صنعاء... بداية الانقلاب وخاتمته في ذكراه السنوية الأولى

صنعاء... بداية الانقلاب وخاتمته في ذكراه السنوية الأولى

21 سبتمبر 2015
الشمال يُشكل حاضنة شعبية للمليشيات (محمد حمود/الأناضول)
+ الخط -
تبدو صنعاء، بعد مرور عام على سيطرة مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح عليها، الوجهة المرتقبة الأبرز والأكثر تأثيراً في مسار الحرب المستمرة في اليمن. وتدل التطورات الميدانية على أن ساعة الصفر لإطلاق عملية تحرير العاصمة لم تعد بعيدة، فقد بدأت قوات التحالف العربي والشرعية و"المقاومة" بالتمركز والانتشار في مناطق عدة، سواء داخل مأرب أو في محافظة الجوف، وسط استمرار وصول التعزيزات من قوات التحالف العربي والشرعية إلى مأرب.

كما نجحت قوات التحالف والشرعية حتى الآن بفرض حصار على المليشيات من كل الجهات، وأغلقت المنافذ الجوية والبحرية والبرية على المليشيات في الشمال، وتم قطع الوقود عنها، فيما توقفت الحركة الاقتصادية في صنعاء.

لكن عوامل عدة تبقى مُحدداً رئيسياً لمسار المعركة والخيارات المطروحة أمام التحالف والشرعية. ويرى الكثير من المراقبين والمتابعين أن دخول هذه المعركة سيكون صعباً ومعقداً، وكلفتها ستكون كبيرة، وليس كتلك التي حصلت في الجنوب، ولهذا السبب يرد البعض التعزيزات العسكرية الكبيرة للتحالف من خلال الدفع بقوات عسكرية كبيرة تضم عشرات الآلاف من قوات الشرعية وتجهيز آلاف المسلحين من "المقاومة" والقبائل، فضلاً عن أكثر من عشرة آلاف من قوات التحالف، إضافة إلى الآليات العسكرية المتطورة وأسراب من الطائرات بما فيها "الأباتشي".

عوائق متعددة

أولى العوائق التي تقف في وجه تحرير صنعاء، أن مؤسسات الدولة المركزية العليا، والسياسية والسيادية والاقتصادية وغيرها، تتركز فيها، كما أن مؤسسات الدولة وفروعها في المحافظات مرتبطة بشكل كلي بمؤسسات الدولة في صنعاء، بما فيها تلك الموجودة في عدن، كحال الاتصالات والمالية والبنك المركزي وغيرهما. لكن البعض يقول إن هذه المؤسسات والمرافق باتت شبه مدمرة بل فارغة، فقد تم نهب معداتها وأجهزتها، لذلك لم تعد ذات أهمية في حال اندلعت حرب صنعاء بالفعل.

كما أن صنعاء تحتضن كثافة سكانية كبيرة، فعلى الرغم من النزوح الجاري منها، إلا أنه نزوح يكاد يكون ضعيفاً، مقارنة مع حجم سكان العاصمة، الذي يتجاوز الثلاثة ملايين شخص. وضعف النزوح هذا، يعود إلى أن كل محافظات الشمال تُعدّ مسرحَ عمليات وحرب.

وتحوي العاصمة أيضاً ومحيطها مخازن هائلة من الأسلحة، من مختلف الأنواع، بما فيها الصواريخ الباليستية، وخصوصاً في الجبال المحيطة بالعاصمة، والتي توجد في داخلها أيضاً عشرات الألوية والمعسكرات. وتقول مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد"، إن "هذه المعسكرات والألوية تضم قوات النخبة من كل التشكيلات العسكرية والأمنية، التي كان يحتفظ بها صالح في صنعاء لحماية حكمه، وهي قوات خاصة درّبتها الولايات المتحدة ودول أخرى لمكافحة الإرهاب، فضلاً عن قوات الحرس الجمهوري (النخبة)، إضافة إلى قوات الأمن المركزي، وهي قوات تعد مدربة بشكل جيد وتستخدم الأسلحة الحديثة".

