الرد الأميركي المفترض على روسيا: إلكتروني واقتصادي واستنزاف سوري

الرد الأميركي المفترض على روسيا: إلكتروني واقتصادي واستنزاف سوري

11 أكتوبر 2016
أوباما قادر على الرد قبل انتهاء ولايته(ميخائيل كليمينتييف/فرانس برس)
+ الخط -
يظهر تعنت الموقف الروسي في مجلس الأمن الدولي واستخدام الفيتو ضد مشروع القرار الفرنسي بشأن وقف إطلاق النار، وفرض منطقة حظر جوي في حلب، أن موسكو ماضية في خططها العسكرية في سورية، وأن لا نية لديها للتوصل إلى تفاهم بالسياسة والدبلوماسية مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية لوضع حد للحرب السورية، ووقف جرائم الحرب التي يرتكبها نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري برعاية عسكرية وسياسية روسية مباشرة.

ومن خلال استخدام الفيتو الخامس لها في مجلس الأمن منذ اندلاع الثورة السورية، أسقطت موسكو الرهان الفرنسي على لعب دور الوسيط بعد انهيار المحادثات الأميركية الروسية بشأن سورية وإعلان إدارة الرئيس، باراك أوباما، أنها بدأت البحث في الخيارات الأخرى. ويتعلق الأمر، نظرياً، بفرض عقوبات مالية أميركية وأوروبية على روسيا ونظام الأسد، والتحقيق بجرائم الحرب التي ترتكبها القوات الروسية والنظام السوري، وكذلك باستخدام القوة العسكرية الأميركية من أجل فرض مناطق حظر جوي فوق حلب ومناطق أخرى في سورية من أجل تأمين ملاذات آمنة للمدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية لهم. لكن شبه إجماع يسود بين الأميركيين وغير الأميركيين على استبعاد الخيارات العسكرية المباشرة، وهو ما اعترف به حتى وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، يوم الأحد، بقوله، في حوار تلفزيوني، إنه واثق من أن أوباما لن يوافق على أي خيار عسكري في سورية، يدفع باتجاهه بعضهم دوائر أميركية.

الواضح أن الروس يراهنون على قلة حيلة الإدارة الأميركية، وعلى الشلل التي تصاب به عادة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وانتهاء ولاية الرئيس ومغادرته البيت الأبيض. ولا تتوقع موسكو أن يقوم أوباما في ربع الساعة الأخيرة من ولايته الرئاسية بما لم يقم به خلال السنوات الخمس الماضية. لذلك، إنها تدفع بثقلها العسكري من أجل السيطرة على مدينة حلب وتحقيق مكاسب ميدانية لنظام الأسد قبل انتخاب رئيس أميركي جديد.

وترى مصادر أميركية أن العلاقات الأميركية الروسية تسير باتجاه تصعيدي خطير لم تشهده خلال الحرب الباردة قبل سقوط الاتحاد السوفييتي. إذ تقوم سياسات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على فرض وقائع جديدة من خلال القوة العسكرية الروسية في مناطق مختلفة من أوروبا. أبرزها تجسد بضمّ شبه جزيرة القرم واجتياح الأراضي الأوكرانية، وتعزيز الوجود العسكري الروسي في منطقة الشرق الأوسط وتحوله إلى قوة احتلال في سورية. لكن الأخطر من كل ذلك بالنسبة للأميركيين يتمثل بالهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له مؤسسات حكومية وحزبية وأنظمة انتخابية أميركية من قبل قراصنة تديرهم الاستخبارات الروسية، وإعلان الإدارة الأميركية، أنها باتت متأكدة من تورط موسكو في عمليات تجسس وقرصنة معلومات بهدف التأثير على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة والعبث بنتائجها وتزويرها.

وتشير المصادر الأميركية إلى أن إدارة أوباما تقصدت في السابق عدم توجيه اتهامات علنية للروس بالوقوف وراء قرصنة البريد الإلكتروني للحزب الديمقراطي حرصاً على عدم انهيار المفاوضات بشأن سورية، والتي كان يقوم بها وزير الخارجية، جون كيري، مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف. لكن الحرب الإلكترونية الروسية على أميركا كانت حاضرة في اللقاءات الثنائية داخل القاعات المغلقة.


