"قلب الأوضاع" من منظور روسيا: استهداف المعارضة السورية ومجازر

"قلب الأوضاع" من منظور روسيا: استهداف المعارضة السورية ومجازر

27 يناير 2016
آلاف الضحايا المدنيين سقطوا بالغارات الروسية (إبراهيم أبو ليا/الأناضول)
+ الخط -
لا تنفصل تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس الثلاثاء، أن "التحرك الروسي في سورية ساعد على قلب الأوضاع في الصراع"، عن الأهداف التي قادت موسكو إلى التدخل المباشر، منذ نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، بعد سنوات من الدعم غير المباشر لنظام بشار الأسد ومحاولة إبقائه متماسكاً. لكن توقيت إعلان لافروف عن تصوره لنتائج تدخل روسيا يرتبط بشكل أساسي بالمفاوضات السياسية التي تم تحديد موعدها، يوم الجمعة المقبل، والتي يبدو أن روسيا ستواصل، حتى اللحظة الأخيرة، محاولة فرض إملاءاتها عليها، وتحديداً في ما يتعلق بطبيعة وفد المعارضة المفاوض وجدول المحادثات، وذلك فيما تواصل الضغط الميداني، عبر تصعيد غير مسبوق يستهدف مناطق سيطرة المعارضة.

وكانت مجريات الأحداث الميدانية، منذ بدء التدخل الروسي، كفيلة بترجمة التوجه الروسي، إذ استثنت الغارات الروسية، منذ يومها الأول، تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مركزةّ على فصائل المعارضة السورية التي تُشكّل خطراً على نظام بشار الأسد، والتي تواجه التنظيم. وتكشف المعطيات الميدانية، أن أغلب غارات الطيران الروسي، استهدفت مناطق سيطرة المعارضة لا "داعش"، الذي تمكّن من تعزيز سيطرته في بعض المناطق تحت مرأى الروس.

كما أن التقدّم الذي أحرزته قوات النظام في بعض المناطق بعد التدخّل الروسي، جاء بسبب اعتماد الروس سياسة الأرض المحروقة وارتكاب المجازر بحق المدنيين. وهي المجازر التي وثّقتها التقارير من بينها الأرقام التي أعلن عنها المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير أصدره في 20 يناير/كانون الثاني الحالي، بتأكيده أن الضربات الجوية الروسية قتلت 1015 مدنياً سورياً، بينهم 238 طفلاً دون سن الثامنة عشرة. كما قُتل 11 مدنياً سوريّاً وأصيب آخرون، أمس الثلاثاء، جرّاء قصف طائرات روسيّة مواقع وتجمعات مدنيّة في مناطق متفرقة بريف محافظة إدلب.

وترافقت الغارات الروسية مع استمرار النظام بقصف المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة، فقد وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير صادر عنها في 8 ديسمبر/كانون الأول 2015 إلقاء قوات النظام ما لا يقل عن 3173 برميلاً متفجراً، منذ بدء التدخل، مشيرة إلى أن هذه البراميل تسبّبت في مقتل 140 شخصاً، بينهم 68 طفلاً و17 سيدة.

اقرأ أيضاً: بغطاء روسي.. النظام السوري يسيطر على الشيخ مسكين

وعمد الروس أيضاً، إلى قصف البنى التحتية في البلاد وخصوصاً في مناطق سيطرة المعارضة، ما تسبّب بتهجير آلاف السوريين. وهو ما يعكس أهداف روسيا، التي انتقلت إلى مرحلة التدخل المباشر، في الأشهر الماضية، بهدف مساعدة النظام على تحقيق تقدّم على حساب المعارضة من أجل فرض شروط العملية السياسية بما يخدم المصالح الروسية في سورية.

ومن الملاحظ، أيضاً، أن وضع "داعش" أصبح أقوى بعد التدخّل الروسي، واستطاع السيطرة على مناطق عدة بوجود الروس، كما تمكّن من السيطرة على مستودع أسلحة للنظام من دون أن يحرّك الروس ساكناً، في الوقت الذي كان فيه الطيران الروسي يستكمل مهامه في تدمير ما تبقى من بنى تحتية في مناطق سيطرة المعارضة، وتهجير مزيد من المدنيين خارج مناطقهم.