ومن المتوقع أن يستخدم صالح والحوثيون هذه القوات، إضافة إلى الآلاف من المسلحين الحوثيين، لمواجهة قوات الشرعية والتحالف في صنعاء، وقد يعتمدون حرب الشوارع كخيار استراتيجي أساسي في هذه الحرب.

إلا أن البعض يعتقد أن أغلب هذه المعسكرات والألوية في صنعاء باتت شبه فارغة، وقد دُمرت أغلب الأسلحة التي بداخلها، كما قُتل الكثير من عناصرها من خلال إرسالها إلى مختلف الجبهات في بداية الحرب، إضافة إلى استهدافها من قِبل طائرات التحالف، لذلك لم يتبقَّ في صنعاء داخل هذه المعسكرات والألوية من قوات وعتاد إلا القليل، خصوصاً أن بعض عناصر هذه القوات غادروا مواقعهم والتزموا الحياد، فيما آخرون، وعددهم قليل جداً، انضموا لقوات الشرعية. ويُعتقد أنه سيكون لهم دور في حسم المعركة في صنعاء.

كما أن عاملاً آخر قد يكون عائقاً أمام توغّل قوات التحالف والشرعية في صنعاء، وهو الطبيعة الجغرافية للعاصمة ومحيطها. فتفوّق التحالف العسكري، لجهة العتاد المتطور وغرفة العمليات العسكرية المتنقلة المتطورة فضلاً عن الطيران، جعل مهمته سهلة نسبياً في المناطق الصحراوية وأعطاه تقدّماً سريعاً في حسم المعركة، ومثل هذه المناطق الصحراوية، وفق ما يوضح مصدر عسكري لـ"العربي الجديد"، "توجد فقط في مأرب والجوف والحدود مع السعودية، إضافة إلى شرق صنعاء، بينما تبدأ الصعوبة الميدانية لقوات التحالف في المناطق الجبلية والسهول والوديان، وهي الحرب التي يتقنها الحوثيون".

وتعد التضاريس الجبلية في صنعاء ومحيطها، وفي صعدة وعمران وحجة والمحويت، من أكثر العوامل التي تصعّب مهمة التحالف في تحرير تلك المناطق، لا سيما في صعدة وعمران، وهي معاقل تعرف المليشيات الحوثية تضاريسها جيداً وطرقها وكهوفها، إذ خاضت فيها ست حروب وحوّلتها إلى خنادق وكهوف ومتاريس.

ولأن المليشيات تجيد حرب العصابات في ظل التضاريس الوعرة، فإن هذا الواقع يُشكّل عقبة أمام التحالف للحسم السريع للمعركة، ولهذا الأمر يرى البعض أن التحالف لجأ إلى "المقاومة الشعبية" المكوّنة من رجال القبائل في مأرب والجوف للقتال ضد المليشيات، إذ إن رجال القبائل يجيدون التعامل مع التضاريس الجبلية.

لكن تبقى هناك عقبة الحاضنة الشعبية؛ فكلما توغلت قوات التحالف والشرعية و"المقاومة" في الشمال، لا سيما في إقليم آزال الذي يضم أربع محافظات، هي صنعاء وصعدة وعمران وذمار، وهو المعقل الرئيسي للمليشيات وحاضنته الشعبية، ستصبح مهمتها العسكرية داخل هذه المناطق خطرة، إذ إن هذه مناطق ينتمي إليها المسلحون، وتُشكّل مناطق معقلهم الديني المتمثل في الزيدية.

