فشل تمرير "الخدمة المدنية"... هل يتّجه السيسي لحلّ البرلمان؟

فشل تمرير "الخدمة المدنية"... هل يتّجه السيسي لحلّ البرلمان؟

22 يناير 2016
بدا ائتلاف الأغلبية أضعف من تمرير قانون عليه خلافات(الأناضول)
+ الخط -
فشل ائتلاف "دعم مصر" الذي يمثّل شكلياً أغلبية أعضاء مجلس النواب، في أهم اختبار له منذ تشكيله، بعدم تمكّنه من تمرير قانون الخدمة المدنية، الذي كان يراهن عليه نظام عبدالفتاح السيسي لفرض رؤيته الاقتصادية والوظيفية الجديدة المتجهة للتخفيف من الالتزامات تجاه المجتمع والعاملين بالدولة. فقد أظهرت عملية التصويت على القانون، موافقة 152 نائباً فقط، من إجمالي 596 عضواً في البرلمان، معظمهم ينتمون لحزب "المصريين الأحرار" الذي يقوده رجل الأعمال نجيب ساويرس، بالإضافة إلى نواب حزب "النور"، ما يعني أن ائتلاف الأكثرية الذي يتشكّل من 400 عضو تقريباً لم يصوّت منه لصالح القانون أكثر من 20 نائباً.

جاءت هذه النتيجة لتؤكد أن اعتماد الدائرة الاستخباراتية-الرقابية المحيطة بالسيسي، على عدد كبير من النواب المستقلين وغير المنتمين منذ فترات طويلة لأحزاب سياسية بتوجّهات أيديولوجية واضحة، أدى إلى أن يكون بناء هذا الائتلاف متصدعاً ومشروخاً من جذوره. فالنواب المستقلون عن الأحزاب، أو المنضمون حديثاً لأحزاب جديدة غير معروفة ومدعومة من الدولة، كحزب "مستقبل وطن"، يعتبرون أنهم قد نجحوا في الانتخابات بمجهوداتهم ونفوذهم العائلي أو المالي، وليس النفوذ السياسي لدائرة السيسي، أو المساعدة الأمنية، خصوصاً أن الشرطة لم تتدخّل في العملية الانتخابية إلا للتضييق على مجموعات محددة، أبرزها التابعة للمرشح الرئاسي الأسبق الهارب خارج مصر، أحمد شفيق، بسبب تمثيله خطراً على النظام الحالي لمنافسته على الشريحة الجماهيرية نفسها.

ويرى النواب المستقلّون والمنضمون حديثاً لأحزاب السلطة، أن نفوذهم يتمثّل في أبناء دوائرهم الانتخابية، وليس اعتمادهم على دائرة السيسي، وهو مشهد جديد على صعيد العلاقة بين السلطة الحاكمة والنواب المؤيدين لها والذين تعتمد عليهم في البرلمان. ففي عهود سابقة، أبرزها عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، كان هناك تمازج واضح بين نواب الأغلبية والحكومة، بسبب اعتماد هؤلاء في نجاحهم الانتخابي على التدخّل الأمني والمساعدات السياسية في مواجهة تيار الإسلام السياسي، وعلى رأسه جماعة "الإخوان المسلمين".

غير أن ما حدث في الانتخابات الأخيرة من تنحية الإسلام السياسي جانباً، وتراجع شعبية حزب "النور" السلفي، ومحدودية شعبية الأحزاب اليسارية والليبرالية التي تأسست على خلفية نجاح ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في الإطاحة بحكم مبارك، كلها أسباب أدت إلى تفريغ الدوائر لنواب معظمهم كانوا من المتنافسين على رضا نظام مبارك، تدعمهم قوى اجتماعية أو مالية محلية، فظفر أقواهم بالمقاعد النيابية من دون حاجة لدعم السيسي.

وفي ظل تضاؤل استفادة هؤلاء النواب من النظام، واقتصار العلاقة بين الطرفين على رغبة النظام في تطويع شعبية هؤلاء النواب ليكونوا ظهيراً سياسياً للسيسي ودائرته الاستخباراتية-الرقابية الجديدة، بمعزل عن الدائرة الأمنية، أصبحت القبضة التي تتحكم بها الدائرة في النواب أكثر رخاوة.

