سفير فلسطين في فرنسا: قرار "يونيسكو" دحض الرواية التوراتية

سفير فلسطين في فرنسا: قرار "يونيسكو" دحض الرواية التوراتية

18 أكتوبر 2016
الهرفي: فرنسا تحاول عقد مؤتمر لحلّ القضية الفلسطينية(العربي الجديد)
+ الخط -

بعد صدور قرار "يونيسكو"، والذي يشير إلى إسلامية المسجد الأقصى، انفجر الاحتلال الإسرائيلي ليهدّد بوقف التعاون مع المنظّمة، وتناغمت مع الموقف الإسرائيلي مواقف بعض المسؤولين فيها، إن عبْر تصريح المديرة العامة للمنظمة، إيرينا بوكوفا، أو رئيس المجلس التنفيذي، سفير دولة ألمانيا، ستيفان كرافيليكي.

أسئلة كثيرة أثيرت حول هذه المواقف، والتي رأى بعض فيها "انحيازاً" للرواية الإسرائيلية. هذه الأسئلة، وسواها، طرحها "العربي الجديد" على سفير دولة فلسطين في فرنسا، سلمان الهرفي، فكانت إجاباته قاطعة وصريحة. لم تخْلُ من صرامة حين عاب على بوكوفا "تدخّلها فيما لا يعنيها"، بوصفها مديرةً عامة ليس من مهامّها التعليق على مثل هذه القرارات، وعلى رئيس المجلس التنفيذي للمنظمة، والذي اعترض لأن النتائج "لم تعجبه". وقد جاءه الجواب، أمس الإثنين، من قبل المجلس، بأن رأيه مرفوض، وأن رئاسته أصبحت غير صالحة للمجلس، وتم تعويضه بالسفيرة السويدية.

وجاءت أجوبة السفير الفلسطيني على النّحو الآتي:

القرار الذي صوَّتت عليه منظمة اليونسكو إيجابي، فلماذا لم يَصدُر منذ فترة طويلة؟

القرار لم يتأخر، وجاء في وقته المناسب، في ظل هذه الحملة الصهيونية الشرسة لتهويد مدينة القدس، وتغيير معالمها التاريخية الإسلامية والمسيحية لحساب روايات غير صحيحة، وغير مثبتة تاريخياً، ولا توثيقيّاً، وهي روايات إسرائيلية مزيفة.

هذا الكلام ليس طرح الجانب الفلسطيني فحسب، وإنما هو رأي الكثير من علماء العالم، بمن فيهم بعض علماء إسرائيل نفسها، والذين دحضوا الرواية الإسرائيلية التوراتية، والتي تدّعي أن هنالك حقاً لإسرائيل في المسجد الأقصى ومحيطه.

هذا موضوع قديم وجديد. تحاول إسرائيل، بكل الوسائل، تزييف التاريخ، وإثبات شيء لا يمكن إثباته، من الدلائل العلمية، وقد بُتّ في هذا الأمر في عشرينيات القرن الماضي، وأيضاً في ثلاثينياته، من قبل المحكمة البريطانية، حينما تنازَعَ الجانب الفلسطيني والجانب اليهودي، ممثلاً بالوكالة اليهودية في ذلك الوقت، على ادعاء أن حائط البُراق له علاقة بما يسمى بحائط المبكى، وأعطت المحكمة البريطانية، أي محكمة الدولة المنتدبة على فلسطين، قرارَها ودحضت هذه الرواية، وقالت إن حائط البراق هو حائطٌ إسلامي ولا علاقة لليهود به، لا من قريب ولا من بعيد. وجاءت لجنة بيل، أيضاً، وأكدت على هذا القرار.

قرارات "اليونيسكو" والأمم المتحدة، كلّها، تعتبر الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، أراضي محتلة، وليست أراضي متنازعاً عليها، كما تدّعي إسرائيل، ولا أراضي إسرائيلية. وعليه، فقد جاء هذا القرار منسجماً مع الشرعية الدولية، ومع الحقائق التاريخية، ومع أصحاب الحق والعدل، أي الشعب الفلسطيني.

هذه الأرض فلسطينيةٌ، قبل أن تكون تابعة لأي ديانة من الديانات. وكل هذه الديانات كانت واردة على فلسطين، وفلسطين مُستَقبِلَة لها. وبما أن فلسطين هي مهد الديانات، فهي ترحّب بكافة الأديان ولا تميز بين دين وآخر.

أما ما تدّعيه حكومة إسرائيل؛ فهو كذبٌ ونفاق، وابتزاز للعالَم. ومزج للسياسة بالدين، وهذا موضوع خطير جداً. وعبر النظر إلى الموضوع وكأنه موضوع ديني يحاول نتنياهو أن يسترضي غلاة الاستيطان. العالم كلّه ضد هذا الاستيطان، بما فيه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها، وقد دلّت على ذلك مداولات مجلس الأمن الأخيرة.. الجميع ندّد بسياسة نتنياهو وسياسة الاستيطان، وكذلك أيضاً، المجتمع المدني الإسرائيلي. يحاول نتنياهو صناعة تاريخ مزيف، لا يوجد إلّا في مخيلته هو ومستوطنيه. وبالتالي، فنحن نثمّن جداً دور كل الدول التي أكدت على هذه الحقائق التاريخية في قرار الأمم المتحدة.

