محفزات تجدد الثورة بالأرقام: السياسات المصرية تزداد توحشا

محفزات تجدد الثورة بالأرقام: السياسات المصرية تزداد توحشا

24 يناير 2016
من مسيرات ذكرى الثورة في 2015 (أحمد اسماعيل/الأناضول)
+ الخط -
الموقف من المشاركة في إحياء ذكرى ثورة يناير المصرية الخامسة هذا العام، متباين إلى حد كبير؛ ففيما ترحب قوى سياسية وثورية بتلبية دعوة التظاهر يوم 25 يناير/كانون الثاني، مثل حركة "شباب 6 إبريل" و"الاشتراكيين الثوريين" و"الإخوان المسلمين"، مُبدين استعدادهم للاصطفاف الوطني من جديد، على أرضية مطالب وشعارات ثورة يناير الأم، أعلنت قوى سياسية وثورية أخرى، رفضها للمشاركة، ولكنها في نفس الوقت لن تدعو أحداً لعدم النزول. غير أن الأرقام الاقتصادية والاجتماعية، للهيئات المصرية والمنظمات الدولية على حدّ سواء، تشير إلى وجود عوامل قوية للثورة، بعد الانهيار الفادح الذي لحق بمصر على هذه المستويات.

اقرأ أيضاً: مصر: "هلع أمني" وسط القاهرة قبل ذكرى الثورة

وقالت حركة "شباب 6 إبريل"، في بيان حمل عنوان "قبل الطوفان"، إنه "لم نر يوماً سبيلاً لأحلامنا سوى باتفاق أبناء الوطن، ولا نجد اتفاقاً أقرب من ثورة 25 يناير/كانون الثاني"، والأمر نفسه يسري على حركة الاشتراكيين الثوريين و"الإخوان" اللتين تريان أن نفس الأسباب التي دفعت المصريين للمشاركة في الثورة، هذا العام.

في المقابل، ترى عدة قوى وتنظيمات سياسية في مصر، أن الحديث عن الثورة حالياً في ذكراها الخامسة، أصبح بعيد المنال، إذ ينظر هذا الفريق الثوري المحسوب على اليسار إلى اللحظة الإقليمية والمحلية، فيجدها شديدة الضبابية.

ويقول ناشط سياسي لـ"العربي الجديد" إن "التوترات الإقليمية والمحلية في مصر، تصنع حالة من القلق والتوتر لكل من يفكر في إحداث موجة ثورية جديدة، فالأمر لم يعد يقتصر على حشد جماهيري وشعبي في مصر في مواجهة السلطة أو النظام الحاكم، بكل قدراته الأمنية الهائلة، ولكنه أبعد كثيراً من ذلك حالياً على الأقل".

وليست فقط التوترات الإقليمية والمحلية، هي التي تخشى منها تيارات ثورية مصرية محسوبة على اليسار، وتدفعها للوقوف ضد دعوات التظاهر، بل أيضاً حالة التفكك الاجتماعي في مصر، التي لا تسمح بحشد الجماهير تحت سياسة ورؤية ثورية واضحة؛ فالثورة بالنسبة لهم "مراحل هزيمة وانتصار، ولحظات قوة وضعف، والثورة حالياً في مرحلة شديدة الضعف لا يمكن الانطلاق منها"، بالنسبة لهم.

عوامل اقتصادية

يستعرض أستاذ الاقتصاد والتمويل الدولي، أشرف دوابة، بشكل سريع الوضح الاقتصادي المصري الراهن، ويشير إلى أن السياسات الاقتصادية بعد الثورة واجهت الكثير من الإشكاليات نتيجة عدم الاستقرار في البلاد، ولكن بعد أول انتخابات رئاسية أجريت في 2012، وتولي الرئيس المعزول، محمد مرسي، الحكم، حدث تطور كبير في الاقتصاد، خصوصاً بعد التدهور الشديد الذي حل بالاقتصاد المصري في فترة حكم المجلس العسكري، بحيث هبط الاحتياطي النقدي من 35 ملياراً إلى 14.4 ملياراً، نتيجة خروج الأموال للخارج والتي قدرت حينها بحوالي 10.2 مليارات دولار، ليرتفع الاحتياطي قليلاً في عهد مرسي، إلى 14.7 مليار دولار حتى قبل رحيله.