وما تؤكده تصريحات لافروف، أيضاً، أن سلاح الجو الروسي كان هدفه النيل من انتصارات المعارضة الميدانية بهدف استثمارها سياسياً وفرض الشروط الروسية عليها وليس الهدف إحداث أي تغيير بما يخص مناطق سيطرة تنظيم "داعش". كما يظهر من خلال التصريح أن الروس يعتبرون أن كل من يقاتل الأسد، هو إرهابي.

ويبدو من خلال الجبهات التي يستهدفها الروس أن الفصائل الأكثر خطورة على المشروع الروسي، هي فصائل الجيش الحر، كونها تحمل فكراً ثورياً يسعى إلى تغيير النظام وإنشاء دولة مواطنة، وهو الأمر الذي يسحب ذريعة محاربة الإرهاب منها، لذلك استغل الروس الوقت الضائع قبل إطلاق العملية السياسية في محاولة القضاء على هذه الفصائل، وتحييد الفصائل الأشد تطرفاً، لأن ذريعة استهدافها موجودة في كل الأوقات.

أما في ما يتعلق باعتبار لافروف في حديثه، أنه من المستحيل التوصّل إلى اتفاق سلام في سورية من دون مشاركة الأكراد في المحادثات، في إشارة منه إلى حزب "الاتحاد الديمقراطي"، فإن هذه التصريحات لا تنفصل عن محاولة روسيا القول، إن هذا الحزب الممثّل الوحيد للأكراد، علماً أن هناك 16 حزباً كردياً مُمثّلاً في الهيئة العليا للتفاوض لم تلحظهم روسيا. في مقابل ذلك، فإن حزب "الاتحاد الديمقراطي" وجناحه العسكري لا يمثّلان طرفاً معارضاً، بل ينسّقان مع النظام. إلا أن التعنّت الروسي في ضم هذا الحزب إلى المفاوضات، يعكس الصراع الروسي التركي حول سورية ورغبة روسية في تحقيق انتصار على تركيا من خلال زج تنظيم تعتبره تركيا إرهابياً ويهدد أمنها على حدودها الجنوبية.

من جهته، يرى المحلل العسكري، العميد الركن أحمد رحال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه بعد أربعة شهور من التدخّل الروسي، فإن التقدّم الذي أحرزه النظام بمساندة الروس لا يعكس تقدّماً بالمعنى العسكري، كون المعارك هي معارك كر وفر، موضحاً أنه بالنظر لتوازن القوى فإن هذا التقدّم لم يعكس حجم القوة التي حشدها النظام وحليفاه الروسي والإيراني، معتبراً أن التغيير الذي أحدثه التدخّل الروسي، هو تدمير ما تبقّى من البنى التحتية في البلاد وتهجير نحو نصف مليون مواطن سوري إضافي، خلال فترة هذا التدخّل، إذ دمّر الروس وفق الاحصائيات، 22 مستشفى و14 مدرسة و5 مقار جمعيات.

ويشير رحال إلى أن الروس وبدل أن يقصفوا مواقع تنظيم "داعش"، يقومون بقصف المناطق التي تحرّرها المعارضة من التنظيم، كما حصل في بلدات تل جبين واحمس في ريف حلب الشمالي، كما يقوم الروس بقصف مناطق المعارضة التي هي نقاط اشتباك مع "داعش" من أجل إحباط عمل هذه النقاط.

ويتساءل رحال عن سبب عدم قصف الروس مستودعات عياش التي تعتبر من أكبر مستودعات الأسلحة لدى النظام، والتي استولى عليها التنظيم من النظام أو سلمها النظام لـ"داعش"، علماً أن إحداثياتها كلها موجودة لدى النظام والروس وكان بإمكانهم تدميرها قبل أن يستولي عليها التنظيم.

ويرى رحال أن "الروس يقاتلون كل من رفع السلاح بوجه الأسد، فالجميع يعلم أن جبهات الساحل وجنوب دمشق هي جبهات خالية من تنظيم داعش، وهي في معظمها بيد فصائل الجيش الحر"، معتبراً أن "صاحب النّفَس الأطول هو من يثبت في حروب الاستنزاف، وأن الشعب السوري هو صاحب النّفَس الأطول لأنها معركته"، مشيراً إلى أن "استمرار الروس بهذه الطريقة سيحوّل فصائل المعارضة إلى فصائل مقاومة شعبية لن يقوى الروس على الصمود في وجهها لأنها ستستنزفهم على المدى الطويل".

اقرأ أيضاً: المعارضة ترفض إملاءات دي ميستورا...وموسكو تنفي عرض اللجوء للأسد