تونس: النائب ماهر المذيوب يفتتح عمل "هيئة الحقيقة والكرامة"

تونس: النائب ماهر المذيوب يفتتح عمل "هيئة الحقيقة والكرامة"

15 يناير 2016
ستستمع هيئة "الحقيقة والكرامة" للمذيوب (العربي الجديد)
+ الخط -
تعتزم "هيئة الحقيقة والكرامة" في تونس، قريباً، عقد جلسات استماع علنية لضحايا الانتهاكات في العهد السابق، وقد تلقت، حتى الأسبوع الماضي، طلبات لنحو 24 ألف مواطن ومواطنة من مختلف التيارات السياسية والحقوقية والنقابية، ومنهم النائب في البرلمان التونسي، ماهر المذيوب، لطلب البحث في الانتهاكات التي تعرّض لها، ولرد الاعتبار، وجبر الضرر الرمزي لما تعرّض له هو وعائلته من مظلمة مريرة وانتهاكات جسيمة من بعض أجهزة نظام الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، من 23 إبريل/ نيسان 1991 حتى قيام الثورة التونسية في العام 2011.

ويعدّ المذيوب البرلماني التونسي الأول الذي يتقدّم بملفه إلى "هيئة الحقيقة والكرامة"، وقد تحدث عن مشاعره في هذا الخصوص لـ"العربي الجديد"، وقال: "كانت لحظة مهمة ويوماً مشهوداً وحركة مليئة بالرمزية، في بعدها وتأثيرها ووسائلها". واستذكر "تضحيات الشهداء، والمناضلات والمناضلين من كل الأطياف، والعائلات التونسية التي ذاقت الظلم والتعسف والجور والاستبداد في عهد الجمهورية الأولى".

وردّاً على سؤالٍ عما إذا كان سيسامح من ظلمه وعذبه، قال البرلماني التونسي: "الظلم ظلمات، والعفو عند المقدرة، هاتان مقولتان تربينا عليهما في وعينا الجمعي. ولكن، في الحقيقة عند الممارسة العملية، تصبح المسألة مركبة وأكثر تعقيداً. أسس الآباء المؤسسون للجمهورية الأولى ركائز دولة حديثة ونظاماً جمهورياً، إلا أن أسس النظام الجمهوري في تونس ما بعد الاستقلال كانت عرجاء، وبعين واحدة. فقد وجد النظام، وغابت قيم الحرية والعدالة، وعانت أجيال متعاقبة من كل العائلات الفكرية والسياسية في بلدي تونس من قوميين ويساريين وإسلاميين، وحتى أبناء النظام المخلصين من الدستوريين، من بطش الأجهزة، وتنكيل أدوات القمع والتشفي بالمنافسين، وقتل كل نفس تحرّري، مهما كانت حساسيته أو ألوانه".

 وأضاف في حديثه لـ"العربي الجديد" "عشنا في بلدنا تونس كل أنواع التعذيب والمحاكمات الصورية والممارسات المشينة في حق عائلاتنا. واليوم، لا أزال أتألم وأعاني من تبعات عشرية التسعينيات السوداء في تونس، ولكنني، أنا ماهر المذيوب، لا أحمل أي ضغينة أو حقد أو رغبة في التشفي، كتونسي أصيل وعربي مسلم الانتماء. لا أحلم بالانتقام ولا التشفي ممن أساءوا لي ولعائلتي، فهذه أشياء لا تقدم، بل تؤخرنا قروناً من الثأر والعداوات. لكن، من المهم الاعتراف بالخطأ والاعتذار للضحايا وعائلاتهم وجبر الضرر والتعويض الرمزي والمعنوي لهم ولعائلاتهم. ولكن، أقول إن كل كنوز الأرض لا تعوّض دقيقة في المعتقل، أو لحظة من لحظات التعذيب، أو موقفاً في أحد مخافر الشرطة أو حاجز تفتيش".

