الحكومة المصرية الجديدة: تكريسُ الفشل واستبعاد "الديكور الديمقراطي"

الحكومة المصرية الجديدة: تكريسُ الفشل واستبعاد "الديكور الديمقراطي"

20 سبتمبر 2015
بقي أحمد الزند وزيراً للعدل رغم التهم ضده(العربي الجديد)
+ الخط -
أدّت الحكومة المصرية الجديدة، برئاسة شريف إسماعيل، أمس السبت، اليمين الدستورية، أمام رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، حاملة معها العديد من دﻻلات فشل السياسات الحكومية منذ صعود السيسي إلى السلطة، وﻻ سيما بعد إلغاء 3 وزارات بعد إنشائها بأقل من عام، وهي وزارات السكان والتطوير الحضاري والتعليم الفني، ودمجها في وزارات الصحة والاسكان والتربية والتعليم. يعكس إلغاء الوزارات الحديثة تخبط إدارة السيسي، وعدم تحديد طريقة إدارة الدولة والملفات التنموية، وخصوصاً أن السيسي منذ توليه الرئاسة، كان يتحدث عن بعض هذه الوزارات كحلول نهائية للأزمات التي تواجهها الدولة في بعض المجاﻻت، ﻻ سيما التعليم الفني الذي روّج السيسي كثيراً لحقيبته الوزارية كأساس لتطوير هذا المجال التعليمي الذي يعاني الإهمال منذ عقود.

وجاء التشكيل الحكومي الجديد متضمّناً تعيين 16 وزيراً جديداً، والإبقاء على وزراء الحقائب السيادية المتمثلة في الدفاع والداخلية والخارجية والعدل، بالإضافة إلى 13 وزيراً آخرين، بمعنى أنّ أغلبية الوزراء في حكومة إبراهيم محلب التي أطيح بها بعد تشهير وهجوم عنيفين في وسائل الإعلام، بقوا في مناصبهم.

ويبدو أنّ "محاربة الفساد" كان مجرد عنوان عريض للترويج للنظام، في وقت تعرّضت فيه شعبيته لهزة عنيفة في ظل ارتفاع اﻷسعار، وتسلّل فلول "الحزب الوطني" المنحل للبرلمان عبر اﻻنتخابات الحالية، إذ حافظ رئيس الحكومة الجديدة على كل من وزير العدل، أحمد الزند الذي تلاحقه اتهامات الفساد والاستيلاء على أراضي الدولة، كذلك وزير اﻷوقاف، محمد مختار جمعة، الذي أشارت إليه أصابع اﻻتهام في قضية رشوة فساد وزارة الزراعة التي أطيح على إثرها بوزير الزراعة السابق، صلاح هلال، وكذلك وزير التخطيط، أشرف العربي الذي توّرط شقيقه في القضية ذاتها.

يترجم الوزراء الجدد حالة الجمود المسيطرة على الطبقة الحاكمة في مصر، وظاهرة اﻻعتذارات الواسعة عن شغل المناصب الوزارية التي عرقلت تشكيل الحكومة. ففي مقدمة الوزراء الجدد، الدكتور أحمد زكي بدر، آخر وزير تعليم قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، والمنسق العام لقائمة "في حب مصر" اﻻنتخابية الداعمة للسيسي، والذي عُيّن وزيراً للتنمية المحلية خلفاً للواء عادل لبيب. ويشير مراقبون إلى أنّ بدر ﻻ يحظى بشعبية في الشارع المصري، نتيجة إدارته السلبية وافتعاله المشاكل مع المعلمين والطلاب في فترة وزارته اﻷولى. وتعتبر مصادر مطلعة عودة بدر أنّها "محاولة مبكرة للسيطرة على المحليات وإحكام قبضة الدولة عليها قبل اﻻنتخابات المحلية التي ستجري، خلال عامي 2016 و2017، بعد وضع القانون الجديد للمحليات".

وترى المصادر ذاتها، أنّ تعيين اللواء محمد العصار، عضو المجلس اﻷعلى للقوات المسلحة، منذ ما قبل ثورة يناير/كانون الثاني، والذي كان مسؤولاً عن ملف التواصل مع الوﻻيات المتحدة، وزيراً للإنتاج الحربي، هو بمثابة مكافأة نهاية الخدمة للعصار، الذي كان، حتى أمس اﻷول، مساعداً لوزير الدفاع لشؤون التسليح، وكذلك لتحفيز ملف استيراد اﻷسلحة الذي كان يتولاه منذ منتصف العقد الماضي مستغلاً علاقاته القديمة بالدول الكبرى في هذا المجال.

