تونس: محاولات لضرب التوافق بين السبسي والغنوشي

تونس: محاولات لضرب التوافق بين السبسي والغنوشي

16 أكتوبر 2016
أكد الغنوشي التزام النهضة بسياسة الدولة (أمين الاندلسي/الأناضول)
+ الخط -

صدرت تحذيرات في تونس من وجود محاولات لضرب التوافق بين الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، وأن هناك بدائل سياسية عن التوافق، لكن الغنوشي أكد أنه لا بديل عن التوافق، متمسكاً بعدم إقصاء أي طرف. وحذر أسامة الخليفي، القيادي في نداء تونس، والمحسوب على الطرف المتشبث بالتحالف مع حركة النهضة، من وجود محاولات لإرباك المشهد في تونس. وأكد الخليفي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تونس تعيش اليوم مناخاً توافقياً أرساه الشيخان (السبسي والغنوشي)، وهو الخيار الوحيد الذي ينبغي ان يستمر". وأشار الى أن أطرافاً، وصفها بأنها إقصائية واستئصالية ومتنفذة، تحاول إعادة تونس إلى مربع صراع الهوية والتجاذب الايديولوجي الذي حسمه الدستور، من خلال الترويج بوجود بدائل سياسية عن التوافق.

وينبه الخليفي إلى أن تونس "أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التوافق أو الحرب الأهلية"، وأضاف "هناك استئصاليون ومتطرفون من المعسكرين، يحاولون ضرب التوافق الذي أوصل تونس إلى الاستقرار"، موضحاً أن "هناك مستشاراً للسبسي (في إشارة إلى نور الدين بن تيشه) يروج لهذه المبادرات، ونحن مقتنعون، أنه إذا تصدينا لها وعملنا على إجهاضها، فلا أفق سياسياً لها، وأن السبسي لن يذهب في هذا الاتجاه. هناك إشارات تؤكد ذلك، من بينها إجتماعهما".

وتشير بعض التسريبات الى أن هذه الأطراف تحاول اكتشاف كيفية إعادة التوازن السياسي، وإقناع السبسي بأن نداء تونس دخل الأزمة الحالية بسبب التحالف مع حركة النهضة، ولذلك تروج بعض الأطراف أنه يمكن اليوم إعادة التوازن للمشهد السياسي بتحالف قد يؤمن وجود كتلة نيابية جديدة بحوالي مائة نائب في البرلمان، إذا ما انضمت إلى النداء كتلة الحرة، التي خرجت من رحمه بعد الانشقاق عن الحزب. وللتذكير فقد أكد محسن مرزوق، الأمين العام لحزب مشروع تونس (كتلته الحرة) أنه لن يتحالف مع النهضة، وسيكون منافساً لها.

والتقى السبسي والغنوشي، أول من أمس. وفيما صدر بيان عن الرئاسة تضمن تصريحاً مقتضباً للغنوشي، أصدرت حركة النهضة بياناً مطولاً حول أهم ما دار بينهما. وأوضح البيان أن الرئيس "أكد تمسّكه بسياسة التوافق دون إقصاء، واعتبار النهضة طرفاً وطنياً، لها ما لغيرها من الأطراف الوطنيّة من حقوق، مفنداً ما يروج من خلافات معها". وأشار إلى أن الغنوشي "أثنى على جهود الرئيس في التأسيس لثقافة التوافق ما صنع الاستثناء التونسي، وكان له أبلغ الأثر في تثبيت وتأكيد صورة الاعتدال للنهضة داخليّاً وخارجياً". وأكد الغنوشي "التزام النهضة بالسياسة الرسمية للدولة داخلياً وخارجياً، وأننا في كل جولاتنا واتصالاتنا نسير خلف الموقف الرسمي وخدمة لمصالح وطننا الحبيب، ولم يحصل قطّ أن شوّشنا على الموقف الرسمي. وعبّر الرئيس عن موافقته على ذلك، وأكّد أن النهضة عنصر استقرار في البلاد. وفي هذا الصدد استأذن رئيس الحركة الرئيس في الاستجابة لزيارة عدد من الدول التي تلقّى منها دعوات لإلقاء محاضرات والمشاركة في ندوات ترويجاً للنموذج التونسي وتعبئة للموارد لصالحه". 