ومن شأن وضع كهذا أن يجعل من مهمة التحالف صعبة وشاقة وطويلة، كما أن أغلب هذه المناطق باتت حقول ألغام، زرعتها المليشيات. لذلك يقول البعض إن اختراق هذه الجبهة صعب، لكنه ليس مستحيلاً، من خلال التنسيق مع قبائل رافضة للمليشيات، أو تفكيك تحالف أخرى مع صالح، من خلال تطمينها على مصالحها، لا سيما أنها قبائل باتت تدرك أن الحسم اقترب، لذلك هي تبحث عن مخرج يضمن مصالحها، كقبائل خولان والحيمتين وبلاد الروس وبني حشيش والحارث، وكلها قبائل في محيط صنعاء. إلا أن عملية استقطاب هذه القبائل تبقى محفوفة بالمخاطر، إذ قد تلجأ للخداع عبر إعلان تأييد عمليات التحالف ثم تنقلب عليها، وهو أمر حصل في أكثر منطقة، وقد يستخدمه الحوثيون وصالح مجدداً.

في المقابل، فإن مصادر حوثية تتخوّف من خيانة صالح لها، فضلاً عن أن الذين تم إقصاؤهم ومحاربتهم واستهدافهم طوال الفترة الماضية من القبائل وغيرها، قد يكونون خلايا نائمة تستخدمها دول التحالف للانقضاض على المليشيات.

وتكشف مصادر حوثية أيضاً بأن جماعتها وضعت الكثير من القيادات والناشطين في صفوفها تحت المجهر، لا سيما تلك التي تشك بولائها، وهي إجراءات تأتي في إطار الخوف من سعي التحالف، في حربه ضد المليشيات، لتقديم وعود وامتيازات لهؤلاء، ومنها العمل على التنمية في إقليم آزال، وإمكانية تبني دول التحالف، لا سيما الخليجية منها، تدريس أبناء القبائل والشباب الذين لم يقاتلوا في صفوف مليشيات الحوثيين وصالح، في الخارج.

كما أن التحالف تمكّن من اختراق مناطق الحاضنة الشعبية للمليشيات، بما فيها التواصل عبر شخصيات يمنية، مع قيادات دينية زيدية، للتوضيح بأن الحرب لا تستهدف المذهب الزيدي، وليست حرباً دينية. وهذه التطمينات تسعى دول التحالف عبرها لتحييد الأطراف الزيدية الرافضة لتحويل الزيدية إلى أداة لتحقيق مصالح أطراف إقليمية داخل اليمن، لكن هذه الشخصيات الزيدية يسعى الحوثيون وصالح لجرها إلى الحرب.

اقرأ أيضاً: عودة هادي إلى عدن وشيكة... وغارات صنعاء لإراحة مأرب

كل هذه العوامل تولّد لدى بعض أطراف الشرعية مخاوف، لأن صنعاء لن تسقط بسهولة، وبالتالي يتم ترجيح الحل السياسي وانسحاب مليشيات الحوثيين وصالح من العاصمة. ويقول البعض إن قوات التحالف والشرعية قد تلجأ إلى تحرير محيط صنعاء، وفرض حصار شامل على المليشيات داخل العاصمة، واستخدام الطائرات في استمرار ضرب المليشيات داخل صنعاء، لكن ذلك قد يضع التحالف بموقف محرج من الجانب الإنساني، لا سيما في حال اتخذ الحوثيون والرئيس المخلوع السكان دروعاً بشرية.

لكن عملية تحرير صنعاء يتم التركيز عليها حتى اللحظة من الجهة الشرقية عبر محافظة مأرب، مع أن الجهات الثلاث الأخرى لا يوجد أي تحرك باتجاهها، لذلك يقول البعض إن العملية الأولى تتطلب تحرير مأرب والجوف، خصوصاً أن مأرب محاذية لصنعاء، ومنها قد تبدأ خطوة دخول صنعاء، بمساعدة قبائل نهم، بينما يرجح البعض أن الجهات الأخرى قرب صنعاء، ستشهد تحركاً عسكرياً، لكنه تحرك ينتظر لحظة إعلان ساعة الصفر لتحرير صنعاء.