فمسؤول الائتلاف النيابي الداعم للنظام سامح سيف اليزل، وهو رجل استخبارات سابق، فشل في معركة "الخدمة المدنية" بامتياز، بل إنه ظهر ضعيفاً أمام نواب آخرين مدعومين من أجهزة أمنية أخرى، كانت تشغل موقع الصدارة في عهود سابقة، كجهاز الأمن الوطني (أمن الدولة)، والذي يرتبط به نواب مثل الإعلاميين توفيق عكاشة وعبدالرحيم علي، مع ملاحظة أن الأخير الذي قاد معارضة القانون هو المتحدث شبه الرسمي باسم أحمد شفيق في مصر.

اقرأ أيضاً: سباق البرلمان المصري: إقرار 147 قانوناً خلال يومين

تؤدي كل هذه الظواهر إلى حقيقة أن ائتلاف الأغلبية الذي نجح في الدفع بشخص أكاديمي بلا خبرة سياسية لرئاسة البرلمان وهو علي عبدالعال، بأغلبية كاسحة بلغت 401 صوت، هو أضعف تماسكاً حتى من أن يمرر قانوناً عليه خلافات، وبات من المستحيل تصوّر استمرار الوضع على ما هو عليه في مناقشة التشريعات المقبلة المهمة، ولم يعد مرجّحاً أن يكون هذا الائتلاف هو "الحائط الصلب" الذي يستند إليه السيسي لتمرير قراراته ومشاريعه.

كان تشكيل هذا "الحائط البرلماني" هو حلم السيسي الذي دفعه لإسناد إدارة الانتخابات وتشكيل ائتلاف الأكثرية إلى الدائرة الاستخباراتية-الرقابية التي أصبحت الأداة الأساسية له للإدارة السياسية، في ظل تراجع الاعتماد على جهاز الأمن الوطني، إلا أن هذا الحلم بات مهدداً، وذلك بعد تشكيل البرلمان، مما يطرح ظلالاً كثيفة من الغموض على مصير المجلس النيابي، وما إذا كان سيبقى أم سيتعرض للحل مبكراً.

فالسيسي لم يبدأ في تشكيل البرلمان إلا تحت ضغوط خارجية، وبعد التأكد من نجاح دائرته في تشكيل الائتلاف الانتخابي الذي أصبح نواة للأكثرية البرلمانية، وذلك خشية أن يؤثر انتخاب البرلمان بما له من سلطات واسعة في تقييد سلطاته الشخصية، سواء في السياسات الداخلية أو الخارجية، من المشروعات الاقتصادية وحتى التعاون العسكري وإرسال القوات المصرية للخارج.

وبشكل مفاجئ وقبل بدء الانتخابات، أدخل السيسي تعديلاً تشريعياً يسمح بحل البرلمان بعد انعقاده، الأمر الذي يجعل الطعون المنظورة حالياً أمام محكمة النقض بشأن بطلان انتخاب 150 نائباً تقريباً، معرضة في أي لحظة للفصل فيها، أو إحالة مواد قوانين الانتخاب إلى المحكمة الدستورية العليا، ذات التوجهات السياسية المساندة للنظام، لتحل البرلمان للمرة الخامسة في تاريخها، وبالتالي يصبح الطريق أمام السيسي مفتوحاً لاستكمال عهده من دون عقبات برلمانية.

ويطل هذا السيناريو برأسه الآن أكثر من أي وقت مضى، فالأكثرية النيابية أظهرت تشققها، وأصبح من الوارد جداً إعاقة قرارات السيسي بشأن إعلان حالة الطوارئ، أو إرسال الجنود للحرب في اليمن أو ليبيا أو الخليج، وكل هذه القرارات تتطلب موافقة برلمانية كبيرة، تناهز الثلثين وليست الأغلبية العادية البسيطة، مما يحوّل عرض هذه القرارات الحاسمة على البرلمان إلى مخاطرة كبيرة.

