الإدارة الأميركية والتدخل في ليبيا: انعدام شهية واكتفاء بالغارات

الإدارة الأميركية والتدخل في ليبيا: انعدام شهية واكتفاء بالغارات

23 يناير 2016
هجوم "داعش" على القطاع النفطي يُقلق الغرب (فرانس برس)
+ الخط -

بعد تدخل حلف شمال الأطلسي العسكري في ليبيا في شهر مارس/آذار 2011 وسقوط نظام معمر القذافي، كان هناك شعور بالنصر في البيت الأبيض وحديث عن "تدخل نموذجي" حقق الأهداف المرجوة بدون نشر أي جندي أميركي على الأرض. بعدها بدأت ليبيا تنزلق تدريجياً نحو الهاوية. جاء مقتل السفير الأميركي لدى ليبيا، كريس ستيفنز، في بنغازي ليل 11-12 سبتمبر/أيلول 2012 ليؤدي إلى انكفاء السياسة الأميركية. مقتل ستيفنز، تحوّل أيضاً الى سجال انتخابي في واشنطن، حول ما إذا كان هناك تقصير من قبل وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، في توفير حماية أمنية للقنصلية الأميركية في بنغازي.

في تلك الفترة، أخذت السلطة المركزية الليبية بالتآكل، كما توسعت عمليات استهداف خطوط إنتاج النفط. تغيّر سبعة رؤساء وزراء في أقل من أربع سنوات، في وقت احتدم فيه الصراع بين طرفي الانقسام الليبي. اليوم، بعد الاتفاق على حكومة الوفاق الوطني الجديدة، وعلى الرغم من التحديات التي لا تزال أمامها، عاد الاهتمام الأوروبي بما يحدث في ليبيا. يتزامن ذلك مع تصاعد هجمات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على القطاع النفطي في شرق ليبيا، مما استدعى قلقاً غربياً بأن التنظيم يحاول تكرار ما فعله سابقاً في سورية والعراق.

ترى مؤسسة "ستراتفور" الأميركية، في تحليل نشرته هذا الأسبوع، أنه بعد النكسات التي تعرض لها "داعش" في سورية والعراق، بدأت تتجه أنظاره الى ليبيا، حيث لا توجد حكومة مركزية قوية، مقابل انتشار حوالى 5.000 عنصر لـ"داعش". وتكهنت المؤسسة بأن التدخل الغربي قد يحدث في الأسابيع المقبلة، لأن السلطة المحلية غير قادرة على احتواء التنظيم.

غير أن وزارة الدفاع الأميركية لا توحي بهذه الأجواء. وتقول المتحدثة باسم "البنتاغون"، الكولونيل ميشيل بالدانزا، لـ "العربي الجديد"، في هذا السياق، إنه "لا نزال نشعر بقلق بالغ إزاء التهديد المتزايد من المتطرفين الذين يمارسون العنف، ومن المجموعات المنحازة لداعش". وترى أن "أفضل طريقة لمواجهة الإرهابيين، الذين ينشطون في ليبيا، هي مواصلة مساعدة الليبيين على بناء الإجماع الوطني الذين يحتاجونه لقتال هذه المجموعات". وتؤكد أنّ الولايات المتحدة "ملتزمة بأن توفر للحكومة الموحدة الدعم السياسي الكامل، والمساعدة التقنية والاقتصادية والأمنية، اللازمين لمكافحة الإرهاب".

وتتحدث مؤسسة "ستراتفور" عن أسباب القلق الأوروبي، الذي يعود إلى قرب موقع ليبيا الجغرافي، وبالتالي يعتليها الخوف من أن تتحول ليبيا إلى نقطة انطلاق لهجمات إرهابية أو تدفق المزيد من اللاجئين، أو توسع عدم الاستقرار في البلاد، ليطاول دول الجوار، مثل الجزائر وتونس ومصر.

ويجري حالياً تبادل معلومات وتنسيق استخباراتي بين واشنطن وحلفائها، حول كيفية مقاربة المرحلة المقبلة في ليبيا، مع الاستمرار في تقييم نشاط "داعش" في المناطق التي ينتشر فيها في الشرق الأوسط. وهناك ترقب لما تحمله الأسابيع المقبلة، في حال تدهور الوضع الأمني بشكل دراماتيكي ومتابعة لسلوك الحكومة الليبية ومدى قدرتها على فرض سلطتها على الأرض.

