خاصم الأكراد على اختلاف مشاربهم، وقام بعمليات تهجير وجنّد الأطفال، ومارس الإخفاء القسري، والاغتيال، والسلب، ودعم إيران في الضغط على إقليم كردستان العراق.