الصراع على طرابلس: سيناريوهات مفتوحة عسكرية وسياسية

الصراع على طرابلس: سيناريوهات مفتوحة عسكرية وسياسية

18 أكتوبر 2016
معظم قوات المجلس الرئاسي منشغلة بمعركة سرت(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
تسيطر حالة من الفوضى على المشهد الليبي، بعد أن تمكنت حكومة خليفة الغويل وأعضاء من المؤتمر الوطني العام، من العودة إلى مقرات حكومية في العاصمة طرابلس كانت سلطات الغويل تشغلها في السابق، معلنين عدم الاعتراف بحكومة الوفاق ومجلسها الرئاسي برئاسة فائز السراج، ما دفع المجلس إلى إصدار بيان رد فيه بالوعيد، وسط توقعات باحتمال اندلاع صدامات مسلحة داخل العاصمة. هذه التطورات تأتي قبل اجتماع لدول جوار ليبيا يُعقد في النيجر غداً الأربعاء، لبحث الملف الليبي وقضايا الإرهاب وغيرها. ولم ينجح المجلس الرئاسي المدعوم من الأمم المتحدة حتى اليوم بتوحيد الفرقاء الليبيين، لتأتي المفاجأة من الغويل الذي أعلن عودته لمباشرة أعماله، من داخل مقرات المؤتمر السابقة والتي شغلها المجلس الأعلى للدولة في الفترة الأخيرة كوريث للمؤتمر الوطني بحسب نصوص الاتفاق السياسي الموقّع في الصخيرات. ودعا الغويل كل مؤسسات الدولة إلى العمل تحت إشرافه بوصف حكومته "الحكومة الشرعية".
لكن اللافت في بيان الغويل كان دعوته حكومة برلمان طبرق التي يرأسها عبدالله الثني، إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بالتشاور مع أعضاء المؤتمر الوطني العام في إطار حوار ليبي-ليبي كان قد أطلقه المؤتمر الوطني بالتنسيق مع البرلمان قبل عام، ونجح في عقد لقاء بين رئيس البرلمان عقيلة صالح ورئيس المؤتمر نوري أبو سهمين. ولاقت دعوة الغويل قبولاً من رئيس حكومة برلمان طبرق الذي أعلن استعداده لتشكيل لجان لدراسة المقترح بعد موافقة البرلمان.
هذه التطورات المترافقة مع حالة الفوضى العسكرية، تطرح سيناريوهات مختلفة لمسار الأوضاع الليبية في الفترة المقبلة، أولها أن تؤدي إلى صدام مسلح مع إصرار حكومة الغويل على موقفها من المجلس الرئاسي، لا سيما أن الأنباء تشير إلى وصول أرتال عسكرية موالية للغويل والمؤتمر الوطني، وتتبع لكتيبة المرداس في مصراته، إلى مقرات عسكرية جنوب وشرق العاصمة، بالإضافة إلى إمكانية انقلاب العديد من المجموعات المسلحة على المجلس الرئاسي، الذي فشل في حلحلة الأزمات في طرابلس. ويشير إلى ذلك نشوب صدام مسلح لساعات صباح أول من أمس الأحد بالقرب من طريق الشط في العاصمة، بين كتيبة من منطقة زاوية الدهماني وعناصر الأمن المركزي التابعة لوزارة داخلية حكومة الوفاق، نجم عنها وفاة عنصرين وجرح آخرين.
وفي حال وقوع هذه المواجهة المسلحة، فإن هذا الأمر قد يسمح للقوات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، المتربصة بالعاصمة والمتواجدة في منطقة ورشفانة، بأن تستغل الفوضى، لا سيما أن حلفاء حفتر السياسيين في الشرق تلقوا دعوة الغويل لتشكيل حكومة وحدة وطنية بالقبول، ما يعني سهولة سقوط العاصمة، في ظل انشغال أغلب القوات الموالية للمجلس الرئاسي في حربها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سرت.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في فشل محاولة حكومة الغويل والمؤتمر الوطني للسيطرة على طرابلس، خصوصاً أنها واجهت معارضة دولية واسعة، ولم تلقَ دعوة هذه الحكومة لمؤسسات الدولة للعمل تحت إشرافها قبولاً. فقد بادر المصرف المركزي إلى نفي الشائعات حول استعداده لتسييل ميزانية حكومة الغويل. وكانت قضية عجز حكومة الغويل عن دفع مرتبات المجموعات المسلحة سبباً رئيساً في انقلاب هذه المجموعات عليها إبان دخول المجلس الرئاسي إلى طرابلس، وإعلان ولائها له.
كما يبرز سيناريو ثالث، وهو استمرار الغموض والإرباك في المشهد لإظهار عجز المجلس الرئاسي عن حلحلة الأزمات السياسية والمعيشية في البلاد، وبالتالي إجبار المجتمع الدولي على التواصل مع رافضي اتفاق الصخيرات السياسي من المؤتمر الوطني وبرلمان طبرق لإيجاد صيغة سياسية جديدة تضمن حصة الطرفين في المشهد السياسي.


