الواقع والوهم بمخاوف الدول الأوروبية من أزمة المهاجرين اللاجئين

الواقع والوهم بمخاوف الدول الأوروبية من أزمة المهاجرين اللاجئين

25 سبتمبر 2015
لاجئون يبيتون في زورق بانتظار قرار السلطات اليونانية(أوزجي أليف/الأناضول)
+ الخط -
استطاع زعماء ورؤساء الاتحاد الأوروبي، الهروب من المسؤولية إزاء أزمة اللاجئين، من خلال إبرام اتفاق شائك خلال القمة الأوروبية الطارئة التي انعقدت، ليل الأربعاء ــ الخميس، في بروكسل، لهذا الشأن، إذ أعلن رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، في ختام القمة، أنّ القادة الأوروبيين قرروا تقديم مليار يورو إضافية على الأقل إلى وكالات الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين في الدول المجاورة لسورية، وإقامة مراكز خاصة لتسجيل وإيواء اللاجئين في كل من اليونان وإيطاليا. وقال توسك إنّ "القسم الأكبر من هذا المبلغ سيذهب إلى المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي". 

وفي ما يخصّ مراكز الإيواء، أشار توسك إلى أنّ اليونان وإيطاليا تشكلان بوابة دخول المهاجرين واللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، ما سيسهل عمليات تسجيلهم والتحقق من هوياتهم وأخذ بصماتهم بمساعدة من وكالات الاتحاد الأوروبي، في هذين البلدين، في حلول نهاية نوفمبر/تشرين الثاني. أمّا الخطوة الثالثة فأعلن عنها توسك أيضاً، حول ضرورة تعزيز الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي لوقف تدفق المهاجرين بشكل لم تشهده أوروبا من قبل، قائلاً إنّه "نظراً للحروب التي لا يتوقع أن تضع قريباً أوزارها، نتحدث عن ملايين اللاجئين المحتملين وليس عن الآلاف". وأضاف أنّ "السؤال الذي يتعين علينا طرحه، كيف نستعيد السيطرة على حدودنا الخارجية؟" كلام ردّت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عليه بالقول: "سنتوصل إلى ذلك. أوروبا لديها القوة لإيجاد حلّ معقول".

وازدادت الانتقادات لدول الاتحاد الأوروبي في ضوء السلوك المضطرب لحكوماتها التي لم تتوصل لغاية الآن إلى سياسة مشتركة يمكن الركون إليها في التعامل مع قضية اللاجئين، على الرغم من الاجتماعات المتتالية لمسؤوليها خلف أبواب مغلقة للتباحث بشأن نظام توزيع الحصص الذي تطالب به المفوضية الأوروبية

وتتعنّت بلدان فيسغراد، التي تضم بولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك والمجر، وتعارض نظام الحصص الإلزامية والثابتة، لقناعتها بأنه لا يمكن أن تحل أي مشكلة، طالما أن الحدود الخارجية لمنطقة "شينغن" غير مغلقة بشكل فعال بوجه الهجرة غير الشرعية. وتعتبر هذه الدول أنّ المهاجرين يصلون بحراً إلى الحدود، ما سيؤدي إلى زيادة الحصص تباعاً، وخلال فترات ليست بعيدة. ولا يغيب عن مخاوف هذه الدول، القلق من إحداث خلل ديمغرافي وديني بشكل تدريجي، وهو الأمر الذي رفضه ممثل الكنيسة الإنجيلية في ألمانيا، الأسقف هاينريش بيدفورد شتروم، مؤكداً أنّ "الفكر المسيحي والأوروبي يقوم على واجب التضامن والمحبة، وهذه المخاوف تتناقض تماماً مع مبادئ الدين المسيحي، ومن الضروري بلورة سياسة لجوء تحترم إنسانية اللاجئين بغض النظر عن دينهم".

ولا تغفل هذه الدول، ولا سيما دول البلطيق، (إستونيا وليتوانيا ولاتفيا)، التأثير المجتمعي والاقتصادي مع تزايد عدد اللاجئين وعائلاتهم في ما بعد، خصوصاً وأن هذا الأمر لا يتعلق بعدد معين من اللاجئين السياسيين، إنّما الآلاف من لاجئي الحرب، في ظل مواردها الضعيفة ومناطقها التي تعاني أساساً من نسبة بطالة مرتفعة، ما قد يولّد باعتقادها، نفوراً واضطرابات اجتماعية بين السكان المقيمين واللاجئين القادمين، عدا عن انهماك دول مثل بولندا باللاجئين من الحرب في أوكرانيا.

