إمارة "حماة العقيدة": طعنة سلفية في خاصرة "مقاومة" تعز

إمارة "حماة العقيدة": طعنة سلفية في خاصرة "مقاومة" تعز

19 سبتمبر 2015
أهداف تيار "حماة العقيدة" تتعارض مع "المقاومة"(وضاح عبدالقادر عبدالقوي/الأناضول)
+ الخط -
تنتشر فصائل الحركة السلفية في معظم مناطق محافظة تعز اليمنية التي لم تعتد ظاهرة كهذه، مستببة في رفع منسوب قلق المواطنين، ولا سيما بعد أن تجاوزت الحركة نشاطها المعتاد، الذي ظل يقتصر طوال السنوات الماضية على الدعوة الدينية إلى المشاركة في المعارك التي تشهدها المحافظة. وتتعزز هذه المخاوف بعد تصدر تيار "حماة العقيدة"، الذي يصنّفه البعض بالغامض للمشهد.
يتحدث سكان تعز في مقايلهم (مجلس لتناول القات) وأماكن تجمعاتهم عن سيارات سوداء اللون كتب على جوانبها باللون الأبيض "حماة العقيدة"، تمرّ في شوارع المدينة بكثافة وعلى متنها أسلحة الرشاشات ومسلحون، وجوههم مغطاة بقطعة قماش سوداء أيضاً. يفرض هؤلاء العناصر تواجدهم العسكري في مختلف جبهات القتال في محافظة تعز طبقاً للكثير من المواطنين، فضلاً عن انتهاكات متعددة يقومون بها بدءاً من الخطف ومروراً بالقتل والنهب.


اقرأ أيضاً:
الخلافات وغياب الدعم يسرّعان تراجع قوات الشرعية في تعز

انقسام السلفيين

يتداول السكان في تعز أيضاً قائمة طويلة من الأسماء بينها نبيل واصل، عادل عبده فارع (أبو العباس)، أبو الصدوق، أبو الحارث، نشون الكواتي، باعتبارهم "أمراء" للتيارات السلفية المتعددة في تعز. يرى الكثير من غير الإسلاميين أنّ السلفيين في المجمل يتشاطرون مخططات متشابهة، بالرغم من الاختلافات الظاهرية بين هذه التيارات، لكن يعد التيار السلفي الذي يقوده الشيخ نبيل واصل، الذي يلقبه أنصاره بالأمير، التيار المتزن حتى اللحظة في اندماجه مع توجهات "المقاومة الشعبية" التي تواصل معاركها ضد مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في المحافظة.

ولا تمثل ممارسات أعضاء هذا التيار قلقاً لدى المواطنين. ويقدم السلفيون الشيخ نبيل واصل ممثلاً لهم، كعضو في المجلس التنسيقي لـ "المقاومة"، كما تم تعيينه أخيراً عضو اللجنة الحقوقية المكلفة بالنظر في قضايا الاختطافات والاعتقالات وإعادة الحقوق المنهوبة التي رافقت الحرب، وقامت بها بعض الجماعات المسلحة، ولا سيما من السلفيين أنفسهم.

ويتفق تيار واصل مع بقية التيارات السلفية الأخرى في هدف مواجهة مسلحي جماعة الحوثيين باعتبارهم "روافض"، كما يطلق السلفيون عليهم. كما يعتبر هذا التيار الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، عدواً لجماعته بمشاركته في قتال وتهجير السلفيين من منطقة دماج في صعدة، بحسب مقربين منه. وأدى انسجام تيار واصل مع بقية فصائل "المقاومة الشعبية" إلى جعل البعض يصنفه بأنه مقرب إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح في تعز.

في المقابل، يتزعم الأمير عادل عبده فارع وكنيته (أبو العباس) ما يسمى بتيار "حماة العقيدة" وهو تيار سلفي آخر، ويعتبر الأبرز والأقوى والأكثر انتشاراً ونفوذاً، وله صوت مسموع بين التيارات السلفية المتشعبة. يمتلك تيار "حماة العقيدة" من العتاد العسكري والبشري في صف الحركة السلفية ضعف ما يتملكه الجميع، طبقاً لمصادر سلفية معتدلة. ويسعى أبو العباس إلى أسلمة المجتمع بطريقته الخاصة على حد تعبير البعض.

يظهر موقفه تجاه الدولة المدنية بوضوح، وذلك بإقامته "إمارة إسلامية راشدة"، بعد شهرين فقط من الحرب الدائرة في محافظة تعز. وتقول مصادر مختلفة بينها سكان محليون من المنطقة التي تتخذ منها الإمارة الإسلامية مقراً لها، لـ "العربي الجديد" إن أبو العباس، قام بإعلان أول إمارة إسلامية في منطقة "الباب الكبير" وسط مدينة تعز جنوب اليمن.

