لماذا لم يعاقب المغاربة "العدالة والتنمية"؟

لماذا لم يعاقب المغاربة "العدالة والتنمية"؟

11 أكتوبر 2016
العدالة والتنمية استفاد من أخطاء "الاشتراكي" (فاضل سينا/فرانس برس)
+ الخط -

سكتت المعارك الانتخابية في المغرب بتصدر حزب العدالة والتنمية، الذي قاد الائتلاف الحكومي لمدة خمس سنوات، في خضم "الربيع العربي"، للانتخابات التي جرت الجمعة الماضي، بحيازته 125 مقعداً من أصل 395، ويليه غريمه اللدود حزب الأصالة والمعاصرة الذي حصد 102 مقعد. واللافت في نتائج هذين الحزبين الغريمين بالمغرب، أن "العدالة والتنمية"، بالرغم من انغماسه في تدبير الشأن العام، ومباشرته لعدة ملفات اجتماعية شائكة توقع كثر أنها ستضر بشعبية الحزب الحاكم، حاز من جديد على ثقة الشعب المغربي، بينما "الأصالة والمعاصرة" أضاف إلى رصيده ضعف المقاعد التي حصل عليها في انتخابات 2011. 

ويمكن رصد أبرز العوامل السياسية والحزبية التي جعلت حزب العدالة والتنمية لا يمس، بما وصفه البعض بالتصويت العقابي لهذا الحزب، بالنظر إلى قيادته للتجربة الحكومية، ولأن، في الغالب، تعاني الأحزاب التي تسير الحكومات في العالم كثيراً من تناقص شعبيتها بين المواطنين. ولعل أول العوامل الرئيسة التي ساعدت هذا "الحزب الإسلامي" على مواصلة "الإصلاح في ظل ما بعد الربيع العربي"، يكمن في أنه استفاد كثيراً من أخطاء حزب وطني عتيد وتاريخي، هو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خصوصاً أن الأخير انشغل بالحكومة التي ترأسها بين 1898 و2002، وأهمل تنظيماته الداخلية، ولم يتواصل بشكل جيد مع الشعب.

 وبخلاف تجربة حزب الاتحاد الاشتراكي في "حكومة التناوب"، أقدم حزب العدالة والتنمية، الذي قاد الحكومة طيلة 5 سنوات، على الحفاظ على هياكله الداخلية، واعتنى بتنظيماته، من الشباب والنساء، كما كان يتواصل بشكل مستمر مع المواطنين بشأن كل القرارات التي تتخذها الحكومة.

وبالرغم من تأثير بعض القرارات التي اتخذتها حكومة عبد الإله بنكيران وكانت تمس أحياناً ميزانية الفئات الفقيرة بالبلاد، مثل رفع الدعم عن بعض المواد في سياق إصلاح صندوق المقاصة، أو الاقتطاع من رواتب الموظفين في إطار إصلاح أنظمة التقاعد، وأيضاً ارتفاع أسعار عدد من الخدمات، فإن وزراء الحزب كانوا يشرحون للمغاربة، في كل مرة، إيجابيات هذه القرارات على المواطن، في المديين المتوسط والبعيد. ومن العوامل التي جعلت "العدالة والتنمية" يتصدر الانتخابات التشريعية، ولم يتأثر بممارسته للحكم، نهجه لاستراتيجية تواصلية محكمة وقوية، ولعله أقوى حزب مغربي على صعيد التواصل السياسي، حيث اعتمد على موقعه الإلكتروني الرسمي، وشبكات التواصل الاجتماعي من "فيسبوك" و"يوتيوب" وغيرهما، في إيصال آرائه وحتى حملته الانتخابية إلى المغاربة.