تشير بالدانزا، رداً على أسئلة "العربي الجديد"، إلى أنه بالإضافة الى مواصلة الضربات الجوية "نحن نعمل مع المجتمع الدولي لتخفيف أثر النزاع في ليبيا وتشجيع الاستقرار وتعزيز الحكم الرشيد". وتضيف أن "ليبيا تحتاج إلى حكومة موحدة للتصدي لتهديدات (داعش) ومجموعات إرهابية أخرى". وتخلص إلى القول: "سنقف إلى جانب حكومة الوفاق الوطني ضد تهديد (داعش)".

التقارير الإعلامية الغربية تتحدث عن استعدادات في الأشهر المقبلة لنشر 6.000 جندي أوروبي وأميركي بقيادة إيطاليا. وكانت بريطانيا قد أعلنت الشهر الماضي أنها مستعدة لإرسال حوالى 1000 جندي إلى ليبيا في وضعية غير قتالية، وتتوقع أن تطلب الحكومة الليبية الجديدة المساعدة رسمياً. كما أرسلت لندن فريقاً استطلاعياً من القوات الخاصة إلى ليبيا، هذا الشهر، تمهيداً لاحتمال اتخاذ قرار التدخل.

لكن لا تزال هناك عوائق داخلية لهذا التدخل. وفي تصريح لصحيفة "تليغراف" البريطانية، يقول نائب رئيس حكومة الوفاق الوطني، أحمد معيتيق، إن "الحكومة الجديدة قد لا تحتاج إلى 1.000 جندي بريطاني على أرضها، لأن هذا الأمر شديد الحساسية بالنسبة إلى الليبيين"، مشيراً إلى أن "المساعدات التقنية واللوجستية مرحب بها، لكن يفضل أن تتحمل السلطات الليبية مسؤولياتها".

من جهة ثانية، تشير "ستراتفور" إلى أنه على الرغم من أن نفوذ القائد العام للجيش في ليبيا، الفريق خليفة حفتر، يمتد في شرق ليبيا، ويتوقع أن يلعب دوراً رئيسياً في قيادة جيش الحكومة الجديدة، لكن "هناك البعض في الغرب يعتقدون أن حفتر هو ثورة مضادة يريد أن يحكم ليبيا بنفس القوة كما فعل مرة (الرئيس المخلوع معمر) القذافي". وبالتالي، تتوقع المؤسسة أن تواجه قوات حفتر مشاكل في التعامل مع المليشيات المقربة من المؤتمر الوطني العام مثل "فجر ليبيا". وهنا، تسلط "ستراتفور" الضوء على العلاقة المتوترة بين حفتر وقائد قوات حرس المنشآت النفطية الليبية، إبراهيم الجضران، وبالتالي على التدخل الغربي الحذر في إدارة هذه العلاقة، لأن هناك حاجة لكليهما لضمان نجاح الحملة العسكرية.

وفي الخلاصة، فإن الهدف الرئيسي في ليبيا الآن، بالنسبة إلى واشنطن، هو تمكين الحكومة لتثبت فعاليتها بعيداً عن الانقسامات التي تلاحقها، وتوحيد صفوف القوات والمجموعات الليبية التي تقاتل "داعش". وفي حال كان هناك قرار أميركي بالتدخل، على الأرجح سيكون محدوداً بطبيعة الحال، يقتصر على استهداف قادة "داعش" بضربات جوية، كما فعلت في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بقتل أحد قادة التنظيم، ويدعى أبو نبيل العراقي، إضافة الى تدريب وإعطاء نصائح إلى القوات المسلحة الليبية، كما تفعل القوات الأميركية في العراق. وفي هذا السياق، تؤكد مصادر "البنتاغون" لـ"العربي الجديد" أن الضربات تهدف إلى "تجريد (داعش) من قدرته على تحقيق أهدافه في ليبيا".

اقرأ أيضاً: إيطاليا وألمانيا مستعدتان للتدخل في ليبيا... ومصر تعرض خدماتها 

المساهمون