وعن الضرر والانتهاكات التي تعرّض لها، وهل كان السجن والتعذيب أم الإبعاد والعيش في المنفى، قال المذيوب: "منذ 23 أبريل/نيسان 1991، عندما كنت أتأهب للسفر إلى الجزائر في مهمة رسمية، وإلى حدود 14 يناير/كانون الأول 2011، عرفت وعرفت عائلتي أبشع أنواع التجاوزات، من الإيقاف التعسفي، والتعذيب الوحشي في دهاليز وزارة الداخلية شهراً، والسجن في ظروف غير إنسانية مائة يوم، والسجن الموحش ألف يوم، والمراقبة الإدارية بدون إذن قضائي خمس سنوات، حيث كنت أوقع في مراكز الشرطة ثماني مرات يومياً، والحرمان من مواصلة التعليم العالي في المؤسسات العامة والحرمان من العمل، ومن جواز السفر، وشتى أنواع التعذيب النفسي، ووصمة "التحقير"، و"الصبغة الخاصة" المجتمعية لي ولعائلتي. وهذا ليس إنشاءً كتابياً، بل تجربة مريرة في النفس والقلب، وهذه الأيام السوداء موثقة، لدى المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، ولدى الرابطة التونسية لحقوق الإنسان برئاسة المنصف المرزوقي الذي زارني، بصحبة رفاقه في الهيئة المديرة في المعتقل، واطلع على صور التعذيب والتنكيل الذي عانيت منه".

وقد تمكن المذيوب من مغادرة تونس عام 2003 بعد منع من السفر استمر 12 عاماً بدون أي موجب قانوني، وعمل في قطاع الصحافة الرياضية، ومع ذلك، ظلت أجهزة النظام السابق متوجسة منه، وكانت تبلغ عن قدومه ومغادرته بلاده. واللافت أنه لم يعرف في حياته سوى انتماء سياسي واحد معلن ورسمي، وكان للشبيبة وطلبة التجمع الدستوري الديمقراطي (الحزب الحاكم آنذاك)، إذ كان أحد المؤسسين لتجربته الطلابية الجديدة في الجامعة، بعد عقود من الإقصاء، وكذلك لاتحاد طلاب المغرب العربي. ويقول في هذا الصدد "يبدو أن بعضهم لم يستسغ وجود قيادي حزبي ملتزم دينياً في تونس القديمة، فاتهمت بالانتماء لحركة "النهضة"، والمفارقة أن القضاء برأني من هذه التهمة، ولم يجد ما يجرّمني من أجله سوى تهمة المشاركة السلبية، وترجمتها عدم مد الأجهزة الأمنية بأسماء أفراد وقيادات طلاب حركة النهضة، وهذا شرف أعتز به وليس تهمة".

 ويرى ماهر المذيوب، أول نائب في البرلمان التونسي يتقدم بملفه لهيئة الحقيقة والكرامة، أن تقدم مئات من الناشطين السياسيين والنقابيين، من بين 24 ألف تونسية وتونسي، بملفات للكشف عن الحقيقة، يبرز الثقة التي تحظى بها الهيئة، والرغبة الجامحة لدى التونسيين في كشف الحقائق، وتعرية الظلم الذي تعرّضوا له.

 وفيما إذا كان يعرف الذين ظلموه أو عذّبوه، وإن كانوا لا يزالون يشغلون مواقع رسمية، وهل التقى بهم بعد الثورة، قال المذيوب "أعرف أسماءهم ووظائفهم السابقة، والتقيت بهم، لكنني لا أهتم بهم اليوم، فهم جزء من صفحة قديمة من تاريخ بلدي، والتاريخ يتقدم، ولا يلتفت إلى الوراء، إلا للعبرة والموعظة، وعدم تكرار الأخطاء والانتهاكات".

وقال النائب المذيوب: "طوت الثورة السلمية صفحات مرعبة من تاريخ تونس، وسيطوي شبابها وبناتها الخيبات والمرارات التي حصلت، وأنا على يقين من أن تونس ستعرف، في السنوات المقبلة، نهضة وتقدماً حقيقياً ومستداماً على كل الصعد، وفي مختلف المجالات. وأنا مع خيار التسامح، فإن تعفوا وتصفحوا، ذلك أقرب لقلبي وعقلي ولمستقبل بلدي".

اقرأ أيضاً: المعارضة التونسية تقاطع احتفالات الثورة "الرسمية"

المساهمون