وبالنسبة للدين العام المحلي والخارجي، فقد وصل في عهد مرسي لـ 1.7 تريليون جنيه مصري، فيما يزيد حالياً عن 2.4 ترليون جنيه مصري، نتيجة الإسهاب في قضية القروض، بحسب دوابة، الذي أضاف "أما الصادرات، فكانت قد وصلت لـ 27 ملياراً في عهد مرسي، وحالياً تقدر بحوالي 22 مليار دولار، إذ انخفضت بنسبة 17 في المائة. كما أن السياحة أيام مرسي كانت تقدر مواردها بحوالى 9.8 مليارات دولار، فيما تصل اليوم في أقصى حدودها لـ 7.4 مليارات دولار، والقادم أسوأ للأسف، نتيجة حادث الطائرة الروسية".

على ضوء هذه المؤشرات الاقتصادية، يقول دوابة إن الأوضاع الاقتصادية الحالية ليست في صالح النظام، مضيفاً "حتى بعد المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد في مارس/آذار الماضي، لم تزد الاستثمارات الأجنبية في مصر عن 300 مليون دولار بعد ستة أشهر من عقد المؤتمر الاقتصادي"، مستنكراً إقدام النظام الحالي على ما وصفه بـ"المشروعات الفنكوشية العقود أو الفنكوشية العائد كما رأينا في الكثير من المشروعات".

وعن سياسة التقشف، أوضح أستاذ الاقتصاد والتمويل الدولي، أنها "سياسية، يريدها النظام للشعب فقط، وليس لرجال الأعمال والسلطة"، مدللاً على ذلك بأن "التضحية بالكثير من موارد مصر، سواء بثلاثة آبار تم اكتشافها في البحر المتوسط، أو بالإنفاق المبالَغ فيه على صفقات السلاح والتي تعدّت 10 مليارات دولار، وللأسف لا ندري من سيحارب النظام بهذه الأسلحة، في ظل علاقته الوطيدة بالكيان الصهيوني"، على حد قوله.

"جميع المؤشرات تدل على أن الوضع الاقتصادي المصري، في ظل النظام الحالي، سيئ. وهذا شيء طبيعي، لأنه لا يمكن أن يتم استقرار في بلد ما في ظل بناء السجون والمعتقلات، وسجن الشباب وانتهاك الحرمات. اقتصاد مصر الآن على شفا جرف انهيار، في ظل سيطرة الجيش على مفاصل الاقتصاد، التي تصل في تقديري لـ80 في المائة من إجمالي الاقتصاد المصري"، كما يقول دوابة.

ويتابع الخبير الاقتصادي أن "نسبة الفقر في مصر تتعدى الـ60 في المائة، نتيجة لرفع الدعم والاعتماد على الضرائب، خصوصاً تلك المفروضة على الشرائح التي تحتاج الإعانة، فضلاً عن أن الحد الأدنى للأجور أصبح نسياً منسياً، والحد الأقصى للأجور أصبح فارغاً من مضمونه بعد استثناء القضاء والشرطة والجيش والبنوك".

وبلغ الدين المحلي في 2015 ما مجموعه 2.16 تريليون جنيه مصري، كما بلغ الدين الأجنبي 48.1 مليار دولار، أي ما يوازي 83.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي يوليو/تموز 2013، كان الجنيه المصري قد فقد أكثر من 12 في المائة من قيمته، وهو أكبر انخفاض يحدث منذ عام 2004، بينما انخفضت احتياطيات مصر من العملات الأجنبية من 36 مليار دولار في يناير/كانون الثاني 2011 إلى 16.4 مليار دولار في 2015. واستمر عجز الموازنة في الزيادة من 10.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2012 إلى 12.2 في المائة عام 2014.

وفي هذه الأثناء، استمر تناقص الإنفاق العام على الخدمات لتحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، إذ تلقى التعليم 16.2 في المائة من إجمالي إنفاق الدولة عام 2005، ولكنه انخفض إلى 11.48 في المائة عام 2015، كما شكل الإنفاق على الصحة 5.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2000، بينما وصل إلى 5.1 في المائة عام 2015.

عوامل اجتماعية

تشير الأرقام والإحصاءات إلى أن الأوضاع الاجتماعية في مصر تسوء؛ فتصنيفات مصر الدولية لعامي 2014/2015، تضع مصر في مستوى "ضعيف"، بعدما احتلت المرتبة 124 من بين 178 دولة، بحسب تصنيف "هيرتاج فاونديشن".

وعن حرية الصحافة، تصنّف منظمة "مراسلون بلا حدود" مصر في الترتيب 159 من بين 180 دولة في هذا المجال. كما وضع مؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية، مصر في المركز 94 من بين 175 دولة. كما تراجعت مصر تسعة مراكز لتصل للترتيب 31 عالمياً، بحسب منظمة السياحة العالمية بالأمم المتحدة.