وقد كانت مسألة الاختراقات الإلكترونية وعمليات قرصنة المعلومات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في الأشهر القليلة الماضية، إضافة إلى المسألة السورية، في صدارة جدول أعمال القمة التي عقدها أوباما، مع بوتين، على هامش قمة العشرين التي انعقدت في الصين الشهر الماضي. وترى المصادر الأميركية في ذلك مؤشراً على مدى الخطر الذي باتت تشكله عمليات التجسس الإلكترونية على الأمن القومي الأميركي.

وفي مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد القمة، استخدم أوباما مقاربة دبلوماسية للاختراقات الإلكترونية للمؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنية في الولايات المتحدة. وقال إن العالم يعيش عصراً جديداً هو عصر تكنولوجيا المعلومات وسهولة انتقالها والحصول عليها ما يستدعي نمطاً مختلفاً من العلاقات الدولية وقوانين جديدة ترسم الحدود والخطوط الحمر. وذكّر الرئيس الأميركي روسيا وغيرها من الدول التي تملك القدرة على القيام باختراقات إلكترونية وقرصنة معلومات من دول أخرى، بأن أميركا قادرة على الرد الإلكتروني، لا بل إنها لا تزال هي الأقوى على الإطلاق في مجال تكنولوجيا المعلومات.

أي رد؟
يتوقف المراقبون عند تزامن الاتهام الأميركي العلني للروس بمحاولة تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية، والتجسس الإلكتروني على المؤسسات الأميركية، مع إعلان وقف المفاوضات مع موسكو بشأن سورية، واتهام القوات الروسية بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب السوري.

وقد حرص المسؤولون الأميركيون، خلال الأيام القليلة الماضية، على التأكيد أنهم بصدد دراسة كل الخطط العسكرية، وخيارات الرد المناسب على السياسات العدوانية الروسية في سورية وفي الفضاء الإلكتروني. وهو ما استبقه بوتين بإعلانه إلغاء اتفاقية معالجة "فائض البلوتونيوم النووي" مع الولايات المتحدة، ونشر منظومة صواريخ "أس أس 300"، في سورية للرد على التحركات العسكرية الأميركية المتوقعة.

وفيما يرى دبلوماسيون أميركيون سابقون وخبراء في الأمن والسياسة الخارجية أن رد الفعل الأميركي على مناورات الروس وسياساتهم العدائية قد تأخر كثيراً، وأن واشنطن غير قادرة على القيام بأي رد قبل انتخاب الرئيس الجديد، يرى آخرون أنه لا تزال واشنطن تملك الكثير من الأوراق وخيارات الرد. ويمكن أن يأتي الرد من خلال التحرك على الصعيد الميداني في سورية من خلال تسريع تسليح الفصائل السورية المعارضة، وتحويل سورية إلى مستنقع فعلي تغرق فيه القوات الروسية، ولو كان ذلك على حساب من لا يزال حياً من السوريين بعدما زادت حصيلة الضحايا المعلنة والموثقة، عن النصف مليون قتيل وعدد غير محدد من المصابين والمعوقين. لكن حتى الآن، لا يزال واضحاً أن الفيتو الأميركي ضد إيصال صواريخ أرض جو محمولة على الكتف، إلى الفصائل السورية، يبقى سارياً، رغم تسريب موسمي لأنباء عن وصول كميات من هذه الصواريخ بالفعل إلى السوريين، وآخر محطات هذه التسريبات حصلت في الساعات الماضية، من قبل الخبير في الشؤون التركية، تشارلز ليستر، وهو ما سارعت الفصائل السورية المعارضة إلى نفي حصوله. كما يمكن أن يتم الرد عبر فرض عقوبات اقتصادية أميركية وأوروبية على موسكو قد لا يحتملها الاقتصاد الروسي المترنح تحت انخفاض أسعار النفط بالإضافة طبعاً إلى رد إلكتروني أميركي غير تقليدي يعتقد الأميركيون أنه سيكون أكبر بكثير من أعمال القرصنة الروسية، ويلحق أضراراً بالغة بالمؤسسات الحكومية الروسية.