حزب الله وسياسته اللبنانية: نموذج لمواجهة السعودية بالوكالة

حزب الله وسياسته اللبنانية: نموذج لمواجهة السعودية بالوكالة

17 يناير 2016
حزب الله يوظّف سلطته محلياً للتعطيل وفرض الشروط(حسين بيضون)
+ الخط -


يبدو أنّ حزب الله أخذ على عاتقه مهمّة خوض المعركة السياسية والكلامية المباشرة مع السعودية، أو أنه أُوكل بهذه الوظيفة. ففي حين حافظ المسؤولون الإيرانيون لأيام على خطاب هادئ ومحذّر من انعكاس التوتر مع السعودية على ملفات المنطقة والحروب الدائرة فيها، اعتمد الحزب لهجة هجومية وشتائم شخصية وجّهها للمسؤولين السعوديين أو "وكلائهم"، قاصداً بذلك رئيس تيار "المستقبل" في لبنان، سعد الحريري، ما يعزّز فرضية أخذ الحزب مواجهة السعودية على عاتقه.

يقول مقربون من حزب الله إنّ السعودية بدأت المعركة بإعدام الداعية نمر النمر، "كما أنّ المملكة لم تترك شيئاً إلا وفعلته لمواجهة حزب الله والتضييق عليه". فتح الحزب المواجهة مع السعودية بعد سنوات من الاتهامات المباشرة بـ"ضرب المقاومة ومساعدة التكفيريين وفرز الملايين لتشويه صورة حزب الله"، في حين اقتصرت الردود الإيرانية على التوضيحات والتعهدات.

يحكي من يدورون في فلك الحزب عن "عجز القيادة عن تحمّل المزيد من السعودية"، وهو ما يُترجَم بما يبدو أنه أجندة تنفَّذ حرفياً بـ"حرب" مواقف وتصريحات وبروباغندا، بدءاً من الأمين العام للحزب حسن نصرالله، إلى رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" (الكتلة النيابية للحزب) النائب محمد رعد، ووصولاً إلى القياديين في الجسم التنظيمي للحزب. بما معناه أنّ حزب الله بات يخوض معركة بالوكالة ضد السعودية، وهو ما يعزّز ما سبق وعبّر عنه نصرالله، بكون حزبه أصبح "قوّة إقليمية"، ما يدفع العديد من المتابعين إلى القول إنّ حزب الله يوظّف سلطته محلياً للتعطيل حيناً وفرض الشروط حيناً آخر، وباختصار لتحصيل المكاسب السياسية لصالحه. هذا الواقع يمكن أن يفسّر كيف أنّ الحزب يعطّل انتخابات رئاسة الجمهورية (الموقع الشاغر منذ مايو/أيار 2014) في لبنان، ويساهم في عرقلة عمل الحكومة، أي أخذ البلد إلى فراغ شبه كامل.

اقرأ أيضاً: تقديرات غربية لأشكال المواجهة السعودية الإيرانية... المباشرة أو بالوكالة

نمط التعطيل والعرقلة وإسقاط السلطات مستمرّ في مسيرة حزب الله منذ الأزمة السياسية التي ولدت في لبنان بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري (في فبراير/شباط 2005). أسقط الحزب ثلاث حكومات وقام بعملية اجتياح عسكري لبيروت ومناطق أخرى (مايو/أيار 2008) ونفذ أكثر من انتشار أمني من خلال ما عُرف بظاهرة "القمصان السود" (أي انتشار مئات المحازبين باللباس الأسود) في الشوارع بغية إيصال الرسائل السياسية اللازمة. وهو ما يقود إلى القول أيضاً إنّ السياسات التي اعتمدها حزب الله خلال العقد الأخير توصل إلى نتيجة واحدة: النظام اللبناني لم يعد نافعاً ويجب تعديله ليتلاءم مع المتغيّرات السياسية. ما يعني تعديل الدستور والانتقال من المناصفة بين المسيحيين والمسلمين إلى المثالثة بين المسيحيين والسنّة والشيعة.

من الطبيعي أن ينفي مسؤولو الحزب هذه الخلاصة، ويقول المقربون منهم إنّ "مشروعاً مماثلاً ليس بالوارد أصلاً في ظروف إقليمية ودولية مماثلة". لكن كلام نائب الأمين للحزب، نعيم قاسم، عن محافظة حزب الله على مشروع إقامة الدولة الإسلامية في لبنان، جاء ليؤكد أنّ فريقه غير مؤمن بشكل الدولة اللبنانية ونظامها أساساً.

أخيراً، اجتمعت مصلحة الحزب في ضرب حلفاء السعودية في لبنان مع سعيه المتواصل إلى وقف العملية السياسية في لبنان بانتظار المكاسب المفترض أن يحققها من الحروب الإقليمية التي يشارك فيها. فأسقط الحزب نهائياً المبادرة الرئاسية التي تقدّم بها الحريري، والتي اقتضت تنصيب حليف الحزب والنظام السوري، النائب سليمان فرنجية، رئيساً للجمهورية. وبذلك ضرب الحزب مسعى حريرياً أي سعودياً، وأوقع الأطراف المحلية لهذا المحور في صراع داخلي (توتّرت العلاقات وانقطعت لأكثر من أسبوع بين الحريري وحليفه المسيحي الأول رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع).

ويعتبر مقربون من الحزب أنّ تسوية مماثلة سعى وراءها الحريري "أولاً وأخيراً من أجل عودته إلى السلطة". لم تتمكّن أوساط الحزب من رؤية أبعد من هذا الهدف بالنسبة للحريري "الذي قدّم عرضاً رخيص الثمن وساذجاً"، على اعتبار أن إيصال فرنجية إلى الحكم كان سيقابله بقاء الحريري في الحكومة لست سنوات (طوال العهد الرئاسي) والحصول على تعهّدات انتخابية ومالية ومشاريع استثمارية بالإضافة إلى وضع اليد على جزء كبير من ملف النفط اللبناني.

لم تتردّد قيادة الحزب لحظة واحدة في رفض مبادرة الحريري، بحسب من يدورون في فلكها، على اعتبار أنّ تسوية مماثلة من شأنها "إعادة إحياء الحريري سياسياً وتحسين ظروفه المالية (يعاني من ضائقة مالية كبيرة منذ أكثر من عامين) وتعيد تركيز دعائمه لدى السعوديين الذين باتوا يُجمعون على عدم الرهان عليه وحده كقوة سنّية في لبنان".

وبذلك يتابع الحزب معركة كسر الحريري، كجزء محلّي من حربه العامة مع السعوديين، بينما الحرب مستمرة بينهما بطريقة غير مباشرة في سورية والعراق واليمن والبحرين.

اقرأ أيضاً: لبنان: إرجاء الجلسة الـ34 لانتخاب الرئيس والملف في "الثلاجة"