وعن ركائز التنافسية العالمية، جاءت مصر في المركز 119 من بين 144 دولة وفقاً لتقرير التنافسية العالمية، وفي المركز 143 في الإرهاب، و137 في الجريمة والعنف، و136 في انخفاض فعالية مجالس الإدارات، والمركز 130 في إهدار المال الحكومي، وفي المركز 125 في تدني البنية الأساسية، والمركز 121 في عدم استدامة إمدادات الكهرباء، وفي المركز 142 في الاختلالات الاقتصادية الكلية ومنها عجز الموازنة العامة للدولة.

ومن جهة جودة التعليم، فقد جاءت مصر في المركز 141 من بين 144 دولة، وفقاً لتقرير التنافسية العالمية. وفي المركز الأخير، وفقاً لنفس التقرير، في جودة إدارة التعليم العالي. كما تشهد مصر، تراجعاً حاداً في الحريات وإهدار حقوق الإنسان، بحسب تقارير منظمتي "الأمم المتحدة" و"هيومان رايتس ووتش".

وحول رؤيتها لمصر عقب خمس سنوات على ثورة يناير، ترى الناشطة العمالية، والباحثة بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، هدى كامل، أن تقييم الوضع يعتمد على تقييم السياسات وترجمة انحيازاته الاجتماعية، مفسرة "الأنظمة التي جاءت بعد ثورة يناير تنفذ نفس السياسات التي بدأها (الرئيس الأسبق أنور) السادات بتحويله النظام الاقتصادي من رأسمالية الدولة إلى القطاع الخاص، ثم ترجمها (الرئيس المخلوع حسني) مبارك لقوانين وبدأ بالفعل سياسات الإصلاح الهيكلي المعروفة بالخصخصة، ولم يفر المجلس العسكري أو الإخوان المسلمين أو (الرئيس الحالي عبدالفتاح) السيسي من هذه السياسات، بل على العكس ارتفعت وتيرتها كثيراً في ظل النظام الأخير، وصارت أكثر توحشاً وفجاجة، باستعانته بحزمة قوانين مساعدة لتنفيذ تلك السياسات مثل قوانين منع التظاهر للجم حركة الاحتجاج على استمرار السياسات المنحازة بالكامل لرجال الأعمال والأغنياء".

وتؤكد الباحثة العمالية، أن الطبقة العاملة كانت في قلب الثورة حين بدأت احتجاجاتها المتصاعدة بدءاً من العام 2006، ولم تتوقف تحركاتها بعد الثورة، غير أنها لم تكسب إلا فك الحصار المعنوي عنها، بمعنى قدرتها على الحركة والتعبير عبر تجربة النقابات المستقلة. "ولأنها ليست منظمة ولا واعية، واحتجاجاتها وتأسيسها لتلك النقابات جاء عفوياً، لم تستطع إنجاز انتصار حقيقي، متمثلاً في إقرار قانون بشرعية هذه النقابات على سبيل المثال، ولم تستطع تعديل قوانين العمل وفق مصالح الطبقة العاملة، ولم تستطع إسقاط قانون التظاهر الذي قُصد منه بالأساس لجْم احتجاجات العمال".

ومع ذلك، ترى كامل، أن الثورة كسرت الخوف وفتحت الباب أمام إجراء تجارب في التنظيم، لكنه لم يكتمل بسبب "ركوب الانتهازيين وعناصر الأمن هذه التنظيمات الوليدة، ولغياب وعي شعبي حقيقي بأهمية التنظيمات العمالية في الحفاظ على مكاسبها وتطوير وعيها".

لكن كامل لا ترى أن العمال خسروا بفعل الثورة، وتضيف "فحتى الإحباط من عدم اكتمال التجربة التنظيمية (النقابات المستقلة) ليس خسارة، بل حالة عامة في الشارع المصري لا تخص العمال وحدهم".

ولا ترى الناشطة العمالية والباحثة الحقوقية، أنه من الممكن أن ينضم الفلاحون للعمال في الحراك الاجتماعي في مصر، على خلفية أزمات المياه وسدّ النهضة، إذا ما أثر على الزراعة في مصر، إذ إن "طبيعة الطبقة العاملة تختلف عن الفلاحين"، مضيفة "لا أظن أن تنظيماً يمكن أن يضم مصالح بهذا الاختلاف لطبقتين تختلفان جذرياً في منظومة القيم والوعي وشكل العمل وتجمعاته، حتى لو كانت الطبقتان تشتركان في الظلم والافتقار للعدالة الاجتماعية".