فرنسا والمؤتمر الدولي للسلام: استعادة الحقوق أم ضرب للانتفاضة؟

فرنسا والمؤتمر الدولي للسلام: استعادة الحقوق أم ضرب للانتفاضة؟

31 يناير 2016
المبادرة الفرنسية هي الثانية (أنا فيرينزويسك/getty)
+ الخط -
دخلت فرنسا من جديد على خط التسوية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وهذه المرّة بإعلانها أنها ستعمل في الأسابيع المقبلة على عقد مؤتمر دولي لاستئناف مفاوضات السلام، وأنها ستعترف بدولة فلسطينية في حال أخفقت هذه الجهود. غير أنّ فصائل فلسطينية اعتبرت أن هذه الجهود مضيعة للوقت، نظراً للجهود السابقة في هذا الإطار. وفيما رحبت فصائل بالمبادرة الفرنسية، رأت أخرى أن الهدف منها إسقاط الانتفاضة.

اقرأ أيضاً: فرنسا والاعتراف بدولة فلسطين... قنبلة صوتية بلا معطيات جديدة

وكان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، سبّاقاً إلى الترحيب بالمبادرة الفرنسية، والإشادة بالجهود العربية والأوروبية وجهود "الأصدقاء" من أجل دعم هذا التوجه، مشيراً إلى أنّ الوضع القائم لا يمكن القبول باستمراره، "ولن نرضى باستمرار الاحتلال والاستيطان، ولا بمواصلة سرقة مواردنا ومصادرنا الطبيعية، وحرماننا من استغلال أراضينا والاستثمار فيها"، على حدّ تعبيره. غير أنّ عباس لفت إلى أنّه "لن نعود للمفاوضات من أجل المفـــاوضات، ولن نبقى وحدنا نطبق الاتفاقات الموقعة، ولن نقبل أبداً بالحلول الانتقالية أو المؤقتة". 

أما الفصائل الفلسطينية المعارضة لنهج التسوية، فرأت أنّ المبادرة الفرنسية محاولة جديدة لتضييع الوقت، و"تجريب المجرب"، في إشارة إلى تجربة 25 سنة من المفاوضات بين السلطة والاحتلال، لم تحقق خلالها السلطة أية نتائج حقيقية على أرض الواقع.

ويوضح القيادي في حركة "فتح"، فيصل أبو شهلا، لـ"العربي الجديد"، أنّ المبادرة الفرنسية الرامية إلى عقد مؤتمر دولي للسلام تقوم على أساس حل الدولتين، والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس المحتلة.

ويؤكّد أبو شهلا أنّ السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" مع أي تحرك دولي يعمل على استعادة الحقوق الفلسطينية ووقف التوسع الاستيطاني، الذي تقوم به إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس، مبيناً أنّ إسرائيل ترفض الاقتراح الفرنسي على الرغم من الموقف الدولي وموافقة السلطة عليه.

وينوّه أبو شهلا إلى أنّ فرنسا ستقوم بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود الأراضي المحتلة عام 1967، في حال أفشلت إسرائيل جهودها، واستمرت في سياسة التوسع الاستيطاني على الأراضي الفلسطينية، ولم تستجب للاقتراح الفرنسي.

ويشير القيادي في "فتح" إلى أنّ إسرائيل تتذرع بعدم وجود شريك فلسطيني حقيقي للسلام، في رفضها المستمر المبادرات الدولية المتعلقة بالعودة إلى طاولة المفاوضات، أو عقد مؤتمر دولي يعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ويشدّد أبو شهلا على أنّ السلطة الفلسطينية ستعمل بكل السبل والطرق لإنجاح الدور الفرنسي، من أجل الحصول على الحقوق الفلسطينية بشكل كامل، وبأرخص الأثمان، كما جرى في المباحثات الدولية مع إيران في الملف النووي.

غير أنّ النائب عن حركة "حماس" في المجلس التشريعي، يحيى موسى، يرى في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ المبادرة الفرنسية وغيرها من الأفكار المقترحة للعودة إلى المفاوضات، تأتي في إطار المحاولات المستمرة للسيطرة على انتفاضة القدس المشتعلة منذ أكثر من أربعة أشهر.

ويبين موسى أنّ استمرار السلطة الفلسطينية في مسار المفاوضات في ظل الجرائم الإسرائيلية المتصاعدة بحق الشعب الفلسطيني، يأتي في إطار التنسيق المشترك مع الاحتلال الإسرائيلي من أجل وقف الانتفاضة، لافتاً إلى أنّ حالة انسداد أفق الحل السياسي وفشل جهود السلطة في المفاوضات طيلة السنوات الماضية، كان الدافع الأبرز لاشتعال الأحداث.

ويشير موسى إلى أنّ اتخاذ مجلس الأمن قراراً دولياً يقضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، أفضل من عقد مؤتمر دولي للسلام يعمل على تبريد حالة الغضب الفلسطيني جراء الممارسات العنصرية والجرائم، التي يرتكبها الاحتلال.

ويلفت النائب عن "حماس" في المجلس التشريعي، إلى أنّ الجهود الدولية في ملف المفاوضات لا تخدم إلا المصالح الإسرائيلية، من خلال توفير الغطاء الدولي للكيان من أجل استمرار سياسة القتل والتوسع الاستيطاني، في ظل غياب الدور القانوني للمؤسسات الدولية.

من جهته، يشير مسؤول المكتب الإعلامي في حركة "الجهاد الإسلامي"، داود شهاب، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ الطرح الفرنسي مسلسل جديد، الهدف منه إضاعة المزيد من الوقت، مؤكّداً أنّ "المطروح مسائل جُرّبت ومفروغ منها، ولم تحقق لشعبنا وقضيتنا أية نتيجة".

ويوضح شهاب أنّ الحديث عن تعاطف دولي مع الفلسطينيين لم يترجم مطلقاً، خصوصاً من قبل الحكومات والدول الغربية، على أرض الواقع، محذّراً من أنّ كل ما سيكون هو محاولة للعودة إلى المفاوضات، التي يتشبت بها أبو مازن، ولا جدوى منها.

ويبينّ شهاب أنّ الطرح الفرنسي سيجعل أبو مازن يتشبث أكثر باستمرار التنسيق الأمني، والعودة إلى المفاوضات واللقاءات المباشرة، التي لم تتوقف مع الإسرائيليين، منوهاً إلى أنّ ذلك له تداعيات سلبية على العلاقات الداخلية الفلسطينية، خاصة في ظل توقف الحوار الفلسطيني الداخلي.

ويشير شهاب إلى أنّ المعنيين في السلطة الفلسطينية لا يريدون الاعتراف بفشل مشروعهم التفاوضي وخيارهم الوحيد، ولا يرغبون في الاقتناع بأنّ خيار التسوية والمفاوضات وصل إلى طريق مسدود، ويتنكرون لكل الدعوات والمطالب والإجماع الفلسطيني على تمتين الموقف الفلسطيني وحماية الانتفاضة.

بدوره، يؤكد عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ذوالفقار سويرجو، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الطرح الفرنسي التفاف على المطلب الفلسطيني الواضح بطلب عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات، يعمل على إحقاق الحقوق الفلسطينية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية الداعية إلى إنهاء الاحتلال، وليس التفاوض على حقوق الشعب الفلسطيني.

ويشير سويرجو إلى أنّ ذلك "التفاف على إنجازات الانتفاضة الفلسطينية وإنجازات الشعب الفلسطيني، الذي بدأ ينجح في فضح سياسات إسرائيل في العالم والدول الأوروبية، ونتج عنها كثير من المتغيرات، خصوصاً في ظل المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والخسائر الفادحة التي تدفعها إسرائيل".

ويوضح سويرجو أنّ الهدف من المبادرة قطع التصويت في البرلمان الفرنسي على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومحاولة تأجيل هذا التصويت.

ويؤكد القيادي في الجبهة الشعبية على ضرورة أنّ يعمل عباس والشعب الفلسطيني على إعادة الهيبة إلى المشروع الوطني الفلسطيني، من خلال حكومة وحدة وطنية، وانتخاب مجلس وطني جديد، مجلس وطني لدولة فلسطين وليس مجلساً تشريعيّاً.

ويلفت سويرجو إلى أنّ "هؤلاء ليسوا مؤهلين لقيادة مؤتمر دولي للسلام، فهم من يشكلون اللجنة الرباعية، التي مأسست الحصار على غزة، وأوصلت الشعب الفلسطيني إلى الحالة المزرية"، مشيراً إلى "أنّهم لم يشكلوا يوماً أي ضغط حقيقي على الكيان المحتل من أجل الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، والعمل على إنهاء الاحتلال بعد مفاوضات عبثية استمرت ربع قرن".

وفي الأثناء، يرى الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، في حديث مع "العربي الجديد"، صعوبة العودة مجدداً إلى طاولة المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، في ظل إفشال الاحتلال المبادرة الفرنسية الأولى، والتوجه حاليّاً إلى عدم القبول بأي دور فرنسي في المفاوضات.

ويقول عوكل إنّ العودة إلى المفاوضات في ظل عقد مؤتمر دولي يحتاج إلى شروط وأسس جديدة، أهمها إيقاف إسرائيل للاستيطان، الذي ترفضه الأمم المتحدة وفرنسا وأصبح شرطاً للمجتمع الدولي للدخول ضمن أي اتفاق للسلام.

وعن إمكانية نجاح الدور الفرنسي، يشدد على أنه من الصعب أن تنجح فرنسا، أو أية دولة، في لعب دور بارز في استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في ظل توقف الدور الأميركي في الملف بسبب السياسات الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً: قلق إسرائيلي من المبادرة الفرنسية

المساهمون