ومن جهة سياسية، فإن فشل تمرير القانون أهدر فرصة ذهبية كانت متاحة أمام ساويرس للتقرّب من النظام أكثر، وكذلك أمام حزب "النور" لمصالحة الأجهزة الغاضبة عليه، فكلا الطرفين اللذين حاربتهما الدائرة الاستخباراتية-الرقابية التي شكّلت ائتلاف "في حب مصر" واستأثرت باختيار رئيس مجلس النواب، كانا يسعيان لتحقيق خطوة تقارب أكبر مع النظام والدخول في لعبة مواءمات لعقد صفقات مستقبلية، من خلال إظهار مواقفهما الحقيقية المؤيدة لقانون الخدمة المدنية.

فساويرس جاهر أكثر من مرة بترحيبه بهذا القانون لتخفيف أعباء الدولة في التعيينات الإلزامية والترقيات الدورية وسداد فروق الإجازات وترحيل أيام العطلات، وهي جميعاً عيوب أدت إلى ترهل الجهاز الإداري للدولة. كما أن حزب "النور" يبدي مواقف نيوليبرالية تجاه الجهاز الإداري للدولة، ربما لعدم ارتباط قياداته العليا ومعظم قياداته الوسيطة بأروقة العمل الحكومي لعقود طويلة.

وبدا التصويت الضئيل لصالح القانون، بمثابة فضح لضعف تأثير ساويرس على النواب المستقلين، وعدم إمكانية الرهان عليه في أي وقت لتشكيل الحكومة، على عكس ما كان يحاول الترويج له أثناء صراعه مع ائتلاف الأغلبية "دعم مصر" قبيل انعقاد البرلمان.

وكشف فشل النظام في الدفاع عن قانون الخدمة المدنية أيضاً، قوة الجهاز البيروقراطي المصري، الممثّل في الموظفين الذين يناهز عددهم 7 ملايين، وتمس أوضاعهم نحو 30 مليوناً آخرين، يمثلون أسرهم وعائلاتهم، فهؤلاء في نظر النواب المستقلين أهم من رؤى النظام الاقتصادية.

ويبدو أن السيسي سيعلن قريباً فشله في مناطحة هذا الجهاز البيروقراطي، بعدما كان الرئيس المصري يريد أن يخفف أعباءه إلى النصف بواسطة قانون الخدمة المدنية. لكن عدم النجاح في تمرير هذا القانون، سيؤدي إلى خلل كبير في خطة موازنة الدولة التي تم رسمها وصدر قانونها بناء على ذلك، حيث ستتكبد الدولة خسائر مالية أكثر من 15 مليار جنيه (نحو مليار و900 مليون دولار) في حالة إلغاء القانون، تتمثّل في فروق الرواتب والأجور الوظيفية واشتراكات التأمين التي سددتها للموظفين وهيئة التأمين منذ 30 يونيو/حزيران الماضي.

ورأى بعض المراقبين أن إلغاء القانون امتص غضب معظم الموظفين قبل أي رد فعل غير محسوب في ذكرى الثورة التي تحين بعد أيام، لما يشوب القانون من مشاكل تتعلق بإلغاء العلاوة الدورية النسبية وإقرار علاوة ثابتة لكل فئة وظيفية. واعتبر رئيس مركز القاهرة للدراسات السياسية، أحمد مهران، أن قانون الخدمة المدنية كان يحمل اعتداء خطيراً على حقوق العاملين المدنيين وهو كان يحتاج إلى تصحيح. وعن رفض البرلمان للقانون، تساءل مهران في حديث لـ"العربي الجديد": "هل هذا الرفض مرهون بمرور ذكرى ثورة يناير، بحيث تكون هناك رؤية جديدة بشأن القانون عقب انتهاء ذكرى الثورة؟ وهل الدولة تخشى نزول 7 ملايين موظف حكومي إلى الشارع في هذه الذكرى"؟

اقرأ أيضاً: رفض قانون الخدمة المدنية و"دعم مصر" يفشل في الحشد

المساهمون