إمارة "حماة العقيدة"

يتركز الوجود المتنامي لهذا الإمارة في أحياء المدينة القديمة (باب موسى، الأشرفية، وادي المدام، والجمهوري). والى جانب سيطرتها على مناطق الإمارة الإسلامية "الباب الكبير" ومناطق المدينة القديمة وسط تعز، تسيطر الجماعة السلفية "حماة العقيدة" على أجزاء من منطقة صينة غرب المدينة، ومنطقة النسيرية المحاذية لها، ووادي المعسل جنوب شرق المدينة، فضلاً عن المناطق المجاورة لقلعة القاهرة، وسوق الصميل القريب من إدارة أمن المحافظة.

توضح المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لدواع أمنية، لـ"العربي الجديد" أنّ الإمارة الإسلامية تتضمن محكمة خاصة تقوم بحل الصراعات المحلية، والقضايا الإدارية والمالية بين الناس وحتى المشاكل الزوجية، طبقا للشرعية الإسلامية التي تسعى محكمة الإمارة إلى تطبيقها، من خلال قاض تم تعيينه من قبل الأمير.

وبات قسم شرطة الباب الكبير، وقسم شرطة باب موسى، تابعين للإمارة. وفي السياق، يشير أحد المواطنين في حديث لـ "العربي الجديد" إلى أنه كسب حكماً صادراً من محكمة إمارة الباب الكبير ضد خصمه بخصوص نزاع متعلق بعقار تجاري، كانت المحكمة التجارية في الحكومة اليمنية الشرعية قد فصلت بذات موضوع القضية، بحكم صدر قبل قيام مليشيات الحوثي وقوات الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح بالانقلاب على الدولة.

وكان توقيت إعلان أبو العباس، أمير إمارة الباب الكبير وزعيم "حماة العقيدة"، عن "إمارته الإسلامية"، قد أثار الكثير من الشكوك وعلامات الاستفهام حول الهدف الحقيقي منها، ولا سيما أنها جاءت خلال الحرب التي اندلعت بين "المقاومة الشعبية" والجيش الموالي للشرعية من جهة وبين مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع، من جهة ثانية.

وعلى غرار كل خلل أمني، لم يستبعد محللون سياسيون بأن يكون للرئيس المخلوع علاقة بذلك، مشيرين إلى أنّ ممارسة بعض تيارات السلفيين أعمالاً تشبه ما تقوم به جماعة "تنظيم القاعدة" في مدينة المكلا جنوب شرق اليمن، زج بالحركة السلفية إلى واجهة مربع مشبوه.

من جهته، يقول المحلل السياسي، عبد الله الأحمدي، لـ "العربي الجديد"، إن الحركة السلفية، ولا سيما تيار "حماة العقيدة"، لها أهدافها الخاصة في القتال، إلى جانب هدفها المعلن في مواجهة مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع. ويوضح الأحمدي أنّ أهداف هذ التيار لا تنسجم مع هدف "المقاومة الشعبية" المتمثل بتحرير المدينة، واستعادتها من قوات الانقلاب. ويشير الأحمدي إلى أنّ صورة السلفيين غير واضحة للكثيرين في تعز، مرجعاً ذلك لتعدد تياراتهم المختلفة، كونهم لا يشكلون "كتلة واحدة"، على حد قوله.

وبحسب الأحمدي، فإن السلفيين في تعز منقسمون بين جماعة حركية اجتهدت في البحث عن تأصيل بعدم تحريمها للديمقراطية، ووصلت إلى قناعتها بالمشاركة في العمل السياسي، وبين جماعات أخرى تنشط بفاعلية لمحاكاة تيارات إسلامية ذات توجه عنفي، تسعى إلى تأسيس إمارات وخلافات إسلامية. وهذه الأخيرة أوجدت قلقاً شعبياً في تعز بخصوص المستقبل، وذلك بعد بروز ممارسات غريبة في الوقت الذي تعتبر فيه نفسها ظاهرياً من مكونات "المقاومة"، لافتاً إلى أنها "تطعن المقاومة الشعبية بالظهر"، على حد قوله.

اقرأ أيضاً تعقيدات الحل اليمني: خلاف بين المبعوث الأممي والشرعية

"طعن المقاومة"

تقول مصادر مختلفة لـ "العربي الجديد"، إنّ بعض تيارات الحركة السلفية المتشددة، تقوم من حين إلى آخر بافتعال الخلافات مع بقية مكونات "المقاومة الشعبية"، والتي تتحول أحياناً إلى مواجهات مسلحة بينهم، وذلك بسبب الخلاف حول حق التمركز في معظم المواقع التي تم تحريرها من مليشيات الحوثي وقوات الرئيس اليمني المخلوع، ومنها موقع قلعة القاهرة جنوب المدينة.

