انتخابات اليونان... تسيبراس اليوم ضدّ تسيبراس الأمس

انتخابات اليونان... تسيبراس اليوم ضدّ تسيبراس الأمس

20 سبتمبر 2015
تسيبراس (اليمين) وميماراكيس (أريس ميسينيس/فرانس برس)
+ الخط -
يانيس فاروفاكيس. لاجئون. حزمة مساعدات. انشقاق داخلي. صعود يميني. انتخابات تشريعية هي الخامسة في ست سنوات. جملة تحديات تتربّص برئيس الحكومة اليونانية المستقيل أليكسيس تسيبراس، وحزبه اليساري الراديكالي "سيريزا"، اليوم الأحد في الانتخابات التشريعية العامة.

من جديد، يوجّه تسيبراس الناخبين في اليونان إلى صناديق الاقتراع، بعد "رحلة" محفوفة بالمخاطر، قادها مع قياديي حزبه، في مواجهة جهات دائنة (الاتحاد الأوروبي والمصرف المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي)، تدخّلت غداة بدء الأزمة المالية اليونانية في العام 2009. رحلة سعى من خلالها إلى تطبيق برنامجه الانتخابي، على قاعدة "رفض التقشف"، ونقض كل سنوات الخضوع السابقة، التي أقدمت عليها الحكومات المتعاقبة. كان كل شيء على ما يرام. الحكومة اليسارية التي وُلدت في فبراير/شباط الماضي، أدهشت العالم بقدرتها على التفاوض، وقدّمت نموذجاً مغايراً للحكومات السابقة، خصوصاً لجهة رفض ما يمسّ بحقوق الناس. وكما في كل حكاية يبقى هناك "بطل"، والبطل في هذه الحالة هو وزير المالية المستقيل، يانيس فاروفاكيس.

تمكن فاروفاكيس من الوقوف ندّاً لند أمام الجهات الدائنة، وصمد في مفاوضاته حتى الخامس من يوليو/تموز الماضي، تاريخ الاستفتاء الشعبي في اليونان، الذي أفضى إلى رفض اليونانيين، بنسبة 61.31 في المائة، خطة "الإنقاذ" التي وضعتها الجهات الدائنة، والتي لم تكن سوى تعبير عن إرادة كسر أي مشروع يساري في قلب القارة العجوز واتحادها. حلم "الثورة" انتهى سريعاً. بعد أقلّ من ست ساعات على الخيار الشعبي المعارض لخيار "فرض المساعدات"، استقال فاروفاكيس. اكتفى ببيان مقتضب، ظهرت نتائجه لاحقاً، مع إشارة وزراء المال الأوروبيين إلى "صعوبة التفاهم معه"، وتحديداً المطالبة بصورة غير مباشرة بإزاحته قبل إكمال أي مفاوضات. دفع هذا الوضع بتسيبراس، الذي شدد على عدم خروجه من أوروبا، "بل تصحيحها من الداخل"، إلى تسهيل وضعية التفاوض مع الجهات الدائنة، عبر التضحية بفاروفاكيس.

اقرأ أيضاً: البرلمان الألماني يقر خطة إنقاذ اليونان بـ86 مليار يورو

أدّى خروج فاروفاكيس من الصورة إلى رضوخ تسيبراس سريعاً لشروط الجهات الدائنة، فقَبِلَ خطة المساعدة الثالثة للبلاد، التي بلغت قيمتها 86 مليار يورو (95 مليار دولار)، تمتد لثلاث سنوات، ونجح في تمريرها برلمانياً. تسيبراس وقع في الفخّ الذي حاول تجنّبه في الأشهر التي تَلَت ترؤسه الحكومة في أثينا، وهو "محاربة التقشف"، إذ نصّت الخطة الجديدة على اتخاذ إجراءات تقشفية، لم تخرج عن مثيلاتها في السنوات الست الماضية، والتي تزامنت مع تقديم الجهات الدائنة ما مجموعه 240 مليار يورو لليونان.

سعى تسيبراس إلى استيعاب الوضع، وعلى وقع انشقاق نوابٍ من حزبه، وابتعاد الجناح الشبابي لـ"سيريزا" عنه، قدّم استقالته في 20 أغسطس/آب الماضي، دافعاً البلاد إلى انتخابات تشريعية، يثق بأنه سيفوز بها، رغم صعوبة تأمينه الغالبية المُطلقة (151 من أصل 300 مقعد برلماني).