وتمّ تعيين القاضي مجدي العجاتي، رئيس قسم التشريع في مجلس الدولة، الذي أشرف على صياغة القوانين خلال العامين اﻷخيرين، وزيراً للشؤون القانونية ومجلس النواب، وهي الحقيبة التي كانت تسمى، منذ أحداث 3 يوليو/ تموز 2013 بـ"العدالة اﻻنتقالية". تضع هذه الخطوة، نهاية لكلام النظام الحالي عن مشروع "العدالة اﻻنتقالية" الذي كان يتبناه الجناح اليساري من النظام، منذ عهد حكومة حازم الببلاوي، والتي أفشلها الجناح العسكري من النظام بتصعيد المواجهة مع التيار الإسلامي وجماعات الشباب المنتمية لثورة يناير، وإغلاق المجال السياسي أمامهم.

اقرأ أيضاً: 15وزيراً جديداً في الحكومة المصرية..ووزير تعليم مبارك يعود

كما تم تعيين سعد الجيوشي، وزيراً للنقل بهدف إبقاء الوزارة مدنية، إذ كان مرشحاً لها رئيس عمليات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، اللواء كامل الوزيري. وتم تعيين الكاتب اليساري، حلمي النمنم، وزيراً للثقافة، وهو أحد الناشطين في "جبهة الإنقاذ" المنحلة، التي ساندت الجيش، في انقلاب يوليو/تموز 2013. وتم دمج وزارتي التربية والتعليم مع التعليم الفني تحت إشراف الوزير الجديد الهلالي الشربيني. كما تمّ دمج وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي تحت إشراف الوزير الجديد، أشرف الشيحي.

وشهد التشكيل الجديد، واقعة غريبة بعودة هشام زعزوع وزيراً للسياحة، بعدما تم إبعاده في التعديل الحكومي السابق، ليصبح بذلك الوحيد المتبقي في الحكومة. وكان قد سبق تعيينه في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، وكان أحد الوزراء الذين فجّروا حكومة هشام قنديل من الداخل وأعلنوا تضامنهم مع تظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013. وحلّ زعزوع بدلاً من الوزير السابق خالد رامي. ويحظى وزير السياحة الحالي بثقة الجيش واﻷجهزة اﻷمنية.

وتعيد مصادر حكومية في حديث لـ"العربي الجديد"، السبب الرئيسي لخروج وزير الصناعة والتجارة، منير فخري عبدالنور، من التشكيل، إلى غضب رجال اﻷعمال منه، بسبب قراراته اﻷخيرة بشأن شروط التصدير. كما رفض عبدالنور عرضاً للعودة وزيراً للسياحة، وهي الحقيبة التي توﻻها عقب ثورة يناير/كانون الثاني، باعتبارها إهانة له. وبخروج عبدالنور، تكون الحكومة قد خلت تماماً مما اصطلح بتسميته "الجناح الديمقراطي"، الذي كان يضم الليبراليين واليساريين في حكومة نظام ما بعد جماعة "اﻹخوان المسلمين"، بحسب المصادر.

وتشير المصادر ذاتها إلى أن كثرة الاعتذارات أدّت إلى الإبقاء على وزير التموين، خالد حنفي، الذي كان السيسي قد انتقد أداءه أكثر من مرة، بسبب فشله أمام فوضى اﻷسعار التي تعصف بالسوق المصرية. وتفسّر المصادر، اﻷمر ذاته بالنسبة لوزير اﻻستثمار أشرف سلمان، الذي فشل في إدارة المشاريع المشتركة التي أعلنت عنها الحكومة في المؤتمر الاقتصادي اﻷخير، الذي روّج له النظام كطوق نجاة للاقتصاد المصري، باﻹضافة إلى تعثّره في تنفيذ مشروع الشباك الواحد، الذي يهدف إلى تسهيل إجراءات استثمار اﻷجانب في السوق المصرية.

وفي سياق متصل، يستمر السيسي في إرضاء جموع القضاة خوفاً من انقلابهم عليه، وذلك باعتماد اختيار نائب رئيس محكمة النقض، نبيل صادق، نائباً عاماً، بعد أكثر من 80 يوماً من فراغ المنصب بعد اغتيال المستشار العام، هشام بركات في 29 يونيو/حزيران الماضي. ووجّه اختيار صادق صفعة أخرى لوزير العدل، أحمد الزند، الذي كان يدفع باتجاه تعيين القاضي عادل السعيد، نائباً عاماً، وهو المعروف بعلاقته الوطيدة بالنائب العام اﻷسبق، عبدالمجيد محمود، وبغيره من رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وكان مجلس القضاء اﻷعلى قد اختار صادق لمنصب النائب العام، وحاول الزند عرقلة هذا اﻻختيار، والترويج ﻹمكانية أن يحدد الرئيس بنفسه النائب العام من دون اﻷخذ باختيار مجلس القضاء الذي يمثّل قمة سلطة القضاء العادي. وسبق للسيسي، أيضاً، أن أهمل مقترحات الزند بشأن قانون "اﻹرهاب" ونفذ ملاحظات مجلس القضاء الذي رفض تسريع المحاكمات وحرمان المتهمين من حق سماع الشهود.

اقرأ أيضاً: تغيير بعض وزراء المجموعة الاقتصادية في الحكومة المصرية الجديدة