يروي عبدالله إبراهيم الأمير، أنّ السلفيين اشتبكوا مع مسلحين من "المقاومة"، أثناء تواجدهم في موقع قلعة القاهرة التي يصر السلفيون أن تكون تحت سيطرتهم، الأمر الذي دفع قيادات في "المقاومة" إلى التدخل وتسوية الخلاف. كما تتحدث مصادر في "المقاومة" نفسها أن خلافاً آخر نشب بين الطرفين حول السيطرة على منزل الرئيس المخلوع، الكائن في منطقة الجحملية جنوب شرق المدينة، بعد تحريرها.

بدوره يوضح الناشط السياسي، أحمد الجلال، لـ "العربي الجديد"، أنّ جماعة من السلفيين فرضت سيطرتها على مقر الأمن السياسي في منطقة صينة غرب المدينة، وطلبت من بقية مسلحي "المقاومة" من غير السلفيين مغادرة الموقع، لافتاً إلى أنّ قيادة "المقاومة" تدخلت وعملت على تسوية الخلاف.

وفي الوقت الذي كانت فيه قوات الشرعية و"المقاومة الشعبية" تخوض معاركها العسكرية، وتزحف من منطقة المرور تجاه منطقة الحصب غرب المدينة، في السابع من الشهر الحالي، حاول مسلحون من السلفيين خلط الأوراق بفرض خطط عسكرية تتعلق بتغيير متارس "المقاومة الشعبية" أمام جمعية الحكمة، ومدخل الأمن السياسي في منطقة صينة غرب المدينة، الأمر الذي اعترض عليه مقاتلو "المقاومة الشعبية"، ما أدى إلى حدوث اشتباك انتهى بسرعة بعد تراجع السلفيين. ويفيد عدد من السكان المحليين لـ "العربي الجديد"، بأن ذلك حدث أثناء زيارة الشيخ السلفي نشوان الكواتي لجبهة صينة، وهو زعيم لجماعة من السلفيين يتركز معظمهم في منطقة الجمهوري.

خطف وقتل ونهب

من جهتها، تكشف مصادر متعددة، طلبت عدم كشف هويتها تفادياً لتعرض حياتها للخطر، لـ "العربي الجديد"، أنّ مجموعات مسلحة من بعض تيارات السلفيين، قامت بأعمال اختطاف للمواطنين، واتخاذ إجراءات معينة وحتى "عقوبات" تتفاوت بين الفدية المالية والسجن، أو الإفراج في حال كان الشخص بريئا من التهم التي يوجهها له المختطفون. ففي شهر رمضان الماضي، تعرض منير الأهدل، وهو سلفي سابق، إلى عملية اختطاف من قبل جماعة من السلفيين، في منطقة الجمهوري جنوب شرق المدينة، بتهمة التخابر مع جماعة الحوثيين قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد 20 يوماً، مقابل مبلغ مليوني ريال يمني (قرابة ٩ الآف دولار)، طبقاً لما أعلنه مقربون منه.

وبحسب المصادر نفسها، قامت جماعة مسلحة تقول إنها من السلفيين، إذ يستقل مسلحوها سيارات تابعة لتيار "حماة العقيدة"، باقتحام منازل مواطنين، بينهم أشخاص في صفوف "المقاومة الشعبية"، وذلك بتهم مختلفة، من ضمنها "العمالة مع الحوثيين" أو "مخالفة الشريعة الإسلامية".

العقيد عبد الواحد السقاف، هو ضابط مساند لـ "المقاومة الشعبية"، يقول لـ "العربي الجديد"، إن منزله، في منطقة صينة غرب المدينة، تعرض للاقتحام من قبل مجموعة مسلحة من "حماة العقيدة" في 24 أغسطس/آب الماضي، بتهمة أنه متعاون مع جماعة الحوثي. ويلفت السقاف إلى أن أمير الجماعة، أبو العباس، اعتذر له عقب اقتحام منزله، عن طريق إمام وخطيب مسجد بلال، الكائن في منطقة صينة، الذي يعد من جماعة السلفيين هو الآخر.