أمّا ما يتعلق بتصريح المديرة العامة لمنظّمة اليونيسكو، فقد جاء ردّ وزارة الشؤون الخارجية الفلسطينية بأن هذا الكلام مردودٌ عليها، وهي، كمديرة عامة، ليس من مهامّها التعليق على مثل هذه القرارات. لأن هذا عمل المجلس التنفيذي. وأيضاً، في ما يخص رئيس المجلس التنفيذي، فإن مهامّه إدارية وليست سياسية، وقد أدلى بصوته. ولو أردنا أن ننسجم مع ما قاله رئيس المجلس التنفيذي (بخصوص التأجيل على التصويت إلى فصل الربيع القادم)؛ لما مضت اليونيسكو في أي قرار. إذا مارسنا الديمقراطية، بكافة أشكالها وأبعادها، وجاء من يعترض لأن النتائج لا تعجبه؛ فهي ديمقراطية مفصّلة على مقياس السيد سفير ألمانيا، وقد جاء، أمس، الجواب من قبل المجلس، بأنّ رأيَه مرفوضٌ، وأن رئاسته أصبحت غير صالحة للمجلس، وبالتالي فهو تنحّى اليوم ليمنح رئاسة الجلسة للسفيرة السويدية، لأنه غير محايد. وبذلك، يكون المجلس قد رد على المديرة العامة لليونيسكو، والتي اعتذرت، إلى حدٍّ مَا، للمندوب الفلسطيني، وأبلغته أنها تريد احتواء الموقف، وليس تصعيده. هذا لأن تصريحها تصريحٌ مخالِفٌ للحقائق، ومنافٍ للأعراف الدبلوماسية، إذ ليس من حق المديرة العامة أن تعلق على قرارات المجلس التنفيذي، لأنها ليست أعلى من سلطة المجلس التنفيذي. إننا نحترمها ونقدّرها، ولكن هناك حدوداً لتدخلها.

كيف يمكن تفسير امتناع أغلبية الدول الأوروبية عن التصويت؟

الدول الأوروبية واقعة تحت الابتزاز الأميركي الإسرائيلي. الأوروبّيون يعرفون الحقيقة، وصوّتوا على هذا القرار، قبل ذلك في إسطنبول وتراجَعوا. ولكننا نتفهّم ظروفهم، رغم أننا لسنا سعداء بهذه الازدواجية. نحن نأسف لهذا التصويت بالامتناع، ولكن نحن نقول إن القرار تم إقرارُهُ. وهذا هو أهم شيء.

التصويت بالامتناع لا يُعَدّ تصويتاً، ولا يُحتَسَب، وبالتالي هم إذا أرادوا ألا تحتسَب أصواتُهُم، فهذا شيءٌ آخَر. نحن نثمّن لهم أنهم امتنعوا، وهذا أفضل من أن يصوتوا ضد القرار. وهذه كانت معركة دبلوماسية بيننا وبين إسرائيل، والتي حاولت كل جهدها أن تعطّل القرار، كما أن الولايات المتحدة الأميركية حاولت جاهدةً، هي الأخرى، أن تعطّله، وحاولت أن تفتح نقاشاً حوله، والمجلس التنفيذي رفض. ولم يثن على المندوب الأميركي أحَد، فوجدت الولايات المتحدة نفسَهَا معزولة. والذين امتنعوا فعلوا ذلك لمجاراة الأمر، فهم لم يريدوا أن يخلقوا معركة، أو يعطوا مبرّرا للمبتزّ الإسرائيلي أن يبتزَّهم أكثر.

هؤلاء لديهم أولويات، وهم يسعون إلى عقد مؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية، وبالتالي هم يريدون، ربما، أن يتركوا بعض الخيوط مفتوحة، لعلّها تقنع البعض. وهي رسالة إلى المجتمع الإسرائيلي؛ أكثر مما هي رسالة إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. والقرار بحد ذاته هو رسالة إلى نتنياهو أنه كفى استيطاناً.

أين وصلت الاتصالات الدبلوماسية لتحريك القضية الفلسطينية؟

الجانب الفرنسي يبذل، مشكوراً، جهوداً من خلال مبادرته لعقد مؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية، ووضعِ برنامج واضح وصريح لجدول أعمال هذا المؤتمر، على أن يتمكن من تحديد زمني للمفاوضات، إضافة إلى تحديد زمني لإنهاء الاحتلال. وهم، في هذا الصدد، يسعون جاهدين لإنجاز مؤتمر ناجح وإعداد جيد له. وبالتالي، فهم يوصون بأن ينعقد هذا المؤتمر قبل نهاية العام. وسينعقد اجتماع للخبراء في السابع والعشرين من هذا الشهر في هذا الخصوص، تليه، أيضاً، مشاورات إقليمية مع المعنيين، ومع الدول المهتمّة بهذا الموضوع، يقودها المبعوث الخاص لوزير الخارجية بخصوص المبادرة الفرنسية.

قبل فترة اعترف البرلمان الفرنسي، بشقيه، الشيوخ والنواب، بالدولة الفلسطينية المستقلة، فماذا عن الموقف الرسمي الفرنسي؟

يجب أن يُسأل الجانب الفرنسي عن الأمر، ونحن نتمنى أن تستجيب الحكومة. ونحن مستمرّون، دوماً، بمطالبة القيادة الفرنسية باتخاذ قرار الاعتراف. لأن من يريد حل الدولتين؛ عليه أن يعترف بالدولتين، وهذا هو منطق الأمور. ونحن في مسعى طيب وعلى علاقة طيبة بالمسؤولين الفرنسيين، ونأمل أن يتم هذا الاعتراف، قريباً.

المساهمون