اقرأ أيضاً الاتفاق الأوروبي: انقسام وآمال بتوقف تدفق اللاجئين

وعلى الرغم من أن بريطانيا والدنمارك وإيرلندا تتسلّح بأسبابها القانونية التي تمنحها حق الانسحاب من نظام الحصص لعدم توقيعها على قوانين الهجرة واللجوء، إلّا أن هذه الحجج، لم تقنع الدول المدافعة عن نظام الحصص، والتي تتحمّل الجزء الأكبر من أعداد اللاجئين مثل ستوكهولم وفيينا وبرلين، وهذا ما دفع بوزير داخلية ألمانيا، توماس دي ميزيير، إلى المطالبة بالضغط على الدول المعارضة ووقف الدعم المادي الأوروبي لها، في حال أصرّت على موقفها الرافض لخطط المفوضية الأوروبية بشأن توزيع اللاجئين.

وفي ظل لجوء بعض الدول إلى إقفال حدودها في وجه اللاجئين، متخلّية عن قيم التعاطف الإنساني، يرتفع منسوب الخوف من تزايد نشاط مهربي البشر، وقدّرت الأمم المتحدة المبالغ التي يتم جنيها من عمليات التهريب بـ10 مليارات دولار. وكانت كل من ألمانيا والنمسا قد بدأتا بتنفيذ إجراءات حفظ الأمن والنظام مع نهاية الأسبوع الماضي، في محاولة منهما لفرض رقابة على الحدود، بدل إقفالها، وكوسيلة ضغط على دول أخرى داخل الاتحاد، وهو ما تسمح به اتفاقية "شينغن" من خلال فرض القيود على الحركة بين بلدانها لمدة 30 يوماً، يمكن تمديدها إلى ستة أشهر، في حالات الطوارئ والتهديدات الأمنية الخاصة.

وترافقت هذه الخطوة، مع توجهات أوروبية جديدة تقوم على إعادة تزخيم الاتصالات والتنسيق مع دول جوار سورية، للحدّ من الزحف الكبير للاجئين، وتأتي في مقدمتها، كل من تركيا ولبنان والأردن وصولاً إلى اليونان الأوروبية، وذلك من خلال مطالبتها بمسك الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي وإقامة مناطق ساخنة بالتعاون مع وكالة شؤون اللاجئين، والاستفادة من زيادة الدعم وتقديمات التنمية للاتحاد. كذلك، تشمل هذه التوجهات إجراء مباحثات من أجل إنهاء الصراعات في الدول المشتعلة، بدءاً من سورية في المتوسط، وصولاً حتى آخر بقعة في جنوب أفريقيا، ذلك باعتماد سياسة الحوار مع الدول المعنية بأزمات الشرق الأوسط وعمادها روسيا وإيران والصين من جهة، وأميركا ودول مجلس التعاون الخليجي، من جهة أخرى.

كما أن هناك توجهاً لإنشاء صندوق تبرع للاجئين في الدول المجاورة لسورية، لمساعدتهم على تأمين الاحتياجات الضرورية، فضلاً عن سعي المنظمات الدولية لزيادة اعتماداتها أيضاً، بغية حثهم على البقاء في تلك الدول وردعهم عن السعي بالعبور إلى أوروبا، وخصوصاً أن هناك تقارير تبيّن أنّ أكثر العائلات تعيش بدولار واحد يومياً وأنّ كل 80 شخصاً يعيشون في مساحة لا تتجاوز الـ20 متراً مربعاً.

في المقابل، يرى اقتصاديون وجاهة في كلام نائب المستشارة الألمانية، وزير الاقتصاد، سيغمار غابريال، عن أنّ "توزيع 160 ألف لاجئ على أوروبا هو بمثابة قطرة في محيط"، في إطار توقع وصول عدد المهاجرين لأسباب أمنية من بلدانهم، إلى عتبة الملايين في السنوات المقبلة.

وكانت منظمة الهجرة الدولية، قد أعلنت أخيراً، أن نحو 464 ألفاً و876 مهاجراً عبروا البحر المتوسط خلال هذا العام، وهو ما يبلغ ضعفي عدد المهاجرين الذين عبروا المتوسط في العام 2014.

اقرأ أيضاً: قوارب الموت.. المأساة تلاحق اللاجئين براً وبحراً