خطوات التطبيع مستمرة على خط السودان والغرب

خطوات التطبيع مستمرة على خط السودان والغرب

22 أكتوبر 2016
بدأ السودان تطبيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر (ابراهيم حميد/الأناضول)
+ الخط -

بات السودان على بعد خطوات من تطبيع علاقاته مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بعد التغيير الكبير في مواقف تلك الدول تجاهه، في ظلّ ظهور المشاكل الجديدة المتصلة بعملية الاتجار بالبشر التي تهدد أوروبا، والمتعلقة بملف الإرهاب الدولي، الذي يمثل السودان مرتكزاً في محاربتهما ومفتاحاً، لناحية توقيف نزيف الهجرة نحو الغرب، فضلاً عن أن للسودان دوراً في استقرار دولتي ليبيا وجنوب السودان.

مع العلم أنه في ملف الهجرة، أجرت منظمات دولية متخصصة دراسات، ينتظر إعلان نتائجها لاحقاً، تتصل بتقييم عمليات الهجرة نحو أوروبا ومتطلبات توطين طالبي الهجرة ببلدانهم وبمناطق العبور، وذلك عبر تنفيذ خطة استراتيجية رُصد لها أكثر من 60 مليار يورو، بغية تحقيق التنمية وايجاد فرص عمل وبيئة جاذبة تحدّ من الهجرة إلى أوروبا. وقد اختير السودان ضمن ثلاث دول لتنفيذ الخطة الاستراتيجية، باعتباره من أهم دول عبور طالبي الهجرة إلى أوروبا، التي ازدادت حدتها بعد الأحداث الدامية التي وقعت في ليبيا.

وبدأ السودان بالفعل في تطبيق إجراءات لتأدية دور مهم في ما يتصل بمكافحة الاتجار بالبشر، فنشر كتيبة من قوات الدعم السريع "الجنجويد" لضبط الحدود مع ليبيا، ومكافحة تهريب البشر. ومضى في توقيع اتفاقيات مع دول أوروبية في ذاك الاتجاه، فضلاً عن تلقّي دورات تدريبية للمتخصصين في هذا المجال.

في هذا السياق، أفاد مصدر في الاتحاد الأوروبي لـ"العربي الجديد"، أن "خطة غربية باتت جاهزة تقضي بمنح مساعدات مالية للسودان، لتحقيق التنمية وإيجاد بيئة جاذبة للاجئين، عبر توفير حياة كريمة لهم وفرص عمل وتحسين نوعية الخدمات. والخرطوم وافقت على الخطة".

لكن مصادر سودانية أكدت أن "استفادة السودان من الأموال الغربية وتحسين الوضع الاقتصادي، مرتبط بجملة من الشروط، كما أبدى التزاماً بتنفيذها، بينها إيقاف الحرب في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، والوصول لتسوية سياسية شاملة لإنهاء حالة الاستقطاب السياسي الحاد في البلاد، بغية تهيئة المناخ المناسب لتنفيذ الخطة القائمة على التنمية".

وأشارت إلى أن "الملف مرتبط بجملة من التنازلات من الحكومة السودانية في ملف حقوق الإنسان والحريات"، لافتة إلى أن "الخرطوم قامت بخطوات عدة في ذلك، واعدة بتعديل القوانين لتتماشى مع القوانين الدولية، خصوصاً بما يتصل بقضايا حقوق الإنسان". وذكرت أن "الرئيس السوداني عمر البشير أقرّها في خطاب ألقاه في افتتاح جلسة البرلمان السوداني الشهر الماضي".



ورأى مراقبون أن الخرطوم تحاول تحقيق مكاسب من خلال الدور الذي ينتظرها، لاسيما أنها أصبحت تشعر بوجودها في موقع "القوي"، باعتبارها اللاعب الأساسي في قضية وقف نزيف الهجرة نحو أوروبا، التي باتت تثير قلق الدول الغربية، وساهمت بشكل أساسي في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. بالتالي ينظر السودان إلى الملف كورقة قوية لتخفيف الضغوط الغربية عليه والحدّ من إجباره في تقديم تنازلات أكبر خلال التسوية الداخلية.

واعتبر المراقبون أن الخرطوم نجحت في إمساك جملة من الأوراق في يدها، لتحقيق مكاسب لها، من بينها ورقة جنوب السودان، وذلك بإظهار موقف المحايد. كما أمسكت في الوقت عينه زمام الأمور بتحريك المعارضة المسلحة الجنوبية، وفقاً لمصالحها سلباً وإيجاباً، مشيرة إلى أنها "ستعمل بقوة نحو توجيه الضغط الدولي والإقليمي تجاه المعارضة المسلحة والسلمية للدخول في الحوار والوصول لتسوية سياسية، من دون المساس بمكتسبات الحزب الحاكم في السودان".