لكن لم يصمد الاعتذار طويلاً، إذ اختطف مسلحون آخرون من نفس الجماعة السقاف، في 28 أغسطس، بذريعة أنه ضابط في اللواء 33 مدرع الذي كان يتواجد في محافظة الضالع الجنوبية، بقيادة العميد عبد الله ضبعان. والأخير قائد عسكري موال للرئيس المخلوع، ومتهم بجريمة إحراق ساحة الحرية في تعز؛ وهي ساحة تجمع الاعتصامات الشعبية التي خرجت تطالب المخلوع بالرحيل عن السلطة، وذلك في 29 مارس/آذار 2012.

ويوضح السقاف أنه ترك معسكر اللواء 33 في الضالع، الذي كان يتواجد فيه ضبعان، قبل بدايات الحرب وعاد إلى تعز. ووفقاً للسقاف، فإنه عقب اختطافه تم نقله إلى مقر الأمن السياسي الذي تسيطر عليه جماعة "حماة العقيدة"، ومن ثمة تم نقله إلى الأمير في منطقة الباب الكبير وسط المدينة، قبل أن يتم إطلاق سراحه في اليوم التالي من اختطافه والعفو عنه من قبل الإمارة.

اقرأ أيضاً: تعز.. الرمزية المدنية في مواجهة الحرب

ممارسات هذه المجموعات لم تتوقف عند الاختطاف بل وصلت إلى القتل، إذ قتل المواطن، أنور الوزير، في 4 سبتمبر/أيلول الحالي، أمام منزله الكائن في حي الأخوة وسط المدينة، من قبل مسلحين يستقلون سيارة سوداء مكتوب عليها "حماة العقيدة" بتهمة أنه "علماني".

يوضح خليل الشرجبي، والد زوجة الوزير، لـ "العربي الجديد" أن جماعة مسلحة على متن سيارة تحمل اسم "حماة العقيدة" عمدت إلى قتل الوزير بعد استدراجه إلى أمام منزله في منطقة الأخوة، في حين أفادت "المقاومة الشعبية" أنّ تنظيم القاعدة هو من قام بعملية التصفية. وبحسب شهود عيان في تلك المنطقة، فإن المسلحين وصلوا إلى منزل أنور الوزير، بعدما اخترقوا إحدى نقاط التفتيش التابعة لـ "المقاومة" القريبة لمنزلة من دون اعتراض.

من جهتها، تقول مجموعة من المنظمات العاملة المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان في تعز، إنها تلقت عدداً من البلاغات من قبل مواطنين ومؤسسات حكومية وشركات تجارية، تشكو تعرض ممتلكاتهم لأعمال نهب يقوم بها مسلحون معظمهم من يستقلون سيارات تابعة لـ "حماة العقيدة". ومن بين البلاغات تعرض عدد من سيارات ومعدات تابعة المؤسسات الحكومية للسرقة بينها مؤسسة الكهرباء والمياه، صندوق النظافة والتحسين ومكتب الزراعة.

ويؤكد مسؤول حكومي أنّ عدداً من معدات وسيارات مؤسسات الدولة في تعز قد تم الاستلاء عليها من قبل السلفيين ومن قبل مليشيات الحوثيين. كما تم الاستيلاء على أحد الباصات التابعة لمجموعة شركات هائل سعيد أنعم.

من جهته، يقول أحد مشايخ التيار السلفي المعتدل، إنه تم الاستيلاء على 70 سيارة من قبل تيارات سلفية وصفها بـ "المتطرفة". ويشير المصدر، الذي تحفظ على ذكر اسمه، إلى أنه غادر مدينة تعز بسبب محاولة اعتقاله، بسبب اعتراضه على أعمال النهب والاستيلاء على ممتلكات الغير "من قبل متشددين يزعمون أنهم من السلفيين"، على حد قوله. ويلفت المصدر إلى أنّ "أعمال النهب والاستلاء على حق الغير ليس لها مبرر في الشرع الإسلامي، محذراً من أن "بعض المتشددين ممن يعتبرون أنفسهم من الحركة السلفية في تعز، اجتاحتهم أفكار متطرفة، وعمل الأمن القومي الموالي للرئيس اليمني المخلوع على تغذيتها".

وأمام أعمال نهب وتخريب المؤسسات العامة والممتلكات الخاصة، أقرّ مجلس تنسيق "المقاومة الشعبية" والمجلس العسكري في تعز، تشكيل لجنة استعادة الحقوق في الأول من سبتمبر/أيلول الحالي، مهمتها النظر في الأعمال التي ترتكبها جماعة مسلحة، واتخاذ الإجراءات والقرارات المتبوعة بالخطوات عملية لإيقاف تلك المجموعات عند حدها، وتقديمها للمحاسبة أمام القانون وسلطات الدولة المختصة.

اقرأ أيضاً تعز: نزوح مئات الآلاف.. والحرب تدمّر المنشآت

دلالات

المساهمون