وأفلح هذا الحزب، ذو الخلفية الإسلامية، في مواكبة الحملة الانتخابية لأبرز مرشحيه في مختلف مناطق المملكة، واستطاع أن يُقرب المهرجانات الخطابية الحاشدة التي كان يقيمها زعيمه عبد الإله بنكيران من رواد الإنترنت، خاصة من فئة الشباب، من خلال النقل المباشر لكل تلك الفعاليات الحزبية. ويلعب عامل آخر دور المساهم في عدم تأثر الرصيد الشعبي لحزب العدالة والتنمية، وحفاظه على توهجه بحصوله على 125 مقعداً من أصل 395، وهو ما قد يفسر أيضاً بتغطيته لجميع الدوائر الانتخابية الـ92، متمثلاً في استفادة الحزب من الانتخابات المحلية التي جرت في سبتمبر/أيلول 2015. وساعد تحقيق الحزب نتائج كاسحة في الانتخابات البلدية قبل أكثر من سنة، وخاصة في المدن التي تولى فيها تسيير الشأن المحلي، وحتى في بعض القرى و"المداشر"، على تشكيل أرضية صلبة لتقديم الخدمات للمواطنين، الذين يحتاجون لتلك الخدمات اليومية أكثر من حاجتهم للتنظير السياسي والمطالب الكبيرة التي لا يرون أنها ستحسن ظروف عيشهم. ويمكن إضافة عامل آخر أفضى إلى فوز "العدالة والتنمية" في الانتخابات التشريعية الأخيرة، دون أن يتآكل رصيده الشعبي كما هو معتاد بالنسبة للأحزاب التي تتصدر تسيير الشأن العام، وهو كون هذا الحزب تحديداً يتميز بكتلة ناخبة، خاصة في المناطق الحضرية، لا تتغير إلا نادراً، بل إنه أضاف إليها أصواتاً جديدة جمعها من أحزاب منافسة.

ظرف أخير يمكن أن يسوغ انتصار "العدالة والتنمية"، واستفتاء الشعب المغربي عليه لمواصلة الإصلاح الذي دشنته حكومته في مرحلة ما بعد "الربيع العربي"، هو أنه استفاد من أمرين، الأول التصريحات المسيئة لبعض قيادات الأحزاب المنافسة، من قبيل اتهام زعيم حزب الاستقلال لبنكيران بانتمائه إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"الموساد"، واتهامات أحزاب "الاتحاد الاشتراكي" و"الأحرار" و"الأصالة والمعاصرة" لذات الحزب وقيادته. أما الأمر الثاني، فهو عدم وضوح مواقف عدد من الأحزاب، وتخبط خطها السياسي المتذبذب، ما جعل الناخبين يقعون في حيرة من أمرهم، فإما صوتوا لـ"العدالة والتنمية" أو عزفوا عن التصويت، وهذا كان أيضاً في صالح الحزب الإسلامي، ومن ذلك موقف زعيم "الإستقلال"، حميد شباط، الذي شارك في النسخة الأولى من الحكومة، ثم انسحب وشن هجمات خطيرة على بنكيران، ثم عاد ليتقرب من "العدالة والتنمية". وفي الحملة الانتخابية أدار ظهره للحزب من جديد، وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى حزب الأحرار الذي هاجم رئيس الحكومة، وهو يشارك فيها.

وأما بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي جاء ثانياً بحصوله على 102 مقعد برلماني، فقفزته الكبيرة التي حققها مقارنة مع انتخابات 2011 حين حاز فقط على 47 مقعداً، فيمكن تفسيره بحيازته لأصوات الأحزاب الأخرى، وتآكل البنية الناخبة لتلك الأحزاب، وهو ما استفاد منه "الأصالة والمعاصرة" كثيراً، خاصة في البوادي والقرى، حيث لا زالت ظاهرة الأعيان سائدة بقوة. ومن الظروف التي دفعت حزب الأصالة والمعاصرة إلى تحقيق مرتبة متقدمة، وتحسين تموضعه في المشهد السياسي والحزبي، أنه تجاوز إلى حد كبير ما سماه البعض "خطيئة النشأة"، من خلال تواصله المباشر مع الناس، وكثافة مهرجاناته الخطابية، خصوصاً في القرى النائية بالبلاد، فضلاً عن ارتكازه على نفوذ الأغنياء والأعيان. ويُتهم حزب الأصالة والمعاصرة بأنه وقع في "خطيئة النشأة"، والمقصود بها تأسيسه قبل سنوات قليلة من طرف شخصيات نافذة، من بينها فؤاد عالي الهمة، مستشار الملك المغربي وصديقه، وبأن الحزب جاء فقط ليناهض حزب العدالة والتنمية. كما اتهم زعيم الحزب إلياس العماري بالجمع بين الثروة والنفوذ، وهو ما كان يضطر إلى نفيه كل مرة.

المساهمون