لم تعد الأمور سهلة على تسيبراس، فالجزء الأكبر من الشباب الذي وثق به، تخلّى عنه. في أثينا كلام كثير من نوع "تسيبراس الخائن" أو "تسيبراس المُخادع". الشباب اليوناني الذي كان متحفّزاً خلف قائده في الشتاء والربيع الماضيين، بات مستعداً للتخلّي عنه، من دون التحوّل إلى أحزاب أخرى، وكأن انشقاقاً عظيماً يترسّخ بين السلطة والشعب في بلاد الإغريق. كما أظهر استطلاع للرأي نشرته "صحيفة ايثنوس" مطلع الشهر الحالي، تراجع نسبة التأييد لـ"سيريزا" إلى 18.6 في المائة لدى الفئة العمرية بين 18 و34 عاماً، مقارنة مع أكثر من 30 في المائة في يناير/كانون الثاني الماضي.

وكأن هموم تسيبراس الداخلية لا تكفي، فحلّت عليه "لعنة" يمينية. حزب "الديمقراطية الجديدة" بقيادة فانجيليس ميماراكيس، يبدو في وضعٍ جيّد انتخابياً، بعد كشف أحد الاستطلاعات تقدّمه بنقطة واحدة على "سيريزا". علماً أن أكثر الاستطلاعات الإيجابية لـ"سيريزا" لا تمنحه أكثر من 28 في المائة من أصوات الناخبين، في ظلّ تردّد كتلة كبيرة وعدم حسمها رأيها الانتخابي. أما ميماراكيس (60 عاماً)، قائد المعارضة التشريعية، فقد تبنّى خطاباً أقلّ حدّة من تسيبراس، بعد إشارته إلى ضرورة "تشكيل حكومة وحدة وطنية، تضمّ جميع الأطراف التي وقّعت على الاتفاق الأخير مع الجهات الدائنة".

ويستند حزب "الديمقراطية الجديدة" في اقتراحه هذا، إلى عناصر عدة لتنفيذ مشروعه "الوحدوي"، ومنها: غياب البدائل السياسية الفعلية للشعب اليوناني، الذي جرّب جميع الأحزاب من جميع التيارات في السنوات الأخيرة، وتدفّق اللاجئين من سورية إلى الأراضي اليونانية في طريقهم إلى الداخل الأوروبي، فضلاً عن حاجة اليونانيين إلى "الوحدة" لتطبيق بنود الاتفاق المالي الأخير، عوضاً عن إعلان إفلاس البلاد نهائياً بعد ثلاث سنوات.

في موضوع اللاجئين، فنّد تسيبراس وميماراكيس، في مناظرة مشتركة على قناة "اي آر تي" الرسمية، قبل أيام مواقفهما في هذا الصدد. شدد تسيبراس على أن "شنّ عمل عسكري ضد مهرّبي المهاجرين لن يكون مجدياً في المياه اليونانية". وأوضح أن "عمليات من طبيعة عسكرية ستضرب لاجئين أبرياء وليس مهرّبين، فالمراكب تصل من دون مهرّبين على متنها". أما ميماراكيس فاعتبر أنه "يتعّين طرد المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية". بالنسبة إلى تسيبراس، فإن موضوع اللاجئين يُشكّل ضربة مؤلمة في الوقت الحالي لليسار الأوروبي، على وقع الضجيج اليميني المتنامي.

صحيح أن مسار "سيريزا" وتسيبراس، ألهم يساريي أوروبا، وبدا الرجل الأربعيني أقرب إلى البولندي ليش فاليسا في ثورة "التضامن" البولندية في مرفأ غدانسك، ضد السوفيات مطلع ثمانينيات القرن الماضي، لكن الصحيح أيضاً أن تسيبراس خرج عن برنامجه الانتخابي، الذي وصل بواسطته إلى الحكم، وأبعد فاروفاكيس، أحد أقوى رجاله، عن صناعة القرار في أثينا. وهو ما يدركه الشبان اليونانيون الخائبون، وكان أحدهم الأكثر تعبيراً عما يختلج في قلوبهم: "صوّتتُ لحكومة يسارية. كنت أريد البقاء في أوروبا، لكن سيريزا فعل كل ما كان يقول إنه لن يفعله".

اقرأ أيضاً: المستقبل الجيوسياسي الأوروبي والأزمات الخانقة