فرنسا وفرضية التخلي عن "إسقاط الأسد"

فرنسا وفرضية التخلي عن "إسقاط الأسد"

27 سبتمبر 2015
باريس من أشدّ داعمي المعارضة السورية (مصطفى يالكين/الأناضول)
+ الخط -

تبين التحركات الروسية الأخيرة في سورية، والقمة المرتقبة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي باراك أوباما، تخبّطاً تعاني منه الدبلوماسية الفرنسية في تعاملها مع الملف السوري، وضيق الهامش الذي تتمتع به باريس على المستوى الدولي بخصوص معالجة الأزمة السورية. ويرى مراقبون فرنسيون أنه في حال توصل بوتين وأوباما إلى صيغة توافقية حول تكثيف الحرب ضدّ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وإشراك نظام بشار الأسد في مرحلة انتقالية بعد القضاء على التنظيم في سورية، فإن باريس قد تجد نفسها مضطرة إلى التراجع عن مواقفها السابقة حيال نظام الأسد التي كانت تطالب باستبعاده من أي معادلة سياسية مستقبلية للنزاع السوري.     

ولوحظ أن فرنسا بدأت بالفعل أخيراً في تليين موقفها، اتجاه نظام الأسد، وهذا ما عكسته التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي أكد أن "باريس لن تطالب برحيل الأسد كشرط مبدئي للمفاوضات حول تسوية سياسية للنزاع في سورية". ورأى أن "الحل الدبلوماسي للأزمة يجب أن يمر عبر إقامة حكومة وحدة وطنية انتقالية قد تضم مقربين من نظام الأسد". 

وكان الرئيس فرانسوا هولاند قد دعا الأربعاء الماضي من بروكسيل إلى عقد مؤتمر دولي جديد حول سورية بإشراف الأمم المتحدة، لتعويض فشل مؤتمري جنيف واحد واثنين في التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع، مشدّداً على ضرورة "التئام كل الأطراف المعنية إقليمياً ودولياً حول طاولة المفاوضات".    

وتحاول باريس جاهدة ترتيب موقف متماسك اتجاه الأزمة السورية، غير أنها ترتطم بتناقضات متشابكة؛ فالموقف الفرنسي عند اندلاع الثورة السورية كان حازماً اتجاه نظام الأسد، الذي اتهمته باريس مبكراً بكونه المسؤول الأول والأساسي عن الجرائم التي ترتكب في حق الشعب السوري. وكانت فرنسا متحمسة للقيام بعمل عسكري واسع لإضعاف النظام السوري، وإجباره على الرحيل والقبول بصيغة سياسية انتقالية، لكنها اصطدمت بمعارضة الإدارة الأميركية في أغسطس/آب 2013 عندما استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية لدمشق.

ومذ ذلك الوقت، بدت باريس وكأنها رفعت يدها عن الملف السوري، واكتفت بتزويد الجيش السوري الحر ببعض المساعدات العسكرية الخفيفة التي كانت بمثابة "إراحة للضمير الفرنسي"، أكثر مما هي مساعدة لتغيير المعادلة العسكرية على الأرض. وبعد صعود قوة تنظيم "داعش" في الأراضي السورية، بقي الموقف الفرنسي على حاله معارضاً لأي مشاركة للنظام في تسوية سياسية للنزاع، بل إن فرنسا رفضت المشاركة في غارات التحالف الدولي ضدّ "داعش"، بحجة أنها تذهب في اتجاه تقوية النظام السوري.

غير أن هولاند سارع إلى تغيير موقفه إثر تفاقم أزمة اللاجئين والمهجرين السوريين على بلدان الاتحاد الأوروبي أخيراً، وبعد تزايد وتيرة المحاولات الإرهابية التي تستهدف فرنسا من طرف عناصر تتلقى تدريبات في معسكرات "داعش" على التراب السوري. وهكذا، أعلن هولاند عن قراره شنّ غارات فرنسية على معاقل "داعش" داخل سورية، ما شكل انعطافة لافتة في الموقف الفرنسي الذي كان حتى وقت قريب، يعتبر "داعش" والنظام السوري وجهين لعملة واحدة. غير أن قرار الغارات ضد "داعش" لم يمنح فرنسا ورقة إضافية للتأثير في مسار الأزمة السورية على المستوى الدولي، بسبب الفشل المبدئي لاستراتيجية الغارات الجوية في إضعاف "داعش"، والحد من تمددها سورياً وعراقياً.

وبدا الفرق واضحاً بين موقفي موسكو التي شرعت في قلب المعادلة حول الأزمة السورية، بفضل تعزيز حضورها العسكري على الأرض لدعم نظام الأسد، وباريس التي تسعى بدون نجاح إلى التأثير من الجو، مع الاستبعاد الكلي لأي مغامرة عسكرية برية، اعتبرها هولاند بنفسه "حماقة" و"غير واقعية".

وتوقع مراقبون أن يستمر الموقف الفرنسي في التحول إلى أن يصل إلى حد التراجع عن شرط إسقاط نظام الأسد، والقبول بإشراكه في المرحلة الانتقالية. ومن المؤشرات التي تعزز هذه الفرضية الصمت الرسمي المطبق بخصوص الزيارة التي بدأها أمس إلى دمشق ثلاثة نواب فرنسيين من الغالبية الاشتراكية الحاكمة؛ وهم رئيس جمعية الصداقة الفرنسية السورية البرلمانية النائب جيرار بابت، وزميلاه جيروم لامبير وكريستيان هوتان. 

ورغم أن النواب الثلاثة نفوا أي طابع رسمي أو تفويض سري لهذه الزيارة، مؤكدين أنها "مبادرة خاصة" تهدف بالأساس إلى "إبراز تضامن البرلمانيين الفرنسيين مع الأقليات المسيحية"، فإنهم لم يخفوا مساندتهم الكاملة "للسيادة السورية ودعم مؤسسات الدولة السورية ووحدة التراب السوري وصيانة حدوده".

وبخلاف الزيارة السابقة التي نظمها النائب جيرار بابت في فبراير/شباط الماضي، وأثارت حينها جدلاً كبيراً وغضباً رسمياً، عبر عنه حينها رئيس الوزراء مانويل فالس، وأيضاً وزير الخارجية لوران فابيوس الذي ندد بالزيارة، لم يثر الإعلان عن هذه الزيارة الثانية أي ردود أفعال سلبية في أوساط الحكومة الاشتراكية أو نواب الغالبية اليسارية. ولا يستبعد بعض المطلعين على كواليس الدبلوماسية الفرنسية ان تكون هذه الزيارة غير الرسمية تحمل رسائل سياسية للنظام السوري، بخصوص التراجع الفرنسي عن المطالبة بإقصاء الأسد.

اقرأ أيضاً: نواب فرنسيون اشتراكيون إلى دمشق محاباة للأسد

المساهمون