وأثارت هذه الفقرة بعض الاستغراب، لأنها تعكس بطريقة غير مباشرة، انزعاجاً من بعض الدوائر من تحركات الغنوشي الديبلوماسية، في الداخل والخارج، حيث تصر كل البعثات والممثليات الديبلوماسية في تونس على زيارته عند تعيينها أو مغادرتها البلاد، بالإضافة إلى مشاركته في أهم الاحتفالات التي تنظمها سفارات هذه الدول في تونس، فضلاً عن زياراته إلى الخارج. ولا يقتصر الأمر على العلاقات الدولية، إذ يتجوّل الغنوشي باستمرار بين المناطق ويلتقي أعضاء في حركته والمحافظين، ويقترح حلولاً لبعض أزمات المناطق. لكن أكثر ما أثار الاستغراب هو مصطلح "الاستئذان" من الرئيس بزيارة بعض الدول والاستجابة لدعواتها. وأكد مقربون من الغنوشي، لـ"العربي الجديد" أنها عادة دأب عليها رئيس الحركة، الذي كانت مواقفه منسجمة دائماً مع الخيارات الديبلوماسية التونسية، وأن السبسي كان يعلم بشكل دائم بتحركات الغنوشي. وتبدو إشارة البيان لهذه المسألة بالذات موجهة إلى المشككين في هذه العلاقة، ومحاولتهم استغلال كل أمر لإضعافها وإدخال الشك بينهما، لكنها تعكس أيضاً وجود قلق بشأن طبيعة العلاقة، ربما يكون ظرفياً، كما حصل أكثر من مرة، إذ استطاع اتفاقهما أن يصمد أمام هذه المحاولات الجديدة، لكنها قد تعيد تشكيل المشهد بأكمله إذا نجحت في خرق الثقة بين الرجلين.

بيان النهضة، أشار أيضا إلى أن الحديث بينهما، شمل الأوضاع في البلاد، خصوصاً الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حيث تم التأكيد على النهج الحواري التوافقي في إدارة الخلاف بين الأطراف الاجتماعية حول استحقاقات الميزانية وسبل توفيرها، من خلال إجراءات حازمة تتقاسم فيها كل الأطراف التضحيات المطلوبة، مؤكداً أن رئاسة الجمهورية تبقى الملاذ الأخير لتحقيق التوافق بين الموقّعين على وثيقة قرطاج، في إشارة إلى الأزمة التي أثارها رفض اتحاد الشغل لمقترحات الحكومة بشأن الأجور. وفيما تتخوف أطراف سياسية كثيرة في تونس من زعزعة الاستقرار السياسي، إذا تمكنت هذه المبادرات من دق إسفين بين الحزبين، يؤكد الغنوشي أن "التوافق سيستمر في تونس، ولا بديل عنه، ولا أحد يستطيع أن يحكم وحده أو يقصي الآخر". ويقول، في حوار نقلته الصفحة الرسمية للنهضة، إن "التيار التوافقي يتسع، ومعنى ذلك أن تيارات الإقصاء والاستئصال تنحسر، والناس يكتشفون أهمية التوافق"، مضيفاً "كل اليسار كان مجتمعاً ضد سياسة التوافق، ويريد مجتمعاً لا يشارك فيه النهضة، والآن اليسار موجود (في الحكومة)، وحزبا المسار والجمهوري وأحزاب أخرى رفضت سابقاً المشاركة في أي حكم، وبقي طرف واحد يرفض المشاركة (الجبهة الشعبية). لذلك نستطيع القول إنه في عام 2013 كان الجميع ضد النهضة، أما الآن فالجميع ضد الجبهة والإقصاء، وهناك أصوات من داخل الجبهة بدأت تخرج وتطالب بالمشاركة، ونحن سائرون في هذا الاتجاه".

وشهد قصر قرطاج، الخميس، سلسلة من اللقاءات الهامة، بعضها لم يكن مبرمجاً، جمعت السبسي برئيس الحكومة، يوسف الشاهد، ورئيس مجلس النواب، محمد الناصر، بالإضافة الى اجتماع السبسي والغنوشي. وأشارت بعض التسريبات إلى أن السبسي لم يكن مرتاحاً لبعض مقترحات الحكومة، وأن الشاهد يفكر في إجراء تعديلات على حكومته، بسبب ما وصفته بالأداء الضعيف لبعض الوزراء وأخطاء كبيرة ارتكبها بعضهم، لكنها رجحت أن يرفض السبسي هذا الأمر في الوقت الراهن.