ولأن صنعاء ذات كثافة سكانية وأهمية استراتيجية، تُعد الحرب فيها مكلفة، وبالتالي يرى البعض أن تحرير محافظات مأرب والجوف شرقاً، وصعدة وعمران شمالاً، والحديدة غرباً، وذمار جنوباً، سيكون كفيلاً بإسقاط صنعاء، التي ستكون تحت حصار محكم.

عام الانقلاب

شهد عام من الانقلاب تطورات كثيرة قبل أن تنتقل الأنظار إلى صنعاء. هذا العام بدأ بانقلاب الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح على الحكم وسيطرتهم على العاصمة، تخلّله إسقاط ونهب مؤسسات الدولة، وحصار الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومة خالد بحاح، وفرض الإقامة الجبرية على هادي وبحاح وكل طاقم الحكومة. تبع ذلك إعلان دستوري لمليشيات الانقلاب والإيغال في السيطرة على الدولة وكل مرافقها، قبل أن يتمكّن هادي من الإفلات من قبضة الحوثيين وينتقل إلى عدن ويتراجع عن استقالته، ولحقه إفلات وزير الدفاع محمود الصبيحي والعودة إلى عدن.

ثم بدأ ضغط دولي للإفراج عن بحاح الذي غادر إلى الولايات المتحدة، ومع عودة هادي إلى عدن وإعلانها عاصمة مؤقتة للدولة الاتحادية، سارعت دول الخليج إلى نقل سفاراتها وسفرائها إلى عدن وتأييد شرعية هادي، تبعت ذلك زيارة سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي عدن للقاء هادي ودعم شرعيته بعد قرار لمجلس الأمن يؤيد شرعية هادي ويرفض الانقلاب.

هذا الأمر ردت عليه المليشيات بمهاجمة الجنوب لوقف التحركات السياسية والدبلوماسية لهادي، فشنت طائرات الانقلابيين هجوماً على قصر المعاشيق الرئاسي، حيث كان يتواجد هادي، الذي خرج في خطاب أعلن فيه أن العلم اليمني سيُرفع في مران، وظهر بهذا الخطاب حينها وكأنه حصل على تطمينات خارجية لم يعرف أحد مصدرها حينها.

وسارعت مليشيات الحوثيين وصالح إلى مهاجمة الجنوب، وتمكّنت من السيطرة على قاعدة العند، في لحج، واعتقلت وزير الدفاع اليمني اللواء محمود الصبيحي واللواء ناصر منصور هادي، شقيق الرئيس اليمني، كما سيطرت على لحج بعد خيانات من بعض الألوية والمعسكرات، وقوبلت بمواجهة شديدة من المقاومة الفتيّة التي كانت لا تزال عفوية. ومع اقتراب المليشيات من عدن تمكّن هادي من مغادرة المحافظة إلى الرياض.

واستطاعت المليشيات التوغّل داخل عدن، قبل أن يبدأ تطور دراماتيكي قلبَ الموازين، مع انطلاق "عاصفة الحزم" ضمن تحالف عربي تقوده السعودية ويتكوّن من عشر دول، ليرتفع في ما بعد إلى 12 دولة. دول التحالف زوّدت "المقاومة" بأسلحة لمواجهة المليشيات، وبدأت تتشكّل "المقاومة" المنظّمة وتتوسّع مع غارات جوية على مواقع الحوثيين. بعدها بنحو ثلاثة أسابيع، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2216 الذي طالب المليشيات بإنهاء الانقلاب وعودة الشرعية.

ومع استمرار توسّع رقعة "المقاومة" وتدريب قوات التحالف لجيش جديد قادته لتحرير عدن ثم لحج وأبين والضالع وشبوة، تمكّنت دول التحالف من إعادة جزء من الشرعية التي انطلقت من أجلها وبدأت المرحلة الأخيرة من إسقاط الانقلاب.

اقرأ أيضاً: حراك دبلوماسي روسي في صنعاء... ومساران لتحرير تعز

المساهمون