ومن اللافت أيضاً أن الغويل لم يغادر العاصمة منذ دخلت حكومة السراج إلى طرابلس قبل سبعة أشهر، فمن المعروف أنه يقوم بأعماله مع باقي أعضاء حكومته وأطراف من المؤتمر الوطني من داخل فندق "توباكتس" وسط العاصمة، ما يطرح سؤالاً عن معنى إعلان رجوعه من داخل مقراته السابقة؟ ويمكن الإجابة عن ذلك من خلال متابعة موقف أعضاء المؤتمر الوطني من الاتفاق السياسي، فقد شهد المؤتمر انقساماً كبيراً بين أعضائه حيال الاتفاق، إذ رفضت رئاسته والحكومة المنبثقة عنه الاتفاق، بينما شاركت مجموعة أخرى في التوقيع عليه في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي. وجاء هذا الانقسام بعد انتهاء عمليتي "فجر ليبيا" و"الشروق" مطلع عام 2015 اللتين رعاهما المؤتمر بكافة أعضائه. وقد يُفهم أن إصرار الغويل وبقايا أعضاء المؤتمر للعمل من داخل مقرهم السابق، والذي شغله أعضاء المؤتمر الموافقون على الاتفاق السياسي في شكل المجلس الأعلى للدولة، كموقف شخصي أكثر منه سياسيا، ولكن توقيت الإعلان عن عودة الحكومة يمكن ربطه بالحراك العسكري للقوات الموالية لحفتر حول العاصمة، والتي قيل إنها تنتظر أوامر حفتر لدخول العاصمة. ويمكن أن يوفر انقلاب الغويل على المجلس الرئاسي غطاء سياسياً لهذه القوات، إذا ما أضيف إلى ذلك دعوة الغويل لحكومة البرلمان إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بالتشاور معه.
وزاد من حدة الصراع، نجاح المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بالحصول على موافقة مكتب النائب العام لمباشرة إجراءات القبض على الغويل ومن سهّل عودته إلى المقرات السابقة للمؤتمر الوطني، لكن التكليف الصادر من وزارة الداخلية قد يتأخر تنفيذه إذ مُنح لجهاز البحث الجنائي حق التحقيق في تحريات مذكرة النائب العام وجمع الاستدلالات ما يحتاج إلى وقت أطول.
وتشهد وزارة داخلية حكومة الوفاق انشقاقات في صفوف قواتها، ففي الوقت الذي نشر فيه جهاز الأمن المركزي المؤلف من عناصر "كتيبة ثوار طرابلس" بقيادة الملازم هيثم التاجوري دوريات مكثفة في أغلب أنحاء العاصمة لا سيما بالقرب من مقر المجلس الرئاسي في طريق الشط، أعلن أفراد من الحرس الرئاسي المؤلف من "كتيبة البوني" وهي من أقوى الكتائب في طرابلس ومكلفة بحراسة مقرات قصور الضيافة، انشقاقهم عن المجلس الرئاسي ووقوفهم مع حكومة الغويل، معتبرين أنهم ساهموا في إرجاع الشرعية للبلاد.
وعلى مسار خط الأحداث في البلاد منذ العام 2011، شهدت الحكومات المتوالية انشقاقات كبيرة بفعل التجاذبات السياسية، فقد أدت الخلافات السياسية داخل الحكومة المؤقتة السابقة بقيادة علي زيدان إلى إعلان خمسة وزراء استقالاتهم في يناير/كانون الثاني 2014 بسبب ما وصفوه بعجز الحكومة عن الإيفاء باستحقاقاتها. وانتهت الخلافات بإعلان المؤتمر عن إقالة زيدان من منصبه وطلب التحقيق معه، مما دعاه للرحيل بطائرة خاصة إلى خارج ليبيا.
وإثر تعيين عبدالله الثني خلفاً لزيدان كرئيس للحكومة المؤقتة، نشبت خلافات حادة بينه وبين أنصار التيار الإسلامي في المؤتمر الوطني، مما اضطره للتوجه إلى البيضاء والالتحاق بنواب البرلمان المجتمعين في طبرق في أغسطس/آب 2014، ليعلن المؤتمر الوطني في سبتمبر/أيلول من ذلك العام عن حكومة إنقاذ وطني بقيادة عمر الحاسي. وبعد مرور خمسة أشهر، قرر المؤتمر الوطني إقالة عمر الحاسي على خلفية خلافاته مع أعضاء المؤتمر المنخرطين وقتها في لقاءات الحوار السياسي ليعين نائبه خليفة الغويل رئيساً للحكومة.
وطاول مسلسل الخلافات والإقالات حكومة الوفاق برئاسة السراج التي فوّضت وزراءها مباشرة أعمالهم في مايو/أيار الماضي. وأعلن المجلس الرئاسي في الأول من يوليو/تموز الماضي إقالة وزراء العدل والمالية والاقتصاد وشؤون الدولة من مناصبهم بسبب رفضهم للالتحاق بأعمالهم، وجاء رفض الوزراء الأربعة مباشرة أعمالهم بسبب انتمائهم للمنطقة الشرقية التي توالي في أغلبها برلمان طبرق وجناحه العسكري الرافض للاتفاق السياسي.

المساهمون