في المقابل، رأى مراقبون آخرون أن التقارب الأوروبي الأميركي، من شأنه أن يُواجَه بردة فعل قوية من المعارضة المسلحة والسلمية، بالتفكير في تفجير الأوضاع داخل الخرطوم نفسها، للفت الأنظار نحوها وتعديل ميزان القوى، خصوصاً أن الخطوة من شأنها أن تقلّل فرصها في تحقيق مكاسب.

ووفقاً لمصادر متابعة فإن ترتيبات تُجرى حالياً لعقد لقاء مشترك يجمع الحكومة وقوى نداء السودان، التي تضمّ المعارضة المسلحة والسلمية، بوساطة الآلية الأفريقية برئاسة، ثامبو أمبيكي، بنهاية الشهر الحالي للمضي قدماً في تنفيذ خريطة الطريق. كما تُجرى مفاوضات ثنائية بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال والحركات المسلحة الدارفورية، للاتفاق على وقف الأعمال العدائية في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. وأكدت المصادر أن "القوى الدولية تضع سقفاً لإلحاق الجميع بالحوار والوصول لتسوية سياسية شاملة مطلع ديسمبر/كانون الأول المقبل لبدء تنفيذ الخطة الاستراتيجية الخاصة بالهجرة مطلع يناير/كانون الثاني المقبل".

وعملياً بدأت القوى الغربية تنفيذ ضغوط قوية على المعارضة المسلحة للمشاركة في الحوار الوطني، وهو ما تنظر إليه المعارضة بكثير من الاهتمام، جرّاء تأثرها فعلياً بالتعقيدات التي طاولت المنطقة، وأربكت عملية التحالفات الدولية، خصوصاً في ليبيا وجنوب السودان، فضلاً عن التقارب السوداني التشادي، والسوداني الأوغندي.

في هذا السياق، شدّد مقرّبون من الرئيس السوداني عمر البشير على أن الرجل بات مستعداً هذه المرة للمضي قدماً نحو الحوار، لإخراج البلاد من أزمتها، والاستفادة من الميزات الغربية، وإخراج البلاد من دائرة الحصار والعقوبات الاقتصادية الدولية. ذلك لأن البشير بدا مصمماً على عدم الترشح لولاية جديدة مع نهاية الحالية في عام 2020، لأسباب صحية وبسبب الإنهاك.

وأكدت مصادر أن الرجل وجد التزاماً دولياً وإقليمياً بإزالة شبح الملاحقة الجنائية عنه، عبر إسقاط التهم والملاحقة الجنائية بتفعيل البند 16 من ميثاق الأمم المتحدة، القاضي بتجميد قرار الجنائية. وذكرت أن إعادة الجنائية ملف الرئيس البشير لمجلس الأمن أخيراً، كانت خطوة تهدف لتطمين الرجل، حتى أنه زار دولاً مصادقة على الجنائية كأوغندا وجنوب أفريقيا.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي الطيب عابدين، لـ"العربي الجديد"، إن "أية مساعدات غربية أو قرارات أميركية في ما يتصل بالتطبيع أو رفع العقوبات وإنهاء العزلة الدولية للسودان، مرتبطة بتحقيق السلام فيه، وتحقيق تسوية سياسية حقيقية".

وأوضح أن "برنامج التنمية الذي تعتزم أوروبا تنفيذه في السودان، لن يكتمل ما لم تنته الحرب في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، باعتبارها مناطق جاذبة لتحقيق التنمية، بالنظر لمواردها وثرواتها. ويمكن أن تمثل انطلاقة لأي عمل استثماري أو تنموي".

وأضاف أن "أي خطوة في هذا الاتجاه مرتبطة بإجراء حوار وطني حقيقي، يشارك فيه الجميع من دون استثناء، لاسيما المعارضة المسلحة. فعملية الحوار لم ولن تكتمل سوى في حال قدمت الحكومة تنازلات وضمنت القوى الدولية تنفيذ مقررات الحوار، لأن المعارضة لا تثق بالحكومة".

وكان السودان قد أنهى، أخيراً، مؤتمر الحوار الوطني بمشاركة نحو 99 حزباً، أغلبها أحزاب حليفة مع الحكومة، وأخرى معارضة، لا وزن سياسياً لها، باستثناء المؤتمر الشعبي، الذي فقد بريقه أخيراً بوفاة زعيمه، حسن الترابي، في فبراير/شباط الماضي، بينما قاطعت الحركات المسلحة الدارفورية، والحركة الشعبية قطاع الشمال وحزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي والحزب الشيوعي بزعامة مختار الخطيب، الحوار.

واتفقت القوى المشاركة على مجموعة من التوصيات، فضلاً عن الوثيقة الوطنية، التي عدّتها أساساً لإقرار الدستور الدائم، بينما رفضت القوى المعارضة ذلك، مطالبة بحوار جدي، يقوم على هيكلة عملية الحوار واختيار رئيس محايد لها، فضلاً عن تهيئة المناخ عبر إطلاق الحريات وإعلان العفو العام عن المحكومين من قيادات الحركات المسلحة غيابياً بالإعدام، فضلاً عن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين.


المساهمون