توجّس إسرائيلي من أوروبا متعدّدة الأديان

توجّس إسرائيلي من أوروبا متعدّدة الأديان

20 سبتمبر 2015
المهاجرون السوريون في تركيا (بولنت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -
لا توجد دولة في العالم مسكونة بهوس الديمغرافيا والتغييرات الديمغرافية في المجتمعات المحلية والعالمية، كما هو حال إسرائيل. وتهجس دولة الاحتلال وخبراؤها، كما سياسيوها، منذ النكبة في عام 1948، بمخاوف "انتهاء وانقراض" العرق اليهودي في الدول الأجنبية، الذين يمكن جلبهم إلى فلسطين، بالدرجة نفسها التي تهجس فيها مجموعة الإشكناز (يهود متحدّرون من أوروبا الشرقية)، في ظلّ تراجعها الديمغرافي، من هوس تحوّل يهود الدول العربية والإسلامية إلى أغلبية في المجتمع الإسرائيلي.

وتواصل مؤسسات البحث الإسرائيلية ومراكز الإحصاء إجراء حساباتها حول متى سيتساوى العرب واليهود في فلسطين التاريخية (يتقاربان جداً مع نهاية العام 2020)، كما تبحث متى سترجح كفة العرب ويصبحون أغلبية بين النهر والبحر. وتدرس المؤسسات مرحلة تحوّل "إسرائيل إلى دولة من دون أغلبية يهودية" سواء انسحبت من الضفة الغربية والقدس المحتلتين، أم واصلت سياسة الاحتلال والاستيطان وعمدت إلى ترسيخ نظام فصل عنصري جديد.

وتجاوز الهوس حسابات موازين القوى العددية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بين البحر والنهر، إلى داخل الخط الأخضر، في حال تمّ التسليم بأغلبية مقبلة للشرقيين والحريديم، وفقاً لما اعتبره عالم الأنثروبولوجيا الإسرائيلي باروخ كمبيرلنغ، في كتابٍ له قبل نحو 14 عاماً، عن أفول سلطة ونجم طبقة "الأحوساليم"، وهي تجميع لكلمات "إشكنازي علماني اشتراكي ليبرالي غربي".

وللدلالة على الأهمية الديمغرافية لدى سلطات الاحتلال، فقد كتب السفير الإسرائيلي السابق في ألمانيا، شمعون شطاين، ما سماه ورقة "تقدير موقف" صادرة عن مركز "أبحاث الأمن القومي"، التابع لجامعة تل أبيب. و"تُحذّر" الورقة من تداعيات موجات الهجرة واللاجئين من المشرق العربي (اللاجئين السوريين) والمغرب العربي (دول شمال أفريقيا)، على النسيج الاجتماعي وموازين القوى الديمغرافية في أوروبا، في السنوات المقبلة، واحتمالات تحوّل النسيج الاجتماعي لصالح ما سمّته "قارة غير متجانسة الديانة، لا تدين بديانة واحدة ولا تحمل ثقافة واحدة أو إرثاً ثقافياً متجانساً، أو حتى وعياً تاريخياً".

اقرأ أيضاً: الهجرة وتحولات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي

وبحسب الورقة، فإن "أزمة اللجوء إلى أوروبا في الأسابيع الأخيرة وتدفق اللاجئين السوريين على القارة، قد داهمت دول الاتحاد الأوروبي على حين غرة، في حركة لجوء لم تشهد أوروبا مثيلاً لها منذ الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)". وتضيف الورقة: "وعليه، فإن الدول الأوروبية لم تكن قد أخذت استعداداتها واحتياطاتها، للتعامل مع الاحتياجات الفورية المباشرة، لاستيعاب هؤلاء اللاجئين. وهو ما أدخل الاتحاد الأوروبي في أزمة عميقة، خصوصاً في ظل انعدام التضامن الموحّد والاستعداد المتساوي لحمل العبء المترتب على موجات الهجرة الجديدة. وهو نابع بدوره من الاختلافات والفروق بين المجتمعات الأوروبية نفسها، سواء الثقافية أو الاجتماعية أو الاقتصادية والتاريخية".

لكن هذه الفروق والاختلافات لا تشغل بال السفير الإسرائيلي السابق لدى ألمانيا، ولا سبل تعامل أوروبا مع هذه الموجة، أو مع ميثاق برشلونة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1995، الذي سعت أوروبا من خلال إقراره لمواجهة حركات وموجات الهجرة من دول المغرب العربي، عبر البوابة الإسبانية. ما يقلق شطاين هو تداعيات استيعاب موجة الهجرة الجديدة بأعدادها الهائلة في الدول الأوروبية واندماج المهاجرين فيها وفي اقتصادها ونظامها السياسي والاجتماعي، لا سيما مع اعتبار البعض اللاجئين بمثابة "مخزون بشري لتحديث أوروبا وضمان مستقبلها في ظل أزمة الشيخوخة التي تعانيها".

وفي هذا السياق، فإن شطاين يرى أن "المشكلة تنبع بالأساس، برأيه، في كون القادمين إلى أوروبا، يحملون إرثاً ثقافياً وسياسياً بُني على أسس مدارس، غذّت لسنوات الشعور والموقف المناهض لإسرائيل، وبالتالي فإن هذا بحد ذاته سيكون مصدر قلق من شأنه أن ينعكس سلباً على مستقبل العلاقات الأوروبية ـ الإسرائيلية في السنوات المقبلة".

ويعتبر أن "الميراث الذي يحمله اللاجئون سيظهر أثره، وسيظهر مدى استعدادهم لتذويب أنفسهم وتبنّي ما تبنّاه الأوروبيون أنفسهم بعد الحرب العالمية الثانية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً". ويُبدي رأياً سلبياً بالقول "إن تجربة استيعاب اللاجئين المسلمين المقيمين حالياً في أوروبا، لا تبشر بالخير".

ويعكس مقال شطاين، قلقاً إسرائيلياً متعاظماً في السنوات الأخيرة، في كل ما يتعلق بصورة إسرائيل في العالم وتصاعد قوة حركة المقاطعة الدولية، وبالأساس من أن يؤدي تصاعد وتأثير هؤلاء المهاجرين، خصوصاً السوريين منهم في حال اندمجوا في المجتمعات الأوروبية، على الرأي العام الأوروبي وتعزيزه وتوجه هذا الرأي ضد سياسة الاحتلال وضد الممارسات الإسرائيلية.

وتسعى إسرائيل، إعلامياً على الأقلّ، في ظل فشلها العملي، إلى جلب يهود أوروبا إلى فلسطين. وتجد نفسها خاسرة في حال استمر ما تعتبره "تراجع أعداد اليهود في هذه الدول، وازدياد أعداد الأوروبيين العرب، وتأثير ذلك في مختلف قطاعات الحياة الأوروبية، التي تشهد في السنوات الأخيرة حراكاً باتجاه مواقف مؤيدة للقضية الفلسطينية مثلاً". وامتد "القلق" أيضاً إلى قلب مراكز السياسة والقرار الأوروبية، وبلغ أوجه مع فوز اليساري جيريمي كوربين المعروف بمناصرته للقضية الفلسطينية برئاسة حزب "العمال" البريطاني، يوم السبت.

اقرأ أيضاً: اليوم فقط أصبحت هناك أزمة سورية

المساهمون