الاعتداءات الإيرانية على المصالح السعوديّة تسرق الاهتمام من الإعدامات

الاعتداءات الإيرانية على المصالح السعوديّة تسرق الاهتمام من الإعدامات

04 يناير 2016
من التظاهرات الإيرانية أمام السفارة السعودية(عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -
يمكن القول إن "الصدمة" التي أثارتها إعدامات السعودية، صبيحة يوم السبت، مرت بهدوء نسبي في الداخل السعودي، بينما جاء الرد على الاعتداءات الإيرانية ضد المصالح الدبلوماسية السعودية جذرياً من قبل الرياض، التي قطعت علاقاتها مع طهران، مع طرد أعضاء السلك الدبلوماسي الإيراني من المملكة، ليصل التوتر في العلاقات الثنائية إلى درجة غير مسبوقة، وهو ما قد ينعكس على عدد من ملفات الإقليم.

وخطفت الاعتداءات على المقار الدبلوماسية السعودية في إيران، الأضواء، وهو ما وسّع من دائرة التضامن مع المملكة إزاء قيامها بتنفيذ الأحكام بحق 47 شخصاً، من أبرزهم الشيخ نمر النمر. لكنه من الواضح أن التداعيات قد تشهد فصولاً من التصعيد، بشكل محتمل في الداخل السعودي، في المنطقة الشرقية ربما، وعلى الأرجح على شاكلة "انتقام" من تنظيم "القاعدة" الغائب عن الساحة منذ فترة سعودياً.

وتنوعت ردود الأفعال المحلية والدولية على إعلان السعودية تنفيذها أحكام بالإعدام في حق 47 متهما بقضايا تتعلق بالإرهاب. لكن القسم الأكبر من التعليقات الدولية كان منصباً على إعدام رجل الدين نمر النمر، خاصة من الجانب الإيراني

انزياح للحدث
يمكن قراءة التغير في بوصلة الحدث على المستوى الإقليمي، والمحلي السعودي بعد التصعيد الإيراني ضد المملكة. فتم سريعا تجاوز مسألة تنفيذ أحكام الإعدام، لصالح التركيز على ردود الفعل الإيرانية والرد السعودي القوي الذي قضى بقطع العلاقات مع إيران. قطع جاء أولاً رداً على الاعتداءات الإيرانية التي رأى وزير الخارجية السعودية عادل الجبير أنها كانت إما بتغطية من السلطات الحكومية، أو بتساهل منها. لكن الأكيد أن قرار قطع العلاقات جاء أيضاً رداً على التصريحات العدائية من الجانب الإيراني، وخصوصاً من المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي اعتبر يوم أمس (الأحد 3 يناير/كانون الثاني) بأن السعودية ستواجه "انتقاما إلهيا" على حد تعبيره، جراء إعدامها النمر. المستوى الثاني للتصعيد الإيراني جاء على المستوى الشعبي، من خلال الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، والقنصلية السعودية في مدينة مشهد، والتي شهدت تظاهرات إيرانية عارمة، انتهت إلى اقتحام مبنى السفارة والقنصلية، وإلقاء قنابل مولتوف، دون تسجيل إصابات بين أعضاء البعثة الدبلوماسية السعودية.

هذا التصعيد الإيراني أدى إلى تحول في النقاشات السياسية والإعلامية للحدث، ليصبح الموضوع الأول هو التصعيد الإيراني ضد السعودية، لا تنفيذ أحكام الإعدام بحد ذاته، والذي أثار ردود أفعال على المستوى الدولي.

تضامن خليجي

أعلنت الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي استنكارها للتدخلات الإيرانية في الشأن السيادي السعودي، كما أعلنت رفضها لاقتحام السفارة السعودية في طهران، والقنصلية السعودية في مدينة مشهد، وذلك على لسان أمينها العام، عبد اللطيف الزياني. كما أصدرت كل من الإمارات والكويت والبحرين بيانات تضامن مع السعودية، واستنكارا للموقف الإيراني، واتهمت إيران بعدم التقيد باتفاقية فيينا 1962، والتي تنص على حماية البعثات الدبلوماسية.

 اقرأ أيضاً يوم إعدامات السعودية: استنفار في المملكة وخارجها

لا يمكن قراءة الموقف الخليجي في هذا الإطار، خارج أحداث 2015، والذي شهد تأزما مستمرا بين دول الخليج وإيران، لا سيما السعودية والكويت والبحرين. فقد اتهمت كل من الكويت والبحرين إيران بتشكيل ودعم خلايا إرهابية، وتهريب أسلحة ومتفجرات إلى أراضيها، كما اتهمت السعودية إيران بالسعي لزعزعة استقرار المنطقة من خلال مليشياتها الطائفية في العراق وسورية. وتوجت هذه الاتهامات السعودية تجاه ظهران ببيان وزارة الخارجية السعودي يوم أمس الأول (السبت 2 يناير / كانون الثاني)، والذي اتهمت فيه طهران بدعم الإرهاب في المنطقة. ودعم قتل 250 ألف سوري.

الانقسام الطائفي ورد القاعدة
تم إسقاط تنظم القاعدة من النقاشات السياسية والإعلامية حول أحكام الإعدام المنفذة، لصالح نمر النمر، لعوامل مختلفة، أولها اهتمام المؤسسات الحقوقية الدولية في قضية النمر، والمخاوف من وجود استهداف طائفي في إعدامه. لذا حرصت السعودية وبشكل واضح إظهار أن الأمر لا يعد استهدافا طائفياً، وهذا كان واضحا في مؤتمر الناطق باسم وزارة الداخلية السعودية، اللواء منصور التركي يوم تنفيذ الأحكام، السبت 2 يناير / كانون الثاني، حيث أوضح أن الأحكام صدرت على المتهمين باعتبارهم أفرد، لا بناء على انتمائهم المذهبي أو التنظيمي. ويظهر هذا أيضا في تعليقات الصحف السعودية على الحدث، والتي استشعرت الانقسام الطائفي الاجتماعي في السعودية، والذي يمكن أن يتفاقم جراء استخدام أي لغة طائفية في الموضوع. في هذا السياق، تنفي طبيعة الحدث نفسه وجود استهداف طائفي، حيث لم يتجاوز عدد السعوديين المنتمين إلى المذهب الشيعي الأربعة أشخاص، من بين 47 شخصا تم تنفيذ أحكام الإعدام في حقهم.

وكان "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، قد بادر إلى التهديد بعمليات انتقامية، فور تسريب أنباء عن عزم السعودية تنفيذ أحكام الإعدام بحق منظرين ومتورطين بأعمال عنف من أعضاء التنظيم، في بداية ديسمبر / كانون الأول 2015، وذلك في بيان له، حمل عنوان "بيان حول الإعدامات للأسرى المجاهدين في سجون آل سعود" بحسب التنظيم. يذكر أن القاعدة قد توقفت عن استهداف السعودية بعملياتها الإرهابية منذ سنوات، وهو ما لم يُعرف إن كان بسبب تغير في استراتيجيتها، أو بسبب عدم قدرتها على زرع الخلايا وتنفيذ العمليات بعد القضاء على أغلب أعضائها أمنيا.

وكان التنظيم قد شجب يوم أمس عبر حسابات المنتمين إليه في وسائط التواصل الاجتماعي تنفيذ أحكام الإعدام في حق أعضائه، ومن أبرز من انتقد الإعدامات، ماجد الراشد، والملقب بأبو سياف، والمنخرط حاليا في جبهة النصرة، وهو فرع تنظيم القاعدة في سورية، والذي شكك في نزاهة القضاء السعودي. بينما قامت حسابات أخرى بالحث على القيام بعمليات داخل السعودية كرد فعل انتقامي.

في هذا الإطار، لا يستبعد أن يقوم التنظيم بشن هجمات انتقامية داخل السعودية، ويبدو أن السعودية وضعت هذا بالاعتبار مبكرا، من خلال الاستنفار الأمني الكبير الذي شهدته مختلف مناطق المملكة منذ أيام، قبل تنفيذ أحكام الإعدام. هذا الاستنفار الأمني الذي ما زال متواصلا حتى اللحظة، تحسبا لأي مفاجآت غير سارة.

المنطقة الشرقية
وسط استنفار أمني عالي المستوى، منذ أيام، تمهيدا لتنفيذ عمليات الإعدام، لم تشهد السعودية، حتى الآن، أي حراك غير اعتيادي. باستثناء خروج احتجاجات محدودة (قدر أفرادها بالعشرات) في المنطقة الشرقية، في القطيف، دون أن يتم تسجيل أي اشتباك كبير مع القوات الأمنية هناك، أو وقوع أي إصابات. وكانت مواقع إلكترونية قد تداولت يوم أمس أنباء عن انسحاب قوات الأمن من بعض المناطق شرقي السعودية، خاصة في القطيف، وأفادت مصادر متعددة بأن هذه الأنباء عارية عن الصحة، فالقوات الأمنية ما زالت مرابطة في كافة مناطق المملكة، بما فيها المنطقة الشرقية.

وكانت السعودية قد أعلنت لذوي الأشخاص الذين تم تنفيذ حكم الإعدام بحقهم، بأنها "دفنت الجثث في مقابر المسلمين" على حد تعبير أخ نمر النمر، محمد النمر، يوم أمس. في خطوة يمكن قراءتها كمحاولة من وزارة الداخلية لتجنب أي احتجاجات في المنطقة الشرقية خاصة، خلال مراسم دفن نمر النمر وآخرين.

اقرأ أيضاً: تجدد الاحتجاجات الإيرانية على مقتل